
طال انتظار شمسك يا بغداد
الدكتور غالب الفريجات
في ذكرى غزو واحتلال العراق قلب العروبة النابض، جمجمة العرب الذي استهدفته الصهيونية والامبريالية، لانه شكل غصة في حلوق كل اعداء الأمة بسبب مواقفه العروبية، التي عملت على تعزيز الصمود العربي في كل محاولات استهداف الأمة من اقليميين ودوليين، فقد تمكن العراق بنظامه الوطني ان يبني قاعدة الصمود والتحدي بجيشه البطل، وتقدمه العلمي، ونهضته الصناعية والزراعية، ونظام تربوي يعزز بناء المواطن، و يخلق فيه ارادة التحدي لمواجهة الصعاب والتغلب عليها، كان واضحا في صمود العراق ليس أمام استهدافه من قبل قوى البغي والعدوان من جارته اللئيمة إيران، ولا من الصهيونية والنظام العربي الرسمي فحسب، بل ومن النظام الدولي بزعامة أمريكا وهيمنتها على قرارات هيئة الأمم من خلال الحصار الدامي الذي استهدف الشجر، والحجر، والبشر.
شكل العراق حالة استثنائية بين الدول العربية في العصر الحديث، فقد امتلك ايمانا بقضايا الوطن وَالامة، وارادة لتحقيق الأهداف التي يؤمن بها دون خوف او وجل، وهو ما تتسم به القيادات الوطنية التي بنت نموذجها الوطني المستقل على مساحة الكرة الأرضية في عموم القارات الجغرافية، فهو النموذج العربي الذي كان يتميز بشدة ولائه القومي الى جانب انتمائه الوطني، والذي لم يكن لديه فاصلا لكليهما، لانهما يشكلان حالة واحدة من الصعب فصل الواحدة
منهما عن الاخرى، وخاصة في حالتنا العربية، فالوطنية الصادقة في الحالة العربية قومية صادقة، وكما نؤكد على الدوام لا يمكن أن تكون قومي جيد دون أن تكون وطني جيد، وهكذا كانت الحالة العراقية في الممارسة السياسية.
كانت مواقف النظام الوطني العراقي تعبيرا عن الفكر السياسي الذي تمثله وتؤمن به ، فكر حزب البعث العربي الاشتراكي، الحزب القومي الذي يؤمن بضرورة وحدة هذه الأمة، لقناعته المطلقة ان التجزأة في الحالة العربية هي أكبر عقبة تواجه الأمة في تقدم َنهضتها، فكانت الوحدة في مبادئ البعث ردا على حالة التجزأة والشرذمة التي تسود الوطن العربي، وكانت الحرية ردا على فقدان العدالة وغياب الديمقراطية،
وكانت “الاشتراكية” ردا على غياب المساواة والعدالة الاجتماعية من ظلم وفقر.. الخ، وهو ما تمكن البعث ان يرسم معالم هذه الأهداف على الصعيد الوطني، والى الحد الذي تسمح به الحالة العربية على الصعيد القومي .
المؤسف المؤلم أن العدوان الامبريالي الصهيوني الصفوي جاء بدعم النظام العربي الرسمي، الذي وفر للعدوان كل مستلزماته من ارض ومياه وسماء وقوى عسكرية الى جانب كلفته المالية، وأن المخزي في اصطفاف أطراف النظام العربي الرسمي في حفر الباطن جنبا إلى جنب مع الصهيونية والامبريالية في خندق واحد ، وأن هناك أنظمة عربية كانت تتشدق بعروبتها لم تخجل بالمشاركة بعناصر من قواتها المسلحة لضرب العراق وجيشه وشعبه، وهو ما كان عنوان لسقوط هذه الانظمة السياسية التي أكدت على عدم وطنية وقومية كانت تتشدق بها.
لقد كشف غزو العراق واحتلاله ان النظام ألفارسي المجوسي كان حليفا استراتيجيا لامريكا، رغم ما يصدع فيه رؤوسنا من شعارات الموت لامريكا، فكلاهما بلير رئيس وزراء بريطانيا، وجاك سترو وزير الخارجية يؤكدان على دعم ومشاركة ملالي إيران للاحتلال، والعلاقة التسليحية مع الكيان الصهيوني، الى جانب ما صرح به ملالي طهران بالقول لولانا لما تمكنت أمريكا من احتلال العراق، وفي ضوء ذلك قدمت أمريكا والصهيونية العراق على طبق من ذهب لإيران لتعيث فيه دمارا وفسادا، وتعمل جاهدة على تعطيل دوره الوطني والقومي.
لقد مر على العراق بفترات من الغزو والاحتلال، ولكنه على الدوام كان كالمارد الذي ينهض من بين الرماد ، ولن تطول هذه الحالة التي يمر بها من ضعف وفساد وهيمنة اجنبية، وإننا على يقين أن رمح الله في الأرض سيفاجؤنا بهبته في وجه كل اعدائه واعداء الأمة، ليعود عروبيا، ويعيد دوره القومي في كل قضايا الأمة، فبغداد شمسها لن تغيب.