تحقيقات وتقارير

“الصوت اليهودي من أجل السلام”: عالم لا يكون للصهيونية مكان فيه

“الصوت اليهودي من أجل السلام”: عالم لا يكون للصهيونية مكان فيه

تنضوي حركات التضامن مع القضية الفلسطينية في الولايات المتحدة على فاعلين كُثر، يناوؤن الرواية الأمريكية والصهيونية الحاكمة في البلاد، ويعبرون عن مواقفهم تجاه هذا التواطؤ السياسي بحرية، تحت حق التعبير المكفول بالدستور الأمريكي، والذي يتيح لهم حق التنظيم والعمل والمشاركة السياسية الفعالة ضمن حدود ومحاذير ينظمها القانون وتشكلها السياسة العامة.

تتخلل هذه العملية الانخراط في شراكات عديدة من جهة، وعداوات وتضييقات مجتمعية ورسمية من جهة أخرى، وأهم ما يجعلها مؤثرة في الحيز العام هي مشاركة الأمريكيين اليهود فيها، إذ يكتسبون ثقلًا مضاعفًا في هذا الحقل، لحساسية هويتهم الدينية ودورهم المؤثر في قلب الموازين ورفع الوعي ونقد الرواية الرسمية المضللة للصهيونية وانعكاسها على اليهود في العالم.

تأتي منظمة “الصوت اليهودي من أجل السلام” (JVP) العاملة في الولايات المتحدة، على رأس هؤلاء الفاعلين الذين رفعوا أصواتهم عاليًا في الشوارع والجسور المزدحمة والجامعات والمؤتمرات وصولًا إلى مبنى الكونغرس الأمريكي ومكاتب ومنازل أصحاب القرار، وهم رافعين شعارات ولافتات تحمل رسائل مباشرة للإدارة الأمريكية.

يتتبع هذا التقرير تاريخ نشأة المنظمة ومبادئها وأنشطتها وتأثيرها على السياسة الأمريكية، خاصةً بعد السابع من أكتوبر، وذلك ضمن ملف “من أجل فلسطين” الذي يقدم إطلالة شاملة للحركات المدافعة عن حقوق الفلسطينيين في مواجهة اللوبي الإسرائيلي وأذرعه المختلفة في الولايات المتحدة.

نأي باليهودية عن الصهيونية

تُعدّ منظمة “الصوت اليهودي من أجل السلام” منظمة حقوقية يسارية معادية للصهيونية، تأسست عام 1996، على يد عدد من طلبة جامعة بريكلي في ولاية كاليفورنيا، في مقدمتهم جولي إيني ورايشل إيزنر وجوليا كابلان وهنّ يهوديات أمريكيات معاديات للصهيونية.

تركز المنظمة في عملها على السياسة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتملك اليوم فروعًا في 34 ولاية أمريكية، إذ أصبحت بعد عام 2002 مؤسسة متكاملة وواحدة من أكبر وأهم المؤسسات العاملة من أجل الحق الفلسطيني في الولايات المتحدة بل وأكثرها تأثيرًا.

نشطاء من منظمة “الصوت اليهودي من أجل السلام” يحتشدون أمام تمثال الحرية في نيويورك، وهم رافعين لافتة كتب عليها: “لن يحدث هذا مرة أخرى لأحد”.

تضم المنظمة المجتمعية يهودًا أمريكيين من كل الأجيال والأعراق والطبقات، مستلهمة خبرات وتجارب يهود اشتراكيين وملونين وناجين من المحرقة والجيتوهات وعمّال ومناضلين، لتثبيت مبادئها التي تترأسها مبادئ المحاسبة والمسؤولية في سبيل تحقيق العدالة للفلسطينيين، والالتزام بخلق مستقبل أفضل للمجتمعات اليهودية لا يكون للصهيونية مكان فيه.

ترى المنظمة نفسها قطبة في نسيج حقوقي جمعي يسعى إلى تحقيق العدالة الإثنية والتحرر الجمعي لبني الإنسان، معتبرة أن النضال ضد العنصرية بأطيافها من معاداة الأجانب والأقليات والاستعمار والرأسمالية الإمبريالية أساس وجذر مشترك في النضال من أجل حقوق الفلسطينيين.

ترتكز المنظمة في عملها أيضًا على رؤية تقودها العدالة والديمقراطية والتعددية، حيث تنادي بالمساواة بين الفلسطينيين والإسرائيليين في مجتمع ديمقراطي تعددي يحترم حقوق الإنسان ويزدري التفوقية البيضاء والهيمنة اليهودية ويعلي حقوق الفلسطينيين بين النهر والبحر، وذلك دون إشارة إلى تفكيك المشروع الصهيوني المتمثل بدولة “إسرائيل” برمته.

ترفض المنظمة الإجابة عن معضلة الدولة الواحدة أو الدولتين، مشيرة إلى كونها منظمة أمريكية تسعى إلى تحقيق العدالة للفلسطينيين وإنهاء الدعم الأمريكي لنظام الفصل العنصري الإسرائيلي، وإن كانت تلمح إلى استحالة وجود دولتين نظرًا لسياسة الاستيطان وسرقة الأراضي التي يضطلع بها المستوطنون بدعم من الحكومة الإسرائيلية.

وتظهر المنظمة دعمها للنضال الفلسطيني المسلح، وإن نأت بنفسها حتى اللحظة عن دعم حركة المقاومة حماس، أو أي من الأسماء والفصائل المرتبطة بها.

من ناحية أخرى، تذكر المنظمة أن الصهيونية عاملًا رئيسيًا في تأسيس دولة “إسرائيل” وهي في هذا تعادي أصل المشروع، حيث تتبنى صراحة سياسة مناوئة للصهيونية، فبعد أن كانت المنظمة تضم تحت سقفها جميع اليهود الذين ينتقدون سياسات “إسرائيل” سواء من الصهاينة أم المناوئين للصهيونية، فقد أعلنت لاحقًا رفضها للفكر الصهيوني ومعاداتها للحركة الصهيونية والتابعين لها.

سعي لا يتوقف

تعمل منظمة “الصوت اليهودي من أجل السلام” في مسارين: الأول يتعلق بتفكيك جدار الفصل العنصري ونظام السجون الأمنية الإسرائيلية وعودة اللاجئين الفلسطينيين من الشتات، والثاني يسعى إلى تحرير المجتمعات اليهودية في العالم من سيطرة الفكر الصهيوني وتحكم المؤسسة الأمنية التي تعلي من العرق اليهودي وتنظر للآخرين بوصفهم مصدرًا للخوف والعنف.

أطلقت المنظمة عددًا من المشاريع الهادفة لمناصرة القضية الفلسطينية وتحريك الجمهور باتجاه اتخاذ خطوات عملية للمناصرة والضغط على الإدارة الأمريكية لتغيير موقفها الداعم للحكومة الإسرائيلية، كما تعاونت مع مشاريع مشابهة مثل مشروع 48 الهادف إلى تعريف الجمهور بالنكبة الفلسطينية وآثارها على مآلات الواقع في فلسطين المحتلة وإيصال أصوات ضحاياها للخارج.

وفرت المنظمة في سبيل ذلك عددًا من المصادر المفصلة حول مناصرة الحق الفلسطيني والتثقيف السياسي والحقوقي بخصوص معاداة الصهيونية وتفريقها عن معاداة السامية، كما أطلقت برنامج بودكاست خصيصًا لاستطلاع علاقة الصهيونية باليهودية وأثرها على معتنقي هذا الدين.

من ناحية أخرى، وضع فرع أكشن للمنظمة “JVP Action” خطة عمل مفصلة للضغط على الإدارة الأمريكية، بهدف إنهاء دعمها المالي لـ”إسرائيل” المقدر تقريبًا بـ3.8 مليار دولار سنويًا، عدا عن حزم المساعدات الطارئة التي تصل إلى مئة مليار ويزيد في أوقات الأزمات.

نشطاء “JVP Action” يقاطعون وزير الخارجية السابق جون كيري في فعالية انتخابية لدعم جو بايدن في مدينة سيوكس، ولاية أيوا، 7 يناير، 2019.

دعا الفرع جمهوره للانخراط في علمية مشاركة سياسية فعالة لتغيير السياسة الأمريكية الخارجية تجاه “إسرائيل” تضمنت دعم المقاطعة والاتصال بأعضاء الكونغرس ودعم الأصوات الفلسطينية ومحاربة الفكر الصهيوني المبني على التفوقية ومواجهة استغلاله لمعاداة السامية، وذلك من خلال اتباع أساليب مختلفة من ضمنها توقيع العرائض وتنظيم الوقفات الاحتجاجية والمظاهرات وتوجيه الرسائل لأعضاء الكونغرس والإدارة الأمريكية.

حملة “قل لا للمنازل المسروقة”.

كما نظمت حملات ضغط تشريعية على أعضاء الكونغرس لتبني قوانين مناصرة للفلسطينيين، من ضمنها حملة تبني مشروع قانون يدعو إلى وقف الدعم المالي لـ”إسرائيل”، نتيجة انخراطها في معسكرات اعتقال وتعذيب وانتهاك لحق الأطفال الفلسطينيين.

يضاف إلى ما سبق، تنظيم حملات مقاطعة عديدة، وعلى رأسها “لا تكنولوجيا لنظام الفصل العنصري”، و“فيس بوك نحن بحاجة للحديث”، و“قل لا للمنازل المسروقة (ايربنب)” وعشرات الحملات الأخرى التي استهدفت إما مقاطعة المشتركين في نظام الفصل العنصري والداعمين للاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، وإما الضغط على المساهمين في هذه الانتهاكات من مؤسسات حكومية ودينية وإعلامية، كما هدفت إلى رفع الوعي خاصة لليهود المتأثرين ببروبوغندا معاداة السامية وربطها بمعاداة الصهيونية.

نشطاء من فرع أكشن، يحملون لافتة كتب عليها: “الفلسطينيون يستحقون الحرية. توقفوا عن تمويل الاضطهاد الإسرائيلي”.

مؤخرًا وقبل السابع من أكتوبر، أطلقت المنظمة حملتين بالتزامن أولهما حملة “لا ينطلي علينا” كإستراتيجية لمقاطعة العلامات التجارية التي تمول المستوطنات الإسرائيلية، وأهمها تمويل عائلة فاليس العاملة في الصناعات التجميلية والأزياء، والتي تعد من أكبر الممولين الخاصين للمشاريع الاستيطانية وحكومة اليمين الإسرائيلي في السنوات الماضية بواقع مليارات الدولارات سنويًا.

والحملة الثانية هي حملة “ليس على حسابنا” وهدفها الضغط التشريعي من أجل تبني قانون يمنع تدفق الأموال من ولاية نيويورك باتجاه المستوطنات الإسرائيلية، والتي تقدر بـ60 مليون دولار سنويًا. وقد تم بالفعل تبني مشروع القانون على مستوى ولاية نيويورك العام المنصرم، ليكون هذا المشروع الأول من نوعه في الولايات المتحدة.

قطبة في نسيج متماسك

تحافظ المنظمة في سبيل تحقيق مبادئها على علاقات قوية بالمنظمات الحقوقية الفلسطينية والأخرى العاملة في مجال الحق الفلسطيني، وتكتسب في ذلك أهمية خاصة تنبع من نقضها لأصل الرواية الصهيونية التي تتحدث باسم يهود العالم وتتستر وراء مظلوميتهم التاريخية لإنفاذ مشاريعها الاستعمارية وحشد التأييد العالمي.

كما تسعى إلى زعزعة الدعم الأمريكي الرسمي غير المشروط لـ”إسرائيل”، من خلال تسليط الضوء على النهج التمييزي الذي تتبعه الحكومة الأمريكية ضد الأعراق والإثنيات والأقليات المهمشة سواء في سياستها الداخلية على أراضيها أم في أجنداتها الاستعمارية حول العالم.

تدعم المنظمة الحركة الطلابية اليهودية المنادية بحقوق الفلسطينيين، وتملك اليوم قرابة 25 فرعًا طلابيًا في الجامعات الأمريكية تعمل على تنظيمها وتزويدها بالتدريب السياسي المطلوب لبناء حركة يهودية معادية للصهيونية في الجامعات الأمريكية.

تربط هذه الفروع علاقات قوية بمنظمات طلابية أخرى، على رأسها “طلاب من أجل العدالة في فلسطين”، حيث تواجه الحركتان تضييقًا وملاحقة من إدارات الجامعات وأذرع اللوبي الصهيوني في المؤسسات التعليمية.

كما تتعاون المنظمة مع مؤسسات يهودية عاملة على الأرض الأمريكية، منها المنظمة “اليهودية للعدالة الاقتصادية والعرقية” (JFREJ) ومنظمة “إن لم يكن الآن” ومنظمة “كافود بوسطن” في مجال عملها السياسي والحقوقي، وتتعاون أيضًا مع “المجلس الحاخامي” وشبكة “اليهود العلمانيين” وشبكة “اليهود الملونيين والأصليين” من الجماعات اليهودية المتدينة التي تشاركها العداء للحركة الصهيونية.

وبينما دعمت المنظمة في بداياتها مقاطعة النظام الإسرائيلي في الضفة الغربية بوصفه سلطة احتلال، انتقلت إلى دعم حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات “بي دي أس” بشكل كامل منذ عام 2015، فهي ترى أن الحركة تنبثق من رحم النضال التاريخي في سبيل إعلاء حقوق الإنسان وإنهاء الاضطهاد والسياسات التمييزية للحكومات، مقارنة إياها بحركات المقاطعة في جنوب إفريقيا وفي الحرب الأهلية الأمريكية وفي نقابات العمال.

ومن حملات المقاطعة التي نظمتها بالتوازي مع جهود حركة “بي دي إس” حملات استهدفت الضغط على الولايات المتحدة لقطع العلاقة المتبادلة بين الشرطة الإسرائيلية والشرطة الأمريكية، والضغط عليها بالتوازي لوقف تمويل القبة الحديدية وغيرها من تفاصيل الدعم العسكري.

كما أنها نظمت حملات مقاطعة لشركات إسرائيلية في الولايات المتحدة وأخرى استهدفت أنشطة ثقافية وسياحية مثل تشجيع اليهود لرفض زيارة “إسرائيل” تحت مبدأ حق الولادة (Birth Right) وتشجيع الطلبة اليهود على رفض التبادل الطلابي مع طلبة إسرائيليين.

شاركت أيضًا في حملة “أوقفوا المركب” التي هدفت إلى منع سفن إسرائيلية من تنزيل حمولتها في موانئ أمريكية، ومن ناحية أخرى شاركت المنظمة عام 2020 في مطالبة محكمة الجنايات الدولية بالتحقيق في الجرائم الإسرائيلية بفلسطين.

الإخوة الأعداء

تعرضت المنظمة لحملة شيطنة من الصهيونية اليهودية التي اتهمتها بكراهية الذات والمساهمة في زيادة معدلات معاداة السامية وكراهية اليهود حول العالم، متهمين إياها بنشر “الإشاعات” حول السياسات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية.

واجهت المنظمة عداءً شديدًا وصل إلى حد ملاحقة أعضائها واعتقالهم والتضييق عليهم في الجامعات وأماكن العمل والفضاءات العامة، فقد وجّهت لهم رابطة “مكافحة التشهير” (ADL)، وهي المنظمة الصهيونية الأبرز في الولايات المتحدة، اتهامات بالانشقاق عن عامة يهود العالم الذين تربطهم وفق الأخيرة “علاقات وثيقة بإسرائيل” ويرون أنها تشكل جزءًا من هويتهم الدينية والسياسية والاجتماعية.

تعرضت المنظمة لحملات تشويه ممنهجة وتم اتهامها بتلقي تمويلها وأجندتها من الخارج، رغم أنها صرحت أكثر من مرة أنها تعتمد في تمويلها على التبرعات والمساهمات الفردية، كما تم ربطها بحملات إسلاموفوبيا استهدفت الشخصيات المسلمة البارزة في الولايات المتحدة، ومنهم الأكاديمي والسياسي الأمريكي حاتم بازيان المؤسس لمنظمة “مسلمون أمريكيون من أجل فلسطين” (AMP)، متهمين إياه بإدارة المنظمة اليهودية للتمويه وشق عصا الحركة اليهودية المؤيدة للصهيونية، ونفت المنظمة هذه الاتهامات مرارًا مع إظهار دعمها لعمل حاتم بازيان ورفضها لحملة التشويه التي يتعرض لها.

