الاستعصاء الديمقراطي في العالم العربي ودور العوامل الجيوستراتيجية

الاستعصاء الديمقراطي في العالم العربي ودور العوامل الجيوستراتيجية
عبد اللطيف الحنّاشي
دكتور وباحث جامعي تونسي، مختص بالفكر السياسي المعاصر، مؤسّس ومشرف على المنتدى المغاربي للتنمية والديمقراطية.
إنّ فشل ما اصطلح عليه بـ”الربيع العربي” وما تلاه من محاولات متباينة لبناء أنظمة عربية على أُسُس ديمقراطية دستورية تفصل بين السلطات وتقرّ مبدأ التداول السلمي على السلطة مع وجود هيئات دستورية مستقلة، أعاد النقاش حول عوائق قيام حياة ديمقراطية سليمة في العالم العربي ومنها خاصّة عدم قابلية المجتمعات العربية للممارسة الديمقراطية، نظرًا لتمدّد الولاءات التحتية (العلاقات العشائرية والقبليّة والعصبيات الطائفية والمذهبية..)، وتحكّمها في تفاصيل الحياة السياسية والاجتماعية الأمر الذي يؤدي إلى سوء التمثيل السياسي في تلك المجتمعات، بالإضافة إلى غياب أو نقص في القيم التي يتطلّبها النظام الديمقراطي كقيم الحوار والتسامح والاختلاف والاعتراف المتبادل المؤسَّس على عوامل ثقافية ودينية راسخة.
ورغم أهمية هذه المعوقات، وغيرها كثير بالتأكيد، فإنّ ما يلفت النظر هو أنّ أصحابها كثيرًا ما حاولوا تضخيمها أحيانًا وتمطيطها أحيانًا أخرى وكأنّهم بذلك يرغبون، بقصد أو عن غير قصد، في إقناع الناس بعدم إمكانية تحقيق هذا الشكل من نظام الحكم الحديث، والحال أنّ تلك المعوقات تظلّ نسبية وغير حتمية بكلّ المقاييس ولا تمثل خصوصية عربية أو استثناءً عربيًا.
والمثال على ذلك، دولة الهند وإندونيسيا وماليزيا والباكستان التي تتميّز بتعدّد الأعراق والديانات والطوائف واللغات، وبالرغم من هذا المعطى، تجاوزت هذه الأنظمة تلك العوائق بتوفر الإرادة السياسية واقتناع النخب بحيوية الخيار الديمقراطي للحفاظ على استمرار الدولة واستيعاب التنوّع وتحويله إلى عنصر بناء وتقدّم.