مقالات

هل إيران تخوض حرب الملاحة الدولية تحت مظلة الحوثيين

هل إيران تخوض حرب الملاحة الدولية تحت مظلة الحوثيين

المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات ….

 

المحللين السياسين والعسكرين والخبراء القانونيين يتحدثون على شاشات المحطات الفضائية أنه يستحيل في النهاية أن تستمر الحال على ما هي عليه في البحر الأحمر، فلا الأساطيل الأميركية يمكنها الإستمرار في مراقبة إطلاق الصواريخ الحوثية الداعمة لغزة وهو موقف متقدم لما يجري من حرب بربرية على قطاع غزة من عمليات تدمير وإبادة جماعية وتطهير عرقي، ولا الإقتصاد العالمي بقادر على مراقبة الأضرار الفادحة ألتى تلحق به، ومنذ أن بدأت جماعة الحوثي هجماتها على السفن في البحر الأحمر وخليج عدن لم تتوقف التحليلات الإيرانية، وأحياناً الروسية، عن البعد الدولي لهذه الهجمات، بإعتبارها مدخلاً إلى تغيير واقع السيطرة الأميركية والغربية على البحار والمحيطات، وكانت قد أتخذت هذه التحليلات الإيرانية خصوصاً منحى ملموساً مع الدورة السنوية الخامسة للمناورات البحرية الإيرانية ـــ الروسية ـــ الصينية في بحر عمان، وألتى أختتمت يوم الجمعة الماضي، فقد ترافقت هذه المناورات مع تصعيد حوثي غير مسبوق، وصل إلى حد تهديد زعيم الجماعة السيد عبدالملك الحوثي بمهاجمة السفن ألتى تعبر المحيط الهندي بإتجاه رأس الرجاء الصالح، وليس الأكتفاء فقط بالإغارة على تلك ألتى تعبر باب المندب بإتجاه البحر الأحمر، وهو ما يشكل ترجمة ملموسة لرغبة طهران بلعب دور في المياه الدولية يتحدى وقائع النفوذ التقليدي للدول المعنية والقوانين ألتي تحكم الملاحة البحرية الدولية، الإعلان الحوثي عن مهاجمة السفن المتوجهة من المحيط الهندي إلى جنوب أفريقيا هرباً من باب المندب، جاء ذلك في الوقت الذي كانت فيه فعاليات المناورة الإيرانية ـــ الروسية ـــ الصينية مستمرة، بهدف تعزيز الأمن البحري في المنطقة، وإظهار قدرات الدول الثلاث على صيانة السلم العالمي والأمن البحري، وتعزيز أمن التجارة البحرية الدولية ومواجهة القرصنة والإرهاب البحري بحسب ما جاء في الإعلان الإيراني الرسمي عن أهداف التظاهرة الحربية البحرية، بعد أن أتفق منظموها على رفع شعار لها : معاً من أجل الأمن والسلام، هذا وبدأ تهديد جماعة الحوثي نقيضاً للأهداف المعلنة للمناورات، ونسفاً لمصداقية هذه الأهداف، أقله في ما يتعلق بالجانب الإيراني، الذي ظهر كمن يستغل مشاركة الصين وروسيا ليشن حربه الخاصة على الملاحة الدولية، ولتأكيد نظريته حول المدى البحري الحيوي لإيران، مستنداً في ذلك إلى الجماعات المسلحة المقربة منها، وإلى شبكة علاقات دولية لها موقعها ومصلحتها في الصراع العالمي الدائر بين شرق وغرب، وكانت قد جاءت تهديدات جماعة الحوثي، في وقت نظمت طهران إجتماعاًً في بيروت بين ثلاث منظمات فلسطينية حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية والحركة الحوثية، وبمشاركة “حزب الله ” اللبناني الذي كان حاضراً من دون إعلان، وذلك لبحث الترتيبات اللازمة لنصرة الشعب الفلسطيني في المرحلة المقبلة، مع إحتمال التوتر في شهر رمضان والتحضير لمعركة محتملة في رفح، ومن نتائج الإجتماع يستفاد أن إيران تعتمد جماعة الحوثي ألتي تملك خبرات عسكرية متطورة وخاصة في حروب البحار عنصراً أساسياً في إستراتيجية تهديد الملاحة، تحت عنوان التضامن مع غزة، لم تعط إيران أولوية الآن لدور يلعبه ” حزب الله” قوتها الأساسية المفترضة، إذ يبدو أنها تريد الأحتفاظ بقدراته الأساسية إلى المعركة الفاصلة ألتي يمكن أن تخاض ضدها، وهي إذ تجعل من معركة البحار هدفها الأبرز، تقدم جماعة الحوثي إلى الواجهة ضمن سياسة أشمل من معركة غزة هدفها تثبيت توسعها الإقليمي بما في ذلك في البحار والمحيطات، سعياً إلى موقع تفاوضي أقوى عندما يحين موعد التفاوض، وليست أولوية البحار وتهديد السفن أمراً جديداً، أو نتاج صدفة، ويوم إنطلاق المناورات الثلاثية في البحر تم زيادة عمق إيران الإستراتيجي إلى خمسة آلاف كيلومتر، وتعتبر إيران عمق دفاعها الآن هو البحر الأبيض المتوسط، وهذا البحر مع البحر الأحمر نقطتان إستراتيجيتان، يجب أن تركز عليهما القوات البحرية والجوية للحرس الثوري، وليس سراً بأن الفصائل المسلحة المقربة من إيران هي ألتي تقوم بالعمل الذي تحاول إيران إستثماره لاحقاً، وسبق وأن كان قد عزز المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران السيد خامنئي جبهة المقاومة خلال هذه الأعوام الـ 34 منذ خلف الراحل الخميني، كما أستخدم الشهيد قاسم سليماني قدرات الحرس الثوري في هذا الإتجاه، ولذلك يرى اليوم كيف أذل اليمنيون الأميركين والبريطانين، وعندما يستقبل الإيرانيون الروس والصينيين في مناورة بحرية مشتركة سيروون لهم ذلك ويقولون لخصمي الولايات المتحدة الأميركية أنظروا لقد أذلينا أميركا عدوتكم من دون أن نتدخل، بل إن هؤلاء اليمنيين هم من قاموا بالمهمة، تأمل إيران إضافة إلى تحدي الغرب بمزيد من الدعم والتعاطف من دولتين كبيرتين في سياق مواجهتها ومفاوضتها لـ “الشيطان الأكبر”، والأرجح أن هذا ما أرادته طهران من المناورات وما تريده من هجمات الحوثي، في إعلامها وكتابات محلليها أعتبرت أن المناورات هي رسالة إلى الولايات المتحدة الأمريكية ورمزاً لإقتدار إيران في ظروف حساسة للغاية في غرب آسيا، والخبراء الإستراتيجيون والمحللون السياسيون والعسكريون والقانونيون يقولون بأن تشكيل تحالف يضم إيران وروسيا والصين بالقرب من باب المندب والبحر الأحمر يمكن أن يحمل رسالة إلى الغرب مفادها بأن تخفيض الدعم إلى إسرائيل يمكن أن يؤدي إلى إستقرار الأمن في منطقة الشرق الأوسط، وإدخال إسرائيل في المعادلة لا يخرج عن المنطق الإيراني في إستعمال القضية الفلسطينية من أجل تبرير توسيع نفوذها الإقليمي لفرض تقاسم دولي جديد يعترف لبلاد ” فارس ” بحصة وازنة من النفوذ، والموضوع الفلسطيني نقطة إرتكاز لن تجد إيران بديلاً عنها، في منطقة تعتبر القدس وفلسطين من المقدسات، فيما تمضي إيران نحو مشروعها الأصلي في جعلها قوة إقليمية، بل ودولية عظمى، وكانت قد جعلت إيران من هجمات وتهديدات جماعة الحوثي جزأً من مناوراتها الثلاثية، لتقول إنها تتحكم بثلاثة ممرات بحرية دولية أساسية من أصل خمسة: هرمز وباب المندب وقناة السويس يبقى مضيقا جبل طارق وملقه، وهذه على ما يبدو رسالتها ألتى تحاول إشراك الصين وروسيا فيها، للقول أن لا بريطانيا ولا أميركا تمتلكان لقب سيدة البحار، والحال أن السلوك الغربي في البحر الأحمر تجاه الحوثيين والإيرانيين يبدو مهادناً أكثر مما هو إستجابة في حجم التحديات، فأميركا تفاوض بطريقة غير مباشرة الإيرانيين في العاصمة العمانية مسقط ألتي تدخل مرحلة جديدة وهي مغادرة سلطنه عمان المعروف عنها ( الحياد ) إلى الإنفراد بموقف سياسي وإقتصادي وربما عسكري في المستقبل من أجل الضغط على جماعة الحوثي، وأساطيلها وسفن حلفائها الأوروبيين عرضة للأستهداف في خليج عدن، وهؤلاء الأوروبيون يهرعون بدورهم إلى مسقط والدوحة للبحث مع مندوبي إيران في ملفها النووي، لقد وجهت غارات جماعة الحوثي ضربة للتجارة الدولية ألتي تقول المناورات الثلاثية أنها تحميها، ووجهت ضربة إلى إقتصادات العالم العربي خصوصاً مصر، ويستحيل في النهاية أن تستمر الحال على ما هي عليه، فلا الأساطيل الأميركية يمكنها الإستمرار في مراقبة إطلاق الصواريخ الحوثية، ولا الإقتصاد العالمي بقادر على مراقبة الأضرار الفادحة ألتى تلحق به، صحيح أن معادلة صراعات النفوذ هي ألتي تتحكم بالقرارات المحتملة، إلا أن هذه القرارات لا يمكن تأجيلها إلى الأبد، وهناك من يرى بأن الغرب سيضطر للأختيار بين روسيا بسبب أوكرانيا وإيران كهدف ذي أولوية، وهو ما يؤجل الصدام مع الصين، ومن المرجح أن تكون الحرب الكبرى الأولى في الشرق الأوسط وضد إيران، كما أن إدخال إسرائيل في المعادلة لا يخرج عن المنطق الإيراني في إستعمال القضية الفلسطينية من أجل تبرير توسيع نفوذها الإقليمي، وكانت قد أرفقت إيران مناوراتها البحرية مع روسيا والصين أرفقتها بتهديد جماعة الحوثي لرأس الرجاء الصالح.

المحامي الدولي فيصل الخزاعي الفريحات

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب