مقالات
مركزُ تَّكوينِ في أُصولِ الضَّلالِ المُبينِ بقلم الدكتور مصطفى السواحلي
بقلم الدكتور مصطفى السواحلي -بروناي -

مركزُ تَّكوينِ في أُصولِ الضَّلالِ المُبينِ
بقلم الدكتور مصطفى السواحلي -بروناي-
كُنتُ قد آليْتُ على نفسِي ألَّا أكتُبَ إلَّا عنْ معركةِ العزَّةِ والكرامةِ، الدَّائرةِ رَحاها حتَّى السَّاعةِ، بين أشرفِ مُقاومةٍ عَرَفَتْها الإنسانيَّة، وأخبثِ وأحقرِ عِصابةٍ من النُّفاياتِ البشريَّة، حتَّى تَضعَ الحربُ أوزارَها، ويَخمُدَ أوارُها. وفجأةً، تمَّ الإعلانُ عن تأسيسِ مركزٍ يُدعَى (تكوين)، ولو أرادوا السَّجعَ على طريقةِ القُدماءِ لَقالوا: (مركزُ التَّكوينِ في أُصولِ الضَّلالِ المُبينِ)، برعايةِ حُثالةٍ مَفضوحةٍ مِنَ الأفَّاكِينَ، وشِرذِمَةٍ مَقبوحَةٍ مِنْ غُلاةِ العلمانِيِّين، وبتمويلٍ من دولٍ مُتصهيِنَةٍ سَفيهةٍ، ومؤسَّساتٍ مُنحرفةٍ مشبوهةٍ، فكرهْتُ تأخيرَ البيانِ عن وقتِ الحاجةِ، ولم تَعزُبْ عَنْ عَقلِي العُروةُ الوُثقى التي تَجمعُ بينَ توحُّشِ الكِيانِ الصُّهيونيِّ عسكريًّا في الميدانِ، وتوحُّشِ (المُفكِّرينَ) المُتصهْيِنِينَ بهذا الضَّربِ من الهَذَيانِ، ورأيتُ ضرورةَ وضعِ علاماتٍ على الطَّريقِ؛ لِتحصينِ الشَّبابِ من الانجرافِ وراءَ هذا الانحرافِ، ولبيانِ موقعِ هذا المركزِ المشبوهِ من خريطةِ منظومةِ الحربِ الشَّاملةِ، التي تُديرُها الصُّهيونيَّةُ العالميَّةُ، وتُظاهِرُها أنظمةٌ عربيَّةُ اللِّسانِ غَربيَّةُ الوجدانِ، وتُجنِّدُ لها كافَّةَ أذرُعِها الظَّاهرَةِ والمستورةِ، وتُطلقُ لأجلِها كلَّ كِلابِها المَسعورَةِ.
وسبيلِي أنْ أقِفَ خمسَ وَقفاتٍ أمامَ دَلالةِ التَّسميةِ، وخطورةِ التَّوقيتِ، وفَحوى الأهدافِ المُعلنَةِ، وحقيقةِ الأعضاءِ المؤسِّسينَ، وسُبُلِ مواجهةِ هذا الطُّوفانِ الجائحِ:
أوَّلًا: دَلالةُ التَّسميةِ: لم يأتِ العنوانُ المختارُ لهذا المركزِ المشبوهِ من فراغٍ، ولم يصدرْ عن سَدَنةِ أوثانِهِ عبثًا أو اعتباطًا، بل فكَّرَ المتآمرونَ وقدَّروا، فَقُتِلُوا كيفَ قَدَّروا، ومن ثمَّ وقعتْ أعينُهمْ على كلمةٍ مُحمَّلةٍ بدلالاتٍ لا تَخفَى على ناقدٍ بصيرٍ، ويشاءُ اللهُ أنْ تكونَ فاضحةً للخلفيَّةِ الصُّهيونيَّةِ لهذا الوَكرِ الخَطيرِ، فهو عنوانٌ توراتيٌّ صريحٌ، مأخوذٌ من اسمِ السِّفرِ الأوَّلِ من أسفارِ مُوسى الخمسةِ، وهي عمادُ التوراةِ أو العهدِ القديمِ، والأسفارُ الخمسةُ هي: (التَّكوينُ، والخُروجُ، واللَّاويينَ، والعددُ، والتثنيةُ)، وهذا السِّفرُ يدورُ حولَ نشأةِ الكونِ، مُنذُ خلقَ اللهُ السَّماواتِ والأرضَ، وخلقَ الإنسانَ، ويسردُ قِصصَ بعضِ الأنبياءِ عليهم السَّلامُ، ابتداءً بآدمَ وقصَّةِ أكْلِهِ من الشَّجرةِ وخُروجِهِ من الجنَّةِ، مرورًا بنوحٍ وقصَّةِ الطُّوفانِ، ودَعوى تَبلبُلِ الألسنةِ بعد الطُّوفانِ في بابلَ، ومن ثمَّ تعدَّدتِ اللُّغاتُ، ثم قصَّةِ إبراهيمَ وانتقالِهِ من العراقِ إلى الشَّامِ ومِصرَ، وقصَّةِ إسحاقَ وقضيَّةِ الذبحِ، فهو الذَّبيحُ عندَ اليهودِ، لا إسماعيلُ كما هو مُقرَّرٌ لدى جمهورِ المُسلميَن، وانتهاءً بقصَّةِ يعقوبَ، وانتقالِ ابنِهِ يوسفَ إلى مصرَ. وعنوانُ (التكوينِ) في الاصطلاحِ العبريِّ يُمكنُ ترجمتُهُ حَرفيًّا إلى (في البدءِ)، حيثُ إنَّ بدايةَ ذلك السِّفرِ هي: (في البدءِ خلقَ اللهُ السَّماواتِ والأرضَ، وكانتِ الأرضُ خَرِبةً وخاليةً، وعلى وجهِ القمرِ ظُلمةٌ، ورُوحُ اللهِ يَرفُّ على وجهِ المِياهِ، وقالَ اللهُ: ليكنْ نُورٌ، فكانَ نورٌ). فهل يقصدُ سَدَنَةُ هذا الوثنِ أنَّهم يَدْعُونَ إلى العودةِ إلى نُقطةِ البدايةِ، كما كانَ الأمرُ عند بدءِ الخلقِ؟ ومن ثمَّ يُؤسِّسُ البَشرُ دينَهم الجديدَ، المناسبَ لأزمانِهم وأماكنِهم وأحوالِهم، فالشرائعُ السَّماويَّةُ -في أوهامِهمْ- كانتْ مُناسبةً لِعَصْرها، ولم تَعُدْ مُناسبةً لعصرِنا، وعلينا (تكوينُ) فهمٍ جديدٍ، وخلقُ وَعْيٍ رشيدٍ، بآلياتٍ مُبتكَرَةٍ للتفكيرِ النقديِّ، لا تمتُّ بصلةٍ إلى الدينِ التراثيِّ الذي صنعتْهُ أفهامُ الفقهاءِ، فهم رجالٌ ونحنُ رجالٌ! هكذا أتصوَّرُ أنَّهمْ يُفكِّرونَ ويُقدِّرونَ، ويقيني أنَّ كلَّ تلكَ الجهودِ المَدخُولَةِ، والأموالِ المَبذولةِ، ستنتهي لا إلى سِفْرِ تكوينٍ طريفٍ، بل إلى كتابِ هَرْطَقَةٍ وتخريفٍ وتجديفٍ، يَكونُ أُهْكُومَةً للأولينَ والآخرينَ، وأُضحوكَةً إلى يومِ الدِّينِ، وسيرجِعُ السَّماسرةُ بِصِفرٍ مُستَحَقٍّ بلا مُنازعٍ، وخازوقٍ مُستغلِظٍ ليسَ له دافِعٌ!
ثانيًا: خُطورةُ التَّوقيتِ: يَظنُّ بعض السُّذَّجِ أنَّ الجِهَةَ مُنْفَكَّةٌ بينَ مَعركةِ (طُوفانِ الأقصى) بتداعياتِها الجليلةِ، التي سَتغيِّرُ وجهَ المنطقةِ تغييرًا جِذريًّا، والإعلانِ عن ذلكَ الكِيانِ المُبتَسَرِ المُشوَّهِ المسمَّى (تكوين)، وآخرونَ ممَّنْ يُجيدونَ إمساكَ العَصَا من المُنتصَفِ يقولونَ: نحنُ نَدعمُ التَّجديدَ، ونَدعُو إلى طرحِ جميعِ الأفكارِ على مَائدةِ الحِوارِ، ولكنَّ التوقيتَ غيرُ مُناسبٍ، فَشَلَّالُ الدَّمِ الصَّبيبِ يجبُ أنْ يَصرِفَنا عن مثلِ هذا التَّرفِ الفِكريِّ. ويقينِي أنَّ وشائجَ الصِّلةِ بينهما جِدُّ وثيقةٍ، وأنَّنا في هذهِ المرحلةِ المِفصليَّةِ أمامَ عمليَّةٍ مُمنهَجةٍ لِهدمِ ما بَقِيَ من ثوابتَ لدى الأمَّةِ، وهي ذاتُ ذِراعَيْنِ: أوَّلُهَما: ذراعٌ عسكريٌّ خَشِنٌ، يُمثِّلُهُ الكِيانُ النَّازيُّ المجرمُ، الذي يَستميتُ في سبيلِ هدمِ الحِصنِ الأخيرِ للمُقاومةِ المُسلَّحةِ، بعدَ استئناسِ الجُيوشِ العربيَّةِ بِلا مَثنويَّةٍ، ولذلك يُمعِنُ المُجرمونَ في الإبادةِ الجماعيَّةِ، ويَرفضونَ كلَّ المقارباتِ المطروحةِ لِوقفِ إطلاقِ النَّارِ، وتبادُلِ الأسْرَى، على الرَّغمِ منْ حساسيةِ ملفِّ الأسرى عُمومًا لديهم؛ لأنَّ الهدفَ أعمقُ من جولةٍ عابرةٍ من جولاتِ الصِّراعِ المُزمنِ. وثانيهما: ذِراعٌ فكريٌّ ناعمٌ، تَمثِّلُهُ جَحافلُ (المُفكِّرينَ) والإعلاميِّينَ المأجورينَ، الذين يَعملُون دائبينَ على هدمِ القِيمِ الإسلاميَّةِ في نفوسِ جمهرةِ المُسلمينَ، وهذا ما أعلنَهُ من قديمٍ أحدُ عُتاةِ المُستشرقينَ، وهو القسُّ الأمريكيُّ: صمويل زويمر (1867-1952م)، حيثُ قالَ: «وعندي أنَّنا يجبُ أنْ نعملَ، حتَّى يُصبَحَ المسلمونَ غيرَ مسلمينَ. إنَّ عمليَّةَ الهدمِ أسهلُ من عمليَّةِ البناءِ في كلِّ شيءٍ إلَّا في موضوعِنا هذا؛ لأنَّ هدمَ الإسلامِ في نفسِ المسلمِ معناه هدمُ الدِّينِ على العمومِ”.
ثالثًا: فَحوى الأهدافِ: يتشدَّقُ سَدَنَةُ ذلكَ الوَثَنِ بِجُملةٍ من الأهدافِ البرَّاقَةِ، مثلَ: العملِ على تطويرِ خطابِ التَّسامُحِ، وفتحِ آفاقِ الحِوارِ، والتَّحفيزِ على المراجعةِ النَّقديَّةِ، وطرحِ الأسئلةِ حولَ المُسلَّماتِ الفكريَّةِ، وإعادةِ النَّظرِ في الثَّغراتِ التي حالتْ دونَ تحقيقِ المشروعِ النَّهضويِّ الذي انطلقَ منذُ قَرنيْنَ، وإرساءِ قيمِ الحوارِ وقبولِ الآخرِ، والإيمانِ بمبادئِ السَّلامِ العالميِّ بين المُجتمعاتِ والثقافاتِ والأديانِ، ومَدِّ جُسورِ التَّعاوُنِ مع الثقافاتِ المُختلفةِ في عالَمِنا المُعاصرِ، وإعادةِ النَّظرِ في الموروثِ الدِّينيِّ الذي أدَّتْ بعضُ تأويلاتِهِ القَديمةِ إلى مآزقَ اجتماعيَّةٍ ودينيَّةٍ وفكريَّةٍ، ممَّا أدَّى إلى احتضانِ أفكارٍ مُتطرِّفةٍ وتأويلاتٍ رجعيَّةٍ أساءتْ إلى الدينِ الإسلاميِّ الحنيفِ، ومزَّقتْ مجتمعاتِنا على أُسسٍ طائفيَّةٍ ومذهبيَّةٍ.
وَلا يَسَعُنِي عندِ قراءةِ هذه الكلماتِ إلّا أنْ أسدِّدَ لها اللَّكمَاتِ بقولِهِ تعالى: (وَإِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ)، وقولِ الشَّاعرِ:
يَرُوعُكَ مِنْ سَعْدِ بْنِ عَمْرٍو جُسُومُهَا *** وَتَزْهَدُ فِيهَا حِينَ تَقْتُلُهَا خُبْرَا
فليسَ في هذهِ الشَّعاراتِ كلمةٌ واحدةٌ لم تَسبِقْ إليها مِئاتُ المؤلَّفاتِ التُّراثيَّةِ والمُعاصرةِ التي تزخَرُ بها أدبيَّاتُ الفكرِ الإسلاميِّ المُستنيرِ في موضوعاتِ مثلَ: أدبِ الحِوارِ، وأدبِ البحثِ والمُناظرةِ، وأدبِ المُفتي والمُستفتِي، وأدبِ العالمِ والمتعلِّمِ… وغيرِها، ممَّا يُمْكِنُ الوُصولُ إليها بِضغطَةِ زِرٍّ على الحاسُوبِ. وظاهرةُ التطرُّفِ الفكريّ كانتْ، ولا تزالُ، وستظلُّ موجودةً إلى يوم القيامةِ، وكلُّ المُجتمعاتِ الغربيَّةِ -التي يَعدُّونَها المثلَ الأعلَى الذي يَنبغِي أنْ يُحْتَذَى- فيها اليمينُ واليسارُ بدرجاتِهما المُختلِفَةِ، ومن السُّخفِ قَصْرِ أسبابِ هذه الظاهرةِ على التأويلاتِ الدِّينيَّةِ، فثمَّةَ أسبابٌ اجتماعيَّةٌ واقتصاديَّةٌ وسياسيَّةٌ وأمنيَّةٌ لا تُنكِرُها إلَّا عينٌ رَمْداءُ، ولا تتناولُها إلَّا يدٌ شَلَّاءُ. وغيابُ المشروعِ النَّهضويِّ لا يُسألُ عنه الفكرُ الدينيُّ بقدرِ ما تُسألُ عنه الأنظمةُ السياسيَّةُ، التي لَمْ تتبنَّ أيَّ مشروعٍ لنهضةٍ حقيقيَّةٍ، على العكسِ من دولٍ كانتْ منذُ بِضعَةِ عُقودٍ فقطْ بعيدةً جدًّا عنَّا، مثلَ: الصِّينِ وسنغافورة وكوريا وتايوان، واليومَ صارتِ المسافةُ بينَنا وبينَها تُقاسُ بالسَّنواتِ الضَّوئيَّةِ؛ لأنَّها وجدتْ قيادةً سياسيَّةً واعيةً، تتبنَّى مشروعَ النَّهضةِ، وتُجنِّدُ كافَّةِ طاقاتِ البلادِ لِتحقيقِها، ومن الأوْلَى أنْ يَهمِسَ المُتشدِّقونَ بهذهِ الكلماتِ في آذانِ رُعَاتِهمْ بتلكِ الحقيقةِ البلجاءِ، التي يَعرفونَها كما يَعرفونَ أبناءَهمَ، ثمَّ يُنكرونَها كما يُنكرونَ أخطاءَهمْ!
رابعًا: حقيقةُ الأعضاءِ: من المُفارقاتِ العجيبةِ أنَّ مؤسَّسةً تزعُمُ أنَّها تتبنَّى الحِوارَ، وتدعُو إلى قبولِ الآخرِ، لا تضمُّ بين أعضائِها عضوًا واحدًا لا يَنتظِمُ في سِلْكِ العلمانيَّةِ الإقصائيَّةِ المُتطرِّفةِ، وكأنَّها مُستنقعٌ يَضمُّ حُثالةَ الكَهنةِ في مَعْبَدِ الحداثةِ، وأراذلَ الفَسقةِ من زناديقِ العصرِ، الذينَ لا يَرجونَ للهِ وَقارًا، ولا يُريدونَ تنويرًا بالمعنى الصَّحيحِ، وإنَّما يَهدفونَ إلى نشرِ الأوبئةِ الفكريَّةِ التي ابْتُلُوا بها، واستنساخِ الأمراضِ الاجتماعيَّةِ التي تفتكُ بالمجتمعاتِ الغربيَّةِ التي يَدعُونَ إلى تقليدِها، وبخاصَّةٍ في مجالِ تفكيكِ الأُسرةِ، التي تبقَى القلعةَ الوحيدةَ الصَّامدةَ أمامَ هذا الاستلابِ الحَضاريِّ المُبيرِ.
وحسبُكَ أنْ مجلسَ (الأُمَناءِ) يقتصِرُ على هذهِ الأسماءِ:
(1) يوسف زيدان (ولد 1958م): الذي طبَّقتْ فَضيحَتُهُ الآفاقَ بتفسيرِ كلمةِ (مَتْبول)، ممَّا لا يَخرجُ إلَّا من فَمِ جاهلٍ مَخمورٍ، لا يَصحُو من سَمادِيرِ سُكْرِهِ، وقدْ حدَّثني صديقٌ ثقةٌ رافَقَهُ في مُؤتمرٍ بالأردنِّ أنَّه كانَ لا يكفُّ عن شُربِ الخَمْرِ، ونظرةٌ واحدةٌ إلى وجهِهِ المَسيخِ تَدلُّ قَطعًا على ذلكَ، وزُجاجةُ (البيرةِ) التي ظهرتْ في الصُّورةِ شَاهدٌ لا يكذبُ، ناهيكَ عنْ قراءَتِهِ العجيبةِ للقرآنِ الكريمِ، والتي لو نطقَ بها صَبِيٌّ في الكُتَّابِ لأثْخَنَهُ الشَّيْخُ ضَربًا، وأمَّا مسألَةُ سَرقَتِهِ فِكرةَ رِوايتِهِ: (عزازيل) -الَّتي كانتْ أهمَّ أسبابِ شُهرتِهِ- مِنْ رِوايةِ (هيباتيا) للكاتبِ الإنجليزيِّ: تشارلز كنجزلى (1819-1875م)، فهي معلومةٌ من الأدبِ بالضَّرورةِ.
(2) إسلام بحيري (ولد 1974م): ذلك الغِرُّ المَغرورُ، ربيبُ مَدارسِ الاستشراقِ، الذي أمعنَ في الطَّعنِ في الصَّحابةِ وعُلماءِ الحديثِ وكُتبِ التُّراثِ جُملةً، وأبانَتِ المناظراتُ التي جرتْ معهُ عنْ خَواءٍ فكريٍّ فاضحٍ، وقد حكمَ عليه القضاءُ المصريُّ بالسَّجنِ لِمدَّةِ خمسِ سنواتٍ بِتُهمةِ ازدراءِ الأديانِ، ثمَ أُفرِجَ عنه في ظُروفٍ غامضةٍ!
(3) إبراهيم عيسى (ولد 1965م): ذلك المُتَفَيْهِقُ المُرتَزِقُ، الذي لا يَرْعَوِي عن الهَرطقةِ بشأن الحدودِ، والحجابِ، والإسراءِ والمِعراجِ، وصلاةِ التَّراويحِ، ناهيكَ عن الطَّعنِ الدَّائمِ في الصَّحابَةِ، وفي صحيحِ البخاريّ وغيرِه، وقد تعرَّضَ لِلمُحاكمةِ غيرَ مرَّةٍ.
(4) ألفة يوسف (ولدت 1966م): وهي كاتبةٌ تونسيَّةٌ، تركتْ مَجالَ اختصاصِها في اللِّسانيَّاتِ؛ لتتفرغَ للهَرْطَقةِ في القضايا الدينيَّة؛ إذْ دأبتْ على الطَّعنِ في الحدودِ الشَّرعيَّةِ، وميراثِ المرأةِ، وتعدُّدِ الزَّوجاتِ، وفرضيَّةِ الحجابِ، وزواجِ المُسلمةِ بغيرِ المسلمِ، حتَّى بلغتْ قعرَ الضَّلالةِ بإقرارِ المِثليَّةِ الجنسيَّةِ! ولها في كلِّ قضيَّةٍ ممَّا سَبَقَ كِتابٌ يُنجِّسُ البَحرَ!
(5) فِراس السَّوَّاح (ولد 1941م): ذلكَ الكاتبُ السُّوريُّ الهِمُّ اليَفَنُ، الذي شابَ في أحضانِ الشيوعيَّةِ، والذي تركَ دراسةَ الاقتصادِ إلى الفلسفةِ، فأدخلتْهُ في مَتاهاتِ السَّفَهِ، وأركبتْهُ سفائِنَ أساطيرِ “عِشتارِ”، و”جلجامش”؛ لِيُبحِرَ في عوالمِ الهَرطَقَةِ، والطَّعنِ في الأديانِ، وحسبُكَ من إقصائيَّتِهِ أنَّه قالَ: «أنا لا أقبلُ طلباتِ صَداقةٍ من المُحجَّباتِ؛ حجابُ الرأسِ يعني حجابَ العقلِ»!
(6) نايلة أبي نادر (ولدت 1960م): وهي أستاذةٌ متفرِّغةٌ للفلسفةِ بالجامعةِ اللُّبنانيَّةِ، أو قُلْ: متفرِّغةٌ للطَّعنِ في الدِّينِ، وتلميعِ المَارقينَ، وحسبُكَ أنَّها نالتْ درجةَ الدُّكتوراهِ في الفلسفةِ من الجامعةِ اللُّبنانيَّةِ عن رسالةٍ بعنوانِ: (خصوصيَّةُ المنهجِ النَّقديِّ في الفكرِ العربيِّ الإسلاميِّ من خلالِ محمَّد أركون ومحمَّد عابد الجابريّ)، واختيارُ هذيْنِ الشَّخصينِ -وهما من غُلاةِ العِلمانيِّين- دليلٌ صارخٌ على مَشْرَبِها الفكريِّ الآسنِ، ولستُ أتردَّدُ في أنَّهما لو كانا حَيَّيْنِ، لَضمَّتْهُما المؤسَّسةُ المشبوهةُ دُونَ تَردُّدٍ، لكنَّهما هَلَكَا معًا عام 2010م.
خامسًا: سُبُلُ المُواجهةِ: أمامَ هذه المَوجةِ العنيفةِ من مَوجاتِ التَّخريفِ والتَّجديفِ، لا يَسَعُنا أنْ نلوذَ بالصَّمتِ، تحتَ شِعارِ: (أَمِيتُوا الباطلَ بالسُّكوتِ عنهُ)، فإنَّ هذا في حقِّ الباطلِ الذي لَمْ يشتهرْ، ويُرجَى موتُهُ بالسُّكوتِ عنهُ، أمَّا في زمنِ السَّماواتِ المُفتوحَةِ، وبلوغِ الكَذْبةِ الآفاقَ في لَحْظةٍ، فلم يَعُدِ السُّكوتُ مَظنَّةً لموتِ الباطلِ، بلْ تَخاذُلًا عن إنكارِ المُنكرِ، وقد يُعَدُّ دَليلًا على العَجزِ عن المُواجَهةِ، وهنا نَستعيدُ قولَ الإمامِ مُسلمٍ (ت261هـ) رَحمهُ اللهُ في مقدمةِ صَحيحِهِ: «وَقَدْ تَكَلَّمَ بَعْضُ مُنْتَحِلِي الحَدِيثِ مِنْ أَهْلِ عَصْرِنَا فِي تَصحِيحِ الأَسَانِيدِ وَتَسْقِيمِهَا، بِقَولٍ لَوْ ضَرَبْنَا عَن حِكَايَتِهِ وَذِكْرِ فَسَادِهِ صَفْحًا، لَكَانَ رَأيًا مَتِينًا ومَذهَبًا صَحِيحًا؛ إِذِ الإِعْرَاضُ عَنِ القَوْلِ المُطَّرَحِ أَحْرَى لِإِمَاتَتِهِ، وَإِخْمَالِ ذِكْرِ قَائِلِهِ، وَأَجْدَرُ أَنْ لَا يَكُونَ ذَلِكَ تَنْبِيهًا لِلجُهَّالِ عَلَيْهِ، غَيْرَ أَنَّا لَمَّا تَخَوَّفنا مِنْ شُرُورِ العَوَاقِبِ، وَاغتِرَارِ الجَهَلَةِ بِمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ، وَإِسْرَاعِهِمْ إِلَى اعْتِقَادِ خَطَأِ المُخْطِئِينَ، والأَقْوَالِ السَّاقِطَةِ عِنْدَ العُلَمَاءِ، رَأَيْنَا الكَشْفَ عَنْ فَسَادِ قَوْلِهِ، وَرَدَّ مَقَالَتِهِ بِقَدْرِ مَا يَلِيقُ بِهَا مِنَ الرَّدِّ أَجْدَى عَلَى الأَنَامِ، وَأَحْمَدَ لِلعَاقِبَةِ إِنْ شَاءَ اللهُ»، كما نستعيدُ قولَ الطَّبيبِ الحاذقِ علاءِ الدِّينِ ابنِ النَّفيسِ القُرَشِيِّ (ت687هـ) في كتابِهِ: الشَّاملُ في الصِّناعةِ الطِّبِّيَّةِ: «ولْنجعلْ غايَتَنا في ذلك نُصْرَةَ الحقِّ وإِعْلاءَ مَنَارِه، وخِذْلَانَ البَاطِلِ وطَمْسَ آثَارِه».
وهو ما يقتضِي مواجهةَ هؤلاءِ الأفَّاكينَ بكلِّ وسيلةٍ، فالمُحامونَ المَهَرَةُ يُحرِّكونَ الدَّعاوى احتسابًا لإغلاقِ تلك المؤسَّسةِ المشبوهةِ، والخُطباءُ النَّحاريرُ يَجهرونَ بفضحِها على المنابرِ، والإعلاميُّونَ المَقاويلُ ينشطونَ لِمناظرةِ أصنامِها، والكتابُ الحُذَّاقُ يُسخِّرونَ أقلامَهُم لِفَضْحِها، والمؤسَّساتُ الدِّينيَّةُ تُصدرُ الكُتبَ النَّاقدةَ النَّاقِضَةَ، والأسَرُ الرَّشِيدةُ لا تَنِي في تَحصينِ أبنائِها… إلى غيرها من الجهودِ التي يَحتَسِبُها الوَاعُونَ؛ لِمواجهةِ هذا الطَّاعونِ!
وختامًا، فعلى الرَّغمِ من فَداحةِ الألَمِ، ونَتَنِ رَائحةِ الخِذلانِ، وبلوغِ شواهدِ التآمُرِ حَدَّ التَّواتُرِ، فيقيني أنَّ مصيرَ تلكَ المؤسَّسةِ لنْ يختلفَ عن مصيرِ غيرِها من الفُقاعاتِ الظَّلاميَّةِ، التي تُموِّلُها أيادٍ ظاهرةٌ وخفيَّةٌ، كمؤسَّسةِ (مؤمنونَ بلا حُدودٍ)، والدعوةِ إلى (الديانةِ الإبراهيميَّة)، وبناءِ مجمعِ الأديانِ… وغيرِها، والتي ما كانَ لها أنْ تقتلعَ دِينًا راسخًا في القلوبِ، متجذِّرَ الفكرِ، شامخَ البنيانِ، طالمَا لَطَمتْهُ الأمواجُ والعواصفُ على مدارِ خمسةَ عشرَ قرنًا، فلمْ تَزِدْهُ إلَّا صَلابةً وتَجذُّرًا، وما أمرُهم وأمرُهُ إلَّا كَما قال الأعشى:
كَنَاطِحٍ صَخْرَةً يَوْمًا؛ لِيُوهِنَهَا *** فَلَمْ يَضِرْهَا، وَأَوْهَى قَرْنَهُ الوَعِلُ
* * *
نجز في بندر سري بجاوان، بروناي دار السلام
الثلاثاء، 6 ذو القعدة 1445هـ
الموافق 14 مايو 2024م