من العراق ابتدأت كوارث المنطقة الحالية وعلى أرض العراق ستنتهي بقلم حسن خليل غريب
بقلم حسن خليل غريب
![](https://sawtoroba.com/wp-content/uploads/2023/03/غريب.jpeg)
من العراق ابتدأت كوارث المنطقة الحالية وعلى أرض العراق ستنتهي
23-03-2023
حسن خليل غريب
عندما نحصر بداية الأزمات والكوارث العربية الراهنة انطلاقاً من احتلال العراق فلأن مشروع الهيمنة الأميركية على العالم كان قد بلغ ذروته بعد سقوط الاتحاد السوفياتي في العام 1991. وحسبت الإدارة الأميركية أن الظروف أصبحت مؤاتية لها في تنفيذ مشروع هيمنتها على العالم ابتداءً من العراق لسبب أساسي كونه يشكل مركزاً لمحور إذا انهار تتداعى الدول المحيطة به كـ(أحجار الشطرنج.( وفي هذا المقال، ولكي نفقه منهج الاستراتيجية الأميركية، في تلك المرحلة، نعيد إلى الذاكرة تصريحين أدلى بهما الرئيس جورج بوش الإبن، أحدهما أدلى به قبل احتلال العراق، والثاني بعد الاحتلال فوراً: وجاء في التصريح الثاني، الذي صدر عن جورج بوش، بعد انتهاء الحرب على العراق واحتلاله. وفيه صرَّح من على ظهر حاملة الطائرات الأمريكية (أبراهام لينكولن) في الأول من أيار/مارس 2003: ” لقد أمنا حماية أصدقائنا، ومن العراق سنعيد رسم خارطة المنطقة “. يؤكد التصريح الأول أن الاستراتيجية الأميركية نسخة طبق الأصل عن الأهداف التلمودية اليهودية التي توظِّف إمكانيات أحد أكبر الدول العظمى من أجل تحقيق أهدافها. ولهذا وبناء على مضامين تلك التصريحات، نستنتج انه من العراق ابتدأت ازمات وكوارث المنطقة الحالية وعلى أرض العراق ستنتهي ، والبرهان على ذلك فيما يلي : المقاومة العراقية شكَّلت عقدة النجار في وجه المشروع الأميركي الصهيوني: العراقية قد دفعت الدماء والأرواح بينما المستفيدون من نضالاتها لم يدفعوا شيئاً، واستفادوا من نتائجها بكل شيء. وإذا كان الجميع قد استفاد، ولكن أكثرها استفادة كان نظام ولاية الفقيه في إيران، ولأن استفادته كانت على أكثر من صعيد، سياسي وأيديولوجي واقتصادي، سوف نفرد له مجالاً خاصاً. الهزيمة الأميركية كانت السبب في انتفاخ الدور الإيراني: وبعد أن فقدت الولايات المتحدة الأميركية الأمل في تقسيم الوطن العربي، الذي يعني في نهايته تقسيم الدول الإقليمية المجاورة لهذا الوطن، جاء دونالد ترامب، ليسترد الوديعة العراقية التي وضعها سلفه في عهدة النظام الإيراني. ومنها بدأت الإشكاليات بين الإدارتين تتصاعد وتتكاثر. وأما الأسباب فهي التالية: ربما لم تستشعر الإدارات الأميركية السابقة خطورة مشروع ولاية الفقيه وجديته، وإذا كانت قد استشعرت خطورته فإنما كانت على ثقة بأنها تستطيع أن تحتويه. ولهذا وثقت به وعقدت معه أكثر من اتفاقية، إشراكه في الحرب ضد العراق أولاً، وتسليمه العراق وديعة لتغطية وقع الهزيمة العسكرية عليها ثانياً. وإذا كان الخميني قد وضع احتمال تأخير (ظهور الإمام المهدي المنتظر) 1200 عاماً أخرى، أو توقَّع عدم ظهوره إلى (أبد الدهر)، فإن الوصول إلى حكم العراق، بعد الهزيمة الأميركية، يكون قد أعاد إحياء حلم (نظام ولاية الفقيه). ساعتئذٍ تدفقت أوراق القوة بين أيدي النظام الإيراني، ومنها وفي المقدمة فتح خزائن العراق لتصب عائداتها في جيوب ملالي النظام، الأمر الذي امتلكوا فيه ثروات هائلة راحوا يستخدمون فوائضها في إعادة إحياء حلم الظهور، فصرفوا منها ببذخ لافت، فانفتحت أمامهم بوابات الحاضنات الشعبية، وأبواب العواصم العربية، وأبواب القوى السياسية. وهذا ما دفع بالملالي إلى العمل على تحقيق حلم يتساوى بخطورته مع خطورة الحلم التلمودي الصهيوني. وهذا ما نعبِّر عنه باختصار. الحلمان يهدفان إلى بناء حكومة عالمية على شتى أنحاء الكرة الأرضية. وكلاهما يهدفان إلى بناء نظام ديني له صفات القدسية. وكلاهما مبنيان على معتقدات أنهما ينفذان (أوامر إلهية). وكلاهما يعدان لمعركة بين الخير والشر في هرمجدون على أرض فلسطين، المنتصر فيها يحكم العالم. معركة هرمجدون على أرض العراق بين محوريْ الشر: إن التنافس بينهما على أرض العراق لا يشكل الآن مصدر خسارة لأي منهما، فثمن التنافس وتكاليفه يتم دفعها من دماء وأرواح وثروات الشعب العراقي. كما أنها لا تصب في مصلحة أي كان على سطح الكرة الأرضية، بل هو خسارة لكل شعوب العالم. فمن الأهمية بمكان في هذه المرحلة بشكل خاص، أن يعي العراقيون مخاطر ذلك الصراع المزعوم او التنافس لكي لا يكون العراق كبش محرقة بينهما؛ وأن لا يدفع الشعب العراقي من جديد تكاليف صراع المشروعين الغيبيين. مقاومة مشروع ولاية الفقيه في العراق وانعكاساته الإيجابية على الوطن العربي: 2011. حينذاك استولى النظام المذكور على الثروة العراقية من خلال استيلائه على مفاصل العملية السياسية الفاسدة التي ترتكز إلى وسائل النهب والسلب لتحصيل أسباب بقائها حاكمة في العراق. ولذلك اعتمد وسائل النهب التالية في العراق : 1- السيطرة على مصادر النفط من خلال استيلائه على المؤسسات السياسية والعسكرية والاقتصادية، وهذا يعني أن عائدات الثروة النفطية تحوَّلت إلى نوع من الخراج يصب في صناديق (الولي الفقيه) كغنائم حرب. ولأن العراق أصبح مصدر التمويل الأساسي للنظام فقد استخدم من أجل توطيد دعائم احتلاله للعراق بتأسيس عشرات الميليشيات المسلحة التي وظفها لحماية العملية السياسية وحصرها بأيدي نخبة من السياسيين من جهة، ونخبة من رجال الدين الذين هم أكثر من خَدَعَ قطاعات شعبية واسعة في العراق، وكان من أشد مخاطر الأدوار التي لعبتها تلك الطبقة من رجال الدين هي أنها أضفت صفة القدسية على العملية السياسية. 2- احتكار أسواق العراق الاستهلاكية وتسخيرها للبضاعة الايرانية بغض النظر عن رداءة المنتوجات. 3- اشاعة الفساد المالي في مفاصل الدولة وبناء بنى تحتية متشابكة لحمايته وتحويل المبالغ الى ايران كموارد. إذن، من عائدات سرقة ثروات العراق، وعائدات احتكار أسواقه الاستهلاكية، والفساد راح نظام ولاية الفقيه يوظفها في تحقيق الأهداف التالية: • قسم يتم صرفه على تعزيز المواقع السياسية والعسكرية خارج إيران والعراق وهم من يستخدمهم النظام كأدوات لـ(تصدير الثورة). ولذلك شمل هذا القسم بأعطياته كلاً من أنصارها في سورية ولبنان وفلسطين واليمن. في فترة وجيزة، بعد تسليم أميركا العراق لنظام الملالي حقق مكتسبات عديدة خارج إيران: ومن دون الخوض بالتفاصيل، لأنها أصبحت معروفة، فقد سيطر، باعتراف واضح منه، على أربع عواصم عربية. تلك المكاسب التي نسبها إلى (النصر الإلهي)، ربما عزَّزت عنده الشعور بقدرته على مواجهة أية قوة في العالم. وهذا ما يفسر مظاهر التنافس بينه وبين لأوامر الأميركية التي قضت بإعادة قواعد التحالف بينهما إلى معادلات ما بعد الاحتلال الأميركي للعراق، وقبل الهزيمة الأميركية والانسحاب منه في العام 2011. نظام ولاية الفقيه على طريق الهزيمة: وعن النتائج، وقبل أن تتأكد على أرض الواقع، فهي واضحة نظرياً. ووضوحها يستند إلى أسانيد عملية ومن أهمها أن من يحسم أي صراع عسكري هما عاملان رئيسان: المال والسلاح. وغني عن القول بأن موازين العاملين، وبما لا يقاس، يمتلكهما الطرف الأميركي. ولأننا نساوي بين أهداف المشروعين الايراني والامريكي وعدم شرعيتهما، فإننا نرى أن الاحتلال الإيراني أشد خطورة لأنه يستند إلى مشروع أيديولوجي استيطاني يسعى الى تلقي الدعم من حواضن شعبية مُضَلَّلَة، أو نخب انتهازية مستفيدة من رشواته المالية. ولذلك نحن نعتقد بانه ينطبق عليهم القول التالي: (اللهم نجني من “أصدقائي”، وأما أعدائي فأنا كفيل بهم). ولذلك كما استطاع شعب العراق أن يلحق الهزيمة بالاحتلال الأميركي سابقاً هو الذي يستطيع أن يلحقها به لاحقاً. هزيمة مشروع ولاية الفقيه يوفر على الوطن العربي تعقيدات كثيرة: إن إضعاف الحركات والأحزاب القوى السائرة في ركاب مشروع ولاية الفقيه، إضعاف للتيارات السياسية التي تتخذ من الدين والمذهب غطاءا لها. وتعزيز الولاء للوطن، سيؤدي إلى تخليص الأقطار العربية التي أُغرقت بمبادئ عابرة للأوطان. وحيثما حلَّت النزاعات التي وضع نظام ولاية الفقيه نفسه طرفاً فيها، سيؤدي إضعاف الحركات الموالية له، وهذا ما يمكن أن يكون بداية لوضع حلول للقضايا الوطنية المستعصية بعد أن تزول من أمامها بعض العراقيل، ولعلَّ من أهمها ضعف المراهنة على قيام دول دينية أو مذهبية، خاصة بعد انهيار أحلام حركة الإخوان المسلمين، والذي يلحق به انهيار أحلام أصحاب نظرية ولاية الفقيه. وهذا ما يحدو بالمراهنين على قيام دولة دينية، إلى العودة إلى مفاهيم المواطنة التي وحدها تضمن العدالة والمساواة بين كل المواطنين. المقاومة الشبابية السلمية استراتيجة ما بعد إسقاط مرحلة الاحتلال الإيراني: ولكن في أول مواجهة بين الولايات المتحدة الأميركية والنظام الإيراني، أعلن هؤلاء اللصوص أنفسهم، بناء على أوامر قاسم سليماني، أنهم سيحررون العراق من الوجود الأميركي. وأما الجواب عن ذلك، أن الذين يمسكون بـ(العملية السياسية) هم لصوص. وإن ما يفسِّر وقوفهم إلى الجانب الإيراني على الرغم من أنهم كانوا جنوداً في أجهزة المخابرات الأميركية، كان مقدار ما يجنونه من سرقات. لقد فتح النظام الإيراني أبواب السرقات الخاصة على مصراعيها، وهذا بالطبع أكثر دسماً من قيمة الرواتب التي طلبوها من الحاكم العسكري الأميركي. إن العملية السياسية أصبحت عبارة عن تلزيم تلك العملية إلى لصوص، سواءٌ أكانت تحت رعاية الاحتلال الأميركي أم كانت تحت هيمنة النظام الإيراني. ولهذا لن تتغير مناهج الاحتلال أياً كانت صفته، أميركية أم إيرانية، لأن هدف كل منهما هو نهب العراق لمصلحة غير مصلحة العراقيين. كما أنها لن تتغير لأن المكلفين بإدارتها هم لصوص، يستطيع الواحد منهم أن يغيِّر البندقية الأميركية ببندقية إيرانية، والعكس صحيح أيضاً. ولهذا على هدف إسقاط العملية السياسية في العراق أن يبقى ثابتاً بعد إنهاء مرحلة الاحتلال الإيراني. وإنه لا تغيير حقيقي في العراق من دون إسقاط إدارة وعملية يتولى شؤونها لصوص، همّهم أن يسرقوا، سواءٌ أكانت السرقة حسب الطريقة الأميركية أم كانت حسب الطريقة الإيرانية. في النتائج: وأصبح من الواضح أيضاً، أن مشروع ولاية الفقيه عاد إلى الانتعاش بقوة بعد أن تسلَّم النظام الإيراني حماية الاحتلال بعد الهزيمة العسكرية الأميركية في العراق . وأن استلامه لاحتلال العراق وفَّر له قوتين، مالية وسياسية. وإن امتلاكه قوة السياسة والمال في العراق، أغراه بإحياء مشروعه الذي كان أشبه بالميت بعد هزيمته في عدوان الثمانينيات من القرن العشرين. ولكن هذا المشروع بدأ يتجه نحو الفشل. لقد هُزم مشروع اليمين المسيحي المتصهين في العراق. ولقد بدأت مرحلة هزيمة مشروع ولاية الفقيه فيه. وفي مواجهة المشروعين استطاع الشعب العراقي بمقاومته المساحة، أن يُلحق الهزيمة بالاحتلال الأميركي، ويلعب الآن دوراً كبيراً في تنظيف وتحصين الحواضن الشعبية التي طالما سعى النظام الإيراني لاستقطابها والهيمنة عليها. كل ذلك يدفع بنا إلى الاستنتاج أن الأزمات المعقدَّة، العربية والعراقية، بعد إضعاف ومن ثم انهاء الاحتلالين في العراق، سوف تؤدي إلى بزوغ ضوء بداية الحلول لتلك الأزمات في نهاية النفق. وتلك المرحلة ستبدأ بالعراق، وتنعكس نتائجها على سورية ولبنان واليمن. وهل يصح استنتاجنا: إن الأزمات المعقدة، عربياً وإقليمياً، ابتدأت في العراق وستشهد نهاية لها ابتداء منه؟
|