جيش مهووس بملاحقة السنوار ورئيس حكومة يفقد الاستراتيجية والتكتيك.. ودولة تراهن على “جوكرها”

جيش مهووس بملاحقة السنوار ورئيس حكومة يفقد الاستراتيجية والتكتيك.. ودولة تراهن على “جوكرها”
مراوحة – لا توجد طريقة أخرى لوصف ما يحصل الآن في غزة. فريق قتالي لوائي يعمل في خان يونس. وفريق قتالي آخر يعمل في شمال القطاع – وهذا هو. ما هكذا ينتصر في الحرب.
في الضفة الآن كتائب مقاتلة أكثر مما في القطاع، بهدف منع موجة إرهاب تتحول إلى انفجار واسع. في خلفية جملة إخطارات وشجون شهر رمضان، باتت بطانية القوات السميكة ضرورية تماماً. في الشمال أيضاً تعزز القوات خوفاً من التدهور إلى حرب مع حزب الله. بعض من هذه القوات – غولاني، المدرعات، الهندسة – وصلت بعد فترة طويلة في غزة. وقد سمحت بتحرير الاحتياط مما ترك ساحة الحرب الأساسية في الجنوب هزيلة جداً.
تعهدت الحكومة بنتيجتين في الحرب: إعادة المخطوفين وهزيمة حماس. تسوية هذين الهدفين ليست أمراً هاماً: فليس للمخطوفين وقت. في كل أسبوع يبشر بمخطوفين آخرين ماتوا في الأسر. عميت سوسانا أعطتنا إطلالة على من تبقى هناك على قيد الحياة إذا كان يمكن أن نسمي هذه حياة. حتى من عاد ليس حياً بالضبط. فالكثيرون منهم لا يزالون يعالجون صحياً، كلهم يعالجون نفسياً وبعضهم ليسوا معنا على الإطلاق.
المفاوضات لتحرير المخطوفين تفجرت هذا الأسبوع على خلفية رفض إسرائيل الاستجابة لمطلب حماس إعادة سكان شمال القطاع إلى بيوتهم. ثمة منطق في المعارضة الإسرائيلية: فإذا عاد السكان إلى شمال القطاع، فستعود حماس بعدهم، وفي اللحظة التي تعود فيها ستعيد بناء نفسها أيضاً، وعندها ستهاجم، مما يمنع عودة السكان إلى الكيبوتسات في الغلاف ويلزم الجيش بالعودة إلى هذه المنطقة بقوات أكبر، التي سبق أن حسمت في معظمها.
توجد طرق لتربيع هذه الدائرة. مثلاً تقييد عُمر وجنس العائلة أو الأحياء التي يتاح لهم العودة إليها. هناك حاجة إلى إبداعية وجرأة وتصميم، وبالأساس الفهم بأنه لا يوجد بديل. المخطوفون تركوا لمصيرهم مرة واحدة في 7 أكتوبر ومحظور أن يتركوا مرة أخرى.
المشكلة أن الحرب علقت مع المفاوضات. والحجة القائلة إن العملية في خانيونس لم تستنفد بعد، هي قصة تغطية على الأمر الحقيقي: إسرائيل تعيش منذ ثلاثة أشهر في ملاحقة مهووسة ليحيى السنوار، بينما تمشط خان يونس طولاً وعرضاً (وأساساً عمقاً)، كان يمكنها احتلال رفح ومعسكرات اللاجئين في وسط القطاع. إن قتل السنوار لن يحررها من ذلك. بعد أن تهدأ أصوات الفرحين بموته، سيتبين أنه لم يحصل تغيير جذري في غزة. سيبقى سكانها مع مشاكلهم، وستبقى حماس مع إرهابها وسنبقى مع كليهما.
إذا كانت إسرائيل تريد هزيمة قوات حماس المتبقية (أربع كتائب في رفح وكتيبتان في معسكرات الوسط، ورموز حكمها الأخيرة، وأساساً في رفح) فعليها أن تعمل. لذا، عليها حشد القوة، والشرعية – ثم تنطلق على الدرب. في كل يوم يمر تفقد إسرائيل الشرعية وتبتعد عن احتمال استكمال المهمة.