كما لاحقت المنظمة انتقادات عديدة بسبب مواقفها التي تعد راديكالية خاصة في ظل دعمها لأسماء فلسطينية مناضلة، أبرزها استضافتها في مؤتمرها السنوي عام 2017 المناضلة الفلسطينية رسمية عودة، إضافة إلى دعمها الصريح لأسماء فلسطينية مثل مروان البرغوثي وأحمد سعادات وليلى خالد والتي تصنفها الصهيونية الرسمية في خانة الإرهاب.

متاهة المعاداة

ترى المنظمة أن معاداة السامية مرتبطة بشكل حتمي بالتفوق الأبيض والتمييز العرقي، حيث تشترك بالاكتواء بنارها مجتمعات الملونين والمسلمين والمهاجرين والأقليات الأخرى إضافة إلى اليهود، لذلك تركز جهودها على التفريق الحثيث بين معاداة السامية ومعاداة الصهيونية، وتسعى إلى ربط النضال في مواجهة معاداة السامية بالنضال من أجل تحرير الفلسطينيين، رافعة شعار أن “لا أحد حر حتى يكون الكل حرًا”.

في هذا السياق، ترفض المنظمة القوانين الأمريكية التي تربط بين اليهود كمنتمين إلى الديانة اليهودية وأفعال “إسرائيل” في الأراضي الفلسطينية المحتلة، إذ تنبذ الرواية الرسمية الأمريكية والإسرائيلية بكون “إسرائيل” هي التعبير الجمعي عن حق اليهود بتقرير المصير، بل وتذهب أبعد من ذلك باعتبار هذا الخلط الذي يهدف إلى تزويد “إسرائيل” بالحصانة من المحاسبة والمساءلة خطير على سلامة وأمن اليهود تمامًا كما هو على أمن المعادين لـ”إسرائيل” الذين تهددهم مقصلة معاداة السامية بالإقصاء والملاحقة والتضييق، وأن النضال من أجل سلامة اليهود من التمييز والنضال من أجل حقوق الفلسطينيين هو نضال متقاطع ومترابط.

وعليه، رفضت المنظمة تعريف “التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست” (IHRA) لمعاداة السامية، وأدانت تبنيه الرسمي من الإدارة الأمريكية بقيادة ترامب، وسعت بالمقابل إلى الحفاظ على تنظيم يهودي يعمل كهيكلية مناوئة لليهودية الصهيونية الداعمة للسياسة الإسرائيلية في فلسطين، حيث ترى أنها تضطلع بدور مفصلي بهويتها الدينية اليهودية في خضم الصراع السياسي على الأرض والهوية والتاريخ، وتعمل من خلال هذه الهوية على زعزعة التقليد اليهودي الرسمي في الولايات المتحدة بدعم نظام الفصل العنصري في “إسرائيل” ومحاربة منتقديه تحت بند معاداة السامية.

بعد السابع من أكتوبر

في بيان لها، أدانت المنظمة هجوم المقاومة الفلسطينية في السابع من أكتوبر واعتبرتها جرائم حرب، ورغم إشارتها إلى دعم المقاومة المسلحة للشعب المحتل، فإنها عارضت استهداف المدنيين من كلا الجانبين، واتخذت موقفًا مناوئًا للهجمة العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة، معتمدة مصطلحات “الإبادة الجماعية” و”النكبة المتواصلة” لوصف ما يجري هناك، ومطالبة الولايات المتحدة بوقف دعمها غير المشروط لـ”إسرائيل”.

منذ السابع من أكتوبر، قامت المنظمة حملاتها الثابتة على ثلاث ركائز: أولها الضغط على إدارة البيت الأبيض للمطالبة بوقف دائم لإطلاق النار، فأطلقت المنظمة عريضة تطالب الرئيس الأمريكي بايدن بالضغط على “إسرائيل” لوقف حملتها العسكرية بشكل فوري، والسماح بدخول المساعدات الإنسانية وجهود إعادة الإعمار للقطاع، إلى جانب وقف كامل لتصدير السلاح للحكومة الإسرائيلية، والتي تعد الولايات المتحدة عرابته في العالم.

أطلقت أيضًا عريضة أخرى تطالب إدارة البيت الأبيض بإعادة تمويل الأنروا بعد قطعه لادعاءات إسرائيلية باشتراك موظفي المنظمة الأممية بهجمات السابع من أكتوبر، واعتبرت المنظمة هذه الخطوة من قبيل جريمة الحرب والعقاب الجماعي للشعب الفلسطيني، وطالبت الأمريكيين بالضغط على الكونغرس والإدارة الأمريكية لوقف هذا الانتهاك.

تستهدف الركيزة الثانية الضغط على الكونغرس لتبني قرارات وقف إطلاق النار ومنع تصدير الأسلحة للكيان من خلال الاتصال المباشر بممثلي الولايات في الكونغرس سواء في مجلس الشيوخ أم مجلس النواب، وسهّلت المنظمة هذه الاتصالات بتوفير دعوة مباشرة تقوم بتحويل المتصلين إلى ممثليهم في الكونغرس وتساعدهم على توصيل رسائلهم المتضامنة بشكل مبسط ومباشر.

أما الركيزة الثالثة فتسعى لرفع الوعي الأمريكي بالقضية الفلسطينية وإبقائهم على اطلاع بتطورات الميدان والانتهاكات المتتالية في ظل تعتيم وبروبوغندا إعلامية أمريكية بما يجري في القطاع، حيث نشرت ملفات تعريفية وتثقيفية استهدفت الأخبار المتواردة وتكييفاتها القانونية وتحركات التضامن المتنوعة في الولايات المتحدة، داعية جمهورها إلى الانخراط الواعي والفعال بهذه التحركات والحملات المتواصلة، وركزت جهودها على جريمة الإبادة الجماعية ومكوناتها وكيفية الضغط لإيقافها ومحاسبة مرتكبيها سواء من الإسرائيليين أو ممن يدعمهم بالخارج من حكومات أو منصات إعلامية أو شركات وشخصيات عامة.

نظمت المنظمة عشرات الوقفات الاحتجاجية والمظاهرات منذ السابع من أكتوبر، وكانت من أنشط الفاعلين الحقوقيين في إظهار الدعم والتضامن مع فلسطينيي القطاع على امتداد الولايات وخاصة الولايات الأمريكية الرئيسة.

كما أبدعت المنظمة في التعبير عن موقفها المؤيد لفلسطينيي القطاع، مستخدمة بذلك أساليب خلّاقة للاحتجاج والتضامن،فأمّت بمظاهراتها أكثر الأماكن تأثيرًا ولفتًا للانتباه بين إغلاق الطرق الرئيسة واحتلال قاعات الكابيتول الأمريكي وقاعات المباني الفيدرالية ومقرات اللوبي الصهيوني والمناطق الرمزية مثل جزيرة تمثال الحرية ومحطات القطار الرئيسة، وأبدع المتظاهرون في التعبير عن رفضهم لحرب الإبادة الإسرائيلية على القطاع ومطالبتهم بوقف الدعم الأمريكي لها، حيث ارتدوا الكوفيات وصبغوا أيديهم بالأحمر وحملوا الشموع واللافتات وطالبوا بوقف إطلاق النار فورًا وإدخال المساعدات للفلسطينيين في القطاع متمترسين خلف شعار “ليس باسمنا”.

شاركت المنظمة كذلك في الحراك الجامع للمؤسسات الأمريكية العاملة في مجال الحق الفلسطيني والتي أمّت العاصمة في أكبر المظاهرات التي عرفتها الولايات المتحدة في تاريخها المعاصر، ليتم التنكيل بأعضائها والاعتداء عليهم من قوات الشرطة واعتقالهم في أكثر من مظاهرة واحتجاج.

تواجه المنظمة العديد من التضييقات على فروعها المجتمعية والطلابية منذ السابع من أكتوبر، فبدأت المحطات الإعلامية بملاحظة أثرها على الشارع الأمريكي وتنامي التأييد لها بين اليهود الأمريكيين في ظل الفظائع الإسرائيلية التي تبث مباشرة من القطاع في محاولة للنأي بأنفسهم عن هذه الممارسات الإجرامية التي تمارس باسمهم، لتقوم هذه المحطات المنحازة للرواية الصهيونية بالتحريض على المنظمة وأعضائها بوصفهم مروجين للإرهاب وخارجين عن الصف اليهودي المتضامن مع “إسرائيل” على حد وصفهم والحض باتجاه حظر نشاطها على الأرض الأمريكية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب