الحراك الطلابي في الجامعات الأميركية.. ما الدرس؟
الحراك الطلابي في الجامعات الأميركية.. ما الدرس؟
يوسف طه
ما يحدث اليوم، هو نتيجة تغيير جدي وعميق وسيرورة مستمرة منذ سنوات تحصل في صفوف الشباب في الولايات المتحدة، وبين أحفاد اليهود الأميركيين بشكل خاص الذين يرفضون الاتكاء على “يهوديتهم” من أجل الاستمرار بسياسات الأبارتهايد والفصل العنصري والإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني
تشتد الأنظار في الأسبوع الأخير نحو الحراك الطلابيّ في الجامعات الأميركية، والنضال الطلابي المتصاعد الذي بدأ يتوسع تباعًا ليصل إلى أحرام جامعية عديدة من الأهم من حيث الوزن الأكاديمي على مستوى الولايات المتحدة الأميركية والعالم. وهو ما بات، دون أيّة مبالغة، يقض مضاجع القيادات الإسرائيلية والقيادات السياسية الأميركية، لما تسطره هذه المظاهرات من موقف وزخم ورسالة مهمة موجهة لأميركا والعالم.
خلال الأعوام الماضية زرت الجامعات الأميركيّة أكثر من مرّة. الروح التي يتحدّث به الطلاب مليئة بالوعي والإدراك لما يجري في الأراضي الفلسطينية وهم متابعون لأدّق التفاصيل. كان مفاجئا لي لكنّه يثير الفخر.
وما يحدث اليوم، هو نتيجة تغيير جدي وعميق وسيرورة مستمرة منذ سنوات تحصل في صفوف الشباب في الولايات المتحدة، وبين أحفاد اليهود الأميركيين بشكل خاص الذين يرفضون الاتكاء على “يهوديتهم” من أجل الاستمرار بسياسات الأبارتهايد والفصل العنصري والإبادة الجماعية بحق الشعب الفلسطيني المستمرة منذ النكبة وحتى يومنا هذا.
بالإضافة لتجمع شباب عربي وفلسطيني انخرط في الأكاديميا الأميركيّة وبات يلعب دورًا قياديًا إلى جانب تفوقهم الأكاديمي وإنتاجهم المعرفي المهمّ، حيث لاقى الطلبة الفلسطينيون الساحة الوحيدة التي تجمع أبناء ذات الشعب – بكافة مركباته من الداخل والضفة وغزة والشتات وبناء تحالفات واسعة مع نظرائهم العرب والأجانب، حتى تمكنوا من الوصول إلى ما نحن عليه الآن؛ حراك واسع وكبير يؤثر على العالم بأسره ويضع إسرائيل وأميركا في قفص الاتهام، وتفشل كافة قوى “الهسبارا” تمامًا وتتخبط بالتعامل مع ما يحصل هناك.
وكان لافتًا بناء هذا الجيل الفلسطيني خطابه على قيم العدالة، وبناء تقاطعات مشتركة مع نضالات السود والنساء وغيرها من النضالات في الولايات المتحدة، ما تسبّب باستقبال واسع للقضية الفلسطينية التي أصبحت ضابطا وموجها قيميا لمعايير الحرية والعدالة.
كعادته، اختصر رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، كل ما يحدث في المؤسسات الأكاديمية الأميركية في كونه تحركًا “مناهضًا السامية”، وهو الشعار الذي تردده كافة أبواق “الهسبارا” الإسرائيلية عندما ترتبك ولا تعرف كيف تتعامل مع أحداث كبيرة تحرج إسرائيل وتضعها في خانة الاتهام بالذات في ظل الجرائم المرتكبة في قطاع غزة، والتي يصر الإسرائيليون على الاستمرار فيها رغم كل هذا الخراب الكبير وتحويل غزة كاملةً إلى مكان غير صالح للحياة وعشرات آلاف الضحايا والجرحى وآلاف المفقودين تحت الركام، متجاهلًا نتنياهو وجهاز “الهسبارا” الذي يُستثمر فيه ملايين الدولارات أن يهودًا يلعبون دورًا مركزيًا في التنظم الرافض للحرب والداعم لفلسطين في الجامعات الأميركية.
كتبت طالبة يهودية وإسرائيلية تدرس في جامعة كولومبيا مقالًا في صحيفة هآرتس، فنّدت فيه كل الادعاءات التي ادّعاها الإعلام والأكاديميون الإسرائيليون أنّ هذه المظاهرات تستهدف اليهود لكونهم يهودًا تحت ادعاء اللاسامية، مؤكدة أن لا خطر تشعر به بتاتًا من قبل هؤلاء الناشطين الداعمين لفلسطين في الجامعات الأميركية.
بل إنّ أكثر ما يخيفها هو تحويل الجامعات إلى ثكن عسكرية يدخلها رجال الشرطة مدرعين، بينما تراقب الطائرات الحرم الجامعي وكأنها في ساحة حرب، بل ونقضت كل هذه الادعاءات بأن الطلاب اليهود الذين تم الاعتداء عليهم واعتقالهم هم من المنخرطين في التظاهرات الداعمة لفلسطين، وأنها لا تشعر أي تهديد من هؤلاء الناشطين في الجامعات.
وأكدّ أكثر من ثلث الباحثين الإسرائيليين في استطلاع قامت عليه مؤسسة “الأكاديمية الوطنية الإسرائيلية” في يناير الماضي أن علاقاتهم الدولية تضرّرت بشكل كبير، إثر الحرب الأخيرة على قطاع غزة، وهو ما ازداد بالضرورة بعد 3 أشهر من استمرار العدوان، وهو ما يراه وصرح عنه كبار الباحثين الإسرائيليين بكونه ضربة قوية للأكاديميا والجامعات الإسرائيلية وشرعيتها الدولية التي تشكّل متنفسًا اقتصاديًا وأكاديميًا مهمًّا لها جعلها تكون بهذا المستوى الأكاديمي الرفيع عالميًا.
ما الدرس؟
لعل الحدث لم ينته بعد، ولا يزال متدحرجًا وسيتطور وستكون له تبعات هامة على مستوى العمل الطلابي والأكاديميا الأميركيّة والعالمية، وحتى الإسرائيلية بشكل خاص – التي ستدفع الفاتورة الأكبر لكل هذا التحرك.
يرى الناشطون الطلبة حول العالم في ما يحدث في الجامعات الأميركيّة حدثًا ملهمًا، يجدد فيهم الأمل بتنظيم النشاط الطلابي الداعم لفلسطين في الجامعات الأوروبية والأميركية، وسيأخذون ما يحدث في أميركا كدرس لتنظيم صفوفهم واستنهاض قواهم ولعلهم ينضمون تباعًا لهذا الحدث المهم والمؤثر على مستوى العالم ضد الحرب الإسرائيلية الشعواء على قطاع غزة.
أمّا في فلسطين، فتلقت الحركات الطلابية الفلسطينية في الداخل والضفة ضربات استباقية، فعانى طلبة الداخل من حملة ملاحقة واسعة منذ بداية الحرب في السابع من أكتوبر، على إثرها اعتقل عشرات الطلاب وتم تحويل مئات آخرين إلى لجان طاعة تحولت إلى ما يشبه تحقيقات مخابراتية على مجرد نشر في وسائل التواصل الاجتماعي، وهذا ما أتى بعد سنوات من النهوض في العمل الطلابي الذي صنع أحداثًا مفصلية في ذكرى النكبة وأحداثًا وطنية مهمة في عقر دار الجامعات الإسرائيلية.
وفي الضفة، عانت الحركة الطلابية على مدار السنوات الأخيرة من استهداف غير مسبوق شمل استباحة الأحرام الأكاديمية في الضفة واعتقال عشرات القيادات الطلابية، الذين زُجّ بهم في سجون الاحتلال بغالبيتهم تحت أحكام إدارية بدون أيّة محاكمة لضرب الحركة الطلابية الفاعلة. أمّا غزة، فتم استهداف الجامعات وما فيها من مكاتب وآثار وإنتاج أكاديمي، بالإضافة إلى استهداف واستشهاد محاضرين وأكاديميين وطلاب في العدوان المتواصل على غزة.
لعلّ الولايات المتحدة ساحة استطاع الطلبة أن يكرسوها بنجاح لدعم فلسطين ووقف الحرب وإدانة المؤسسة الأميركية الداعمة والراعية الأساسية لهذه الحرب الدموية، ولكنها توجه رسالة واضحة للعالم بأسره أنّ هناك جيلا واعدًا سينتصر للحق ويغيّر المعادلة التي هيمنت فيها إسرائيل والأموال الصهيونية فيها على الأكاديميا إلى حدٍ كبير، هي دروس كثيرة ستترتب خلال المرحلة المقبلة، يخشاها الإسرائيليون كثيرًا.