الانهيار الاستراتيجي
يمكن الجدال حول من هو الرئيس الأكثر وداً لإسرائيل، بايدن أم ترامب. كلاهما فعلا الكثير من أجلنا، مباشرة وبشكل غير مباشر. كلاهما شريكان في الأهداف العليا للحرب – هزيمة حماس وإعادة المخطوفين. يختلفان مع إسرائيل على الطريق، ويمقتان نتنياهو. لا حاجة للإكثار من الحديث عن الشرخ مع بايدن؛ فهو يدهور وضع إسرائيل، لكن كان يمكن أن نتعرف على عمق الشرخ مع ترامب من مقابلة حصرية مع “إسرائيل اليوم” هذا الأسبوع، والتي غابت عنها كلمة واحدة بشكل بارز: نتنياهو.
يعتقد كثيرون أن نتنياهو يفاقم الأزمة مع الأمريكيين عن قصد. هذا يعرضه كزعيم قوي لا يستسلم حتى لقوة عظمى، ما يعزز قوته في قاعدته. ليست لدي فكرة إذا كان هذا صحيحاً أم لا. مهما يكن من أمر، فإن هذا بائس وخطير. إسرائيل تراهن على جوكرها، بينما كل خصومها يفهمون أنها لا تملك أي ورقة أخرى في كمها.
نتنياهو تكتيكي عظيم، ينتحر على كل موضوع ويواصل إلى الموضوع الآخر. لا يملك معارك صغيرة – كل شيء ملح، كل شيء وجودي. ولهذا ينجح في البقاء في الحكم طوال سنوات. كل شيء يعد لديه تهديداً، وكل تهديد يعالج فوراً. المشكلة أنه لا استراتيجية لديه من كثرة التكتيك. وإن امتلكها فستنهار.
المثال الأبرز إيران. فعلى مدى 15 سنة حكمه (وقبل ذلك بكثير) قال نتنياهو إن النووي الإيراني هو الخطر الأكبر على إسرائيل. باسمه دحر كل شيء جانباً: من أراد معالجة حماس صُدّ، إذ يجب التركيز على إيران. من سعى لمعالجة حزب الله صُد أيضاً، إذ يجب معالجة إيران. من طلب ميزانيات يُصد، إذ يجب معالجة إيران.
في الأسبوع الماضي، عرضنا تقدماً في المشروع النووي الإيراني. باختصار: إيران أكثر قرباً إلى القنبلة، وإسرائيل بعيدة عن وقفها. حصل هذا في وردية نتنياهو، بسبب أخطائه، مثل انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي وتقليص التمويل لخطة الجيش الهجومية في إيران.
صحيح أن الخطوات التي اتخذت أخرت إيران، لكن لم تحرفها عن طريقها. والنتيجة أن استراتيجيته كلها انهارت: إيران لم توقف، وحزب الله لم يضعف، وحماس لم تردع، إسرائيل لم تعزز قوتها. هذا الفشل يقبع في أساس إخفاق 7 أكتوبر (لا يعفي جهاز الأمن من مسؤوليته عن غياب الردع وعدم إعطاء جواب دفاعي لهجمة حماس)، وهو مسجل كله على اسم نتنياهو.
هناك من يدعي بأن نتنياهو يمكنه قيادة إسرائيل في زمن الأزمات هذا. مطلوب أن نسألهم كيف يعطون ثقة لمن أخفق هكذا أكثر من مرة في أكثر من جبهة. لكن لو تأزر نتنياهو بالشجاعة ووقف لمقابلة، لاكتفى بأربعة أسئلة. كيف يعتزم الانتصار في غزة بدون قوات؟ كيف يعتزم إعادة المخطوفين بدون مفاوضات؟ كيف يعتزم تغيير الوضع في الشمال بدون حرب؟ وكيف يعتزم ترميم العلاقات مع الولايات المتحدة بدون علاقة ناجعة مع المرشحين للرئاسة؟
لن يجري نتنياهو المقابلات ولن يجيب أيضاً. منذ سنين وهو يخاف المقابلات، ويتهم الإعلام بأنه معاد له، لكن في إعادة صياغة جملة كلينتون الشهيرة في حملته الانتخابية أمام جورج بوش – It’s the economy, stupid. إنه الاقتصاد يا غبي. المشكلة ليست في الإعلام، ونتنياهو ليس غبياً: هو المشكلة.
يوآف ليمور
إسرائيل اليوم 29/3/2024