تحقيقات وتقارير

تبدلات طفيفة في خريطة مجلس الأمة الكويتي ورهان تغيير النهج تحت الاختبار الصعب

تبدلات طفيفة في خريطة مجلس الأمة الكويتي ورهان تغيير النهج تحت الاختبار الصعب

رلى موفّق

لم يؤثّر شهر رمضان على نسبة المشاركة في انتخابات مجلس الأمة الكويتي 2024، فوصلت النسبة إلى 62.1 في المئة، وهي من أعلى النسب في الانتخابات البرلمانية الكويتية. كان أمير البلاد الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح قد حثّ الكويتيين على المشاركة، لا بل اعتبر أنّ مَن يقاطعها يُفرِّط بحقه الدستوري ولم يؤد أمانة الاختيار، ولا يحق له بعد ذلك أن يلوم أحداً على تدني المخرجات، ولا على سوء الأداء وعدم الإنجاز.
يقول متابعون إن لدعوة الأمير تأثيرها، لكن ثمة عوامل أخرى لعبت دورها في تحفيز الناس على التصويت. فالغالبية المعارِضة التي كان يتكوَّن منها مجلس أمة 2023 والتي شهدت ما يسميّه المراقبون الكويتيون «كتلة الـ48» وتلقى دعماً لها من أقطاب في الأسرة الحاكمة لطموحات مستقبلية، حشدت من أجل المحافظة على حجمها. والاتجاه الذي يُشكّله رئيس مجلس الأمة الأسبق مرزوق الغانم والذي كان وحيداً في البرلمان السابق دون حلفاء، حشد بدوره من أجل إيصال كتلة نيابية قادرة على المواجهة في المجلس، وهو من القائلين إن تغييراً بسيطاً في العدد سيؤدي غلى تغيير كبير في السلوك والنهج. واستفاد المستقلون من أجواء الحث على المشاركة للدفع بالناخبين إلى صناديق الاقتراع، وهو ما انعكس بأن وصل عدد منهم إلى قاعة المجلس المعروفة بـ«قاعة عبدالله السالم الصباح».
في خريطة التبدّلات، تفكّكت إلى حد كبير «كتلة الـ48». هذا ما يخرج به المراقبون في قراءة أولى. فما جرى يوم صوَّت مجلس الأمة لصالح عدم شطب كلام مسيء بحق الأمير من مضبطة الجلسة أضحى مشهداً بعيد التكرار حول أي قضية يمكن أن يطرحها المجلس. فالمعارضة عادت إلى المجلس من جديد لكنها ستتوزع على كتل متعددة. أعادت الانتخابات حلفاء أقوى لمرزوق الغانم ولا سيما النائبان عبيد الوسمي وأحمد الفضل. لن تكون قاعة سالم العبدالله خالية من الأصوات المحاججة التي كانت تصدح بها القاعة من قبل من دون أن تجد أصواتاً عدة تصدّها.
خسرت الحركة الدستورية الإسلامية «حدس» وهي الذراع السياسي للإخوان المسلمين مقعدين. استطاعت إيصال مرشح واحد لها، لكن نسبة الإسلاميين قد زادت سواء المستقلين أو المقرَّبين من تيارات إسلامية كالسلفيين التقليديين وحتى الإخوان.
ثمة مقولة إن الكويتيين الذين يتغنون بالديمقراطية يجنحون مع كل حل للبرلمان صوب المعارضة أكثر، وربما في اتجاه المرشحين الذين يُشكلون ظاهرة ما. فعبدالكريم الكندري، الذي أدى تجاوزه في الكلام على مقام الأمير إلى حل البرلمان، احتل المركز الأول في الدائرة الثالثة التي تنتمي إليها الشخصية البرلمانية البارزة أحمد السعدون. واحتل النائب شعيب الموزيري المركز الأول في دائرته الرابعة، وهو المعروف بطروحاته الشعبوية الداعية إلى إسقاط القروض وإلى زيادة رواتب الموظفين والمتقاعدين وزيادة غلاء المعيشة. يُعلّق أحد المراقبين بوصفه الديمقراطية الكويتية بالقول: «في بلد آخر، يتم إبعاد هكذا معارضين بأي طريقة ممكنة، ولكن في الكويت تجدينهم يتحركون بحرية ويتقدمون إلى المركز الأول».
وحصدت القبائل حصة من البرلمان، قبيلة المطيري كما قبيلة العوازم التي أوصلت ستة منها في مختلف الدوائر. الجديد أن أحد نواب القبيلة فهد فلاح بن جامع، والذي حل أولاً في الدائرة الخامسة، أعلن عن نيته الترشح إلى رئاسة المجلس وتمسكه به، وإذا ما حالفه الحظ سيكون أول رئيس مجلس أمة من القبائل، على أنه أمر لا يزال من الصعب تحقيقه في ظل التركيبة المجتمعية الكويتية.
وفي قراءة النتائج أيضاً، حقق المكوّن الشيعي ثمانية مقاعد بزيادة مقعد عن البرلمان السابق. ونجحت للمرة الأولى «حركة العمل الشعبي» (حشد) التي يتزعمها النائب السابق المعارض مسلم البراك في إيصال نائبين من النواب الثمانية الشيعة، فيما وصل بعض المستقلين. وبقيت جنان بوشهري المرأة الوحيدة في البرلمان رغم ترشح 13 سيدة من بين 200 مرشح للانتخابات.
ومجلس الأمة مؤلف من خمسين عضواً، ويجري الاقتراع على أساس الصوت الواحد والدوائر الخمس، وتكون حصة كل دائرة عشرة نواب بمعزل عن عدد الناخبين الذين يحق لهم التصويت في الدائرة.

نهج الحياد

وتنص المادة 87 من الدستور على أن الأمير يدعو مجلس الأمة إلى أول اجتماع يلي الانتخابات العامة للمجلس في خلال أسبوعين من انتهاء تلك الانتخابات. وخلال هذه المدة، لا بدّ أن يكون رئيس الحكومة الذي كلّفه الأمير تشكيل الحكومة قد أنجز تشكيل الحكومة التي ستكون حاضرة في انتخابات مكتب المجلس واللجان. ولكن من غير المؤكد ما إذا كانت الحكومة المقبلة ستلتزم بنهج الحياد في انتخابات رئيس البرلمان ومكتب المجلس واللجان، كما سبق أن فعلت في الانتخابات السابقة، رغم أن الدستور يُعطيها صلاحية المشاركة كون أن الوزراء هم أعضاء حكميون في مجلس الأمة. ويعتبر مراقبون أن قرار الحكومة من شأنه أن يحدد طبيعة المرشحين إلى رئاسة مجلس الأمة، وما إذا كان هذا الاستحقاق سيشهد منافسة بين السعدون والمرزوق الذي من المستبعد أن يترشح إذا وجد أن حظوظه غير مضمونة. ويبقى السعدون المرشح الأوفر حظاً في استكمال مشواره النيابي رئيساً لمجلس الأمة، وهو المجلس الأول في عهد الأمير مشعل، والذي سيكون أمام اختبار التناغم والتعاون في العلاقة ما بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
من غير المتوقع أن تكون الحكومة الجديدة حكومة مساومة مع البرلمان على الملفات الصعبة والشائكة التي هي لبّ المعضلة راهناً في الكويت. فالحكومة المرتقبة لن تسير بطروحات إسقاط القروض ولا بالزيادة، ويتوقع أن ترفع – كما حكومة محمد الصباح السابقة – لواء السير ببرنامج تقشفيّ يمكن أن يفتح الطريق أمام التخفيف من عجز الموازنة العامة مرفقاً بإصلاح موعود وبخطة اقتصادية تُخرج البلاد من الاتكاء على مصدر وحيد للدخل يتمثل بالنفط الذي لن يكون عماد الاقتصاد بعد عقود آتية لا محالة. هذا في وقت تشهد دول جوار الكويت من شقيقاتها الخليجيات قفزات اقتصادية وتوجهات انفتاحية وخططاً لتنويع مصادر الدخل وتحولات تُجاري التقدُّم الحاصل في العالم.
وتبقى ملفات أخرى لا تقل تعقيداً في مقدمة التحديات، ومنها ملف التعيينات، وملف الجنسية الذي تُوليه القيادة الكويتية أهمية كبرى، إضافة إلى تعقيدات المشهد في المنطقة والتي تُلقي بظلالها على هذه الإمارة الخليجية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب