التربية في خطر والوطن في خطر. بقلم الدكتور غالب الفريجات
بقلم الدكتور غالب الفريجات -الاردن -

التربية في خطر والوطن في خطر.
بقلم الدكتور غالب الفريجات -الاردن –
الوطن في خطر منذ أن تهاوت اعمدة التربية، وتراجع اداؤها، وتدنت مستويات مخرجاتها التي باتت لا تسمن ولا تغنى من جوع، عقول خاوية من العلم والمعرفة، والأمر من كل ذلك من القيم والأخلاق التي تحمي الوطن بوجود مواطن لديه ثقافة وطنية، عز وجودها اليوم بين خريجي التعليم بشقيه المدرسي والجامعي.
لسنا دعاة احباط، ولا نفتري على النظام التربوي، ولكنها السياسات التربوية التي فقدت دورها في خلق نظام تربوي وطني، وعجزت عن تحقيق الأهداف التربوية المتمثلة بخلق المواطن الصالح، فأين هو هذا المواطن الصالح عندما يكون غذاؤه خالي من دسم الانتماء الوطني والوشيجة العروبية والنسك الديني؟ ، عناصر ثلاث في حياة المواطن تعمل على بناء شخصيه، وطنية وعروبية واسلامية، وكلها حلقات متشابكة لا انفصام بينها، متداخلة في تأثير عطائها الروح البشرية.
نظامنا التربوي الاشمل من التعليمي، فالتعليم بلا تربية لاقيمة له، فلسنا مع حشو معلومات لا تخاطب العقل والروح، ولسنا مع عالم لا تربية له اي بدون سلوك يستطيع توظيف علمه وفهمه للعلوم والمعارف لسلوكيات حياتية على ارض الواقع، لأننا لانريد إنسانا يردد ما يتعلم كالببغاء، نريد إنسانا يتفاعل مع الحياة، و في مقدوره تطويع ما يتعلم على ارض الواقع، وفي مقدوره ببيئة ما ان يتعلم بما يخدم البيئة التي يعيش في ظلالها، وإلا فإنه يلوك المعرفة دون تذوق طعمها.
أعمدة نظامنا التربوية متهاوية، قابلة للسقوط في اي لحظة، وإن كانت بالجوهر خالية من اي دعامة تمنعها من السقوط، ذلك لانها واقفة بالشكل فلدينا مدارس اجواؤها باردة لا حميمية فيها ولا عطاء يكتنف جنبات جدرانها، ابنية صماء والحياة فيها مفقودة، والحركة متعطلة، وزخم الروح والنفس الإنساني صوته كصوت انين المرضى الذين فقدوا الأمل في الحياة، وينتظرون يومهم المرجو الذي يخلصهم من ألم المعاناة.
التربية تقوم على معلم ومنهاج، المعلم الذي تسعى اليه كل النظم التربوية ليكون ربان السفينه التربوية غير موجود في مواصفات هذا الربان، فنحن ليس لدينا إلا وظيفة المعلم الذي ينتظر راتبه اخر الشهر، ليس له سلاح يتسلح به ، اليست الغرفة الصفية ميدانه؟، فهو لا يفهم ابجديات اللعب في هذه الساحة، فزوادته خالية من دسم العلم والمعرفة، وسلوكه بعيد كثيرا عن سلوك المعلم، ويا للهول ان كان يعي ان الأنبياء والرسل كانوا معلمين، وهو يمتطي ذات الجواد الذي امتطوه لنشر قيم الحياة الإنسانية التي ارادها الله لعباده، في المقابل أين هو معلم الرسالة الذي نريد ليحل مكان معلم الوظيفة، فلا مناهجنا الجامعية، ولا برامجنا التدريبية فيها ما يؤهل للوصول لمعلم الرسالة هذا.
اما المناهج التربوية والتعليمية، فهي حشو معلومات لشدة تزاحمها في عقل الطالب تسعى جاهدة للهروب، ليبقى العقل فارغا، وعندما تمتحن هذه المعلومات فلا نسق يربطها، ويعمل على ترتيبها، ولا دسم فيها لا من ثقافة وطنية ولا عروبيةولا دينية، فقد تم تجريدها من كل ما يغذي العقل والروح، وغرس القيم، وصناعة الحياة بابجدياتها على الأرض، فما الذي نريده من التربية والتعليم، اليس هدف التربية خلق المواطن الصالح، وماهي معايير هذا المواطن، اليس الانتماء الوطني هو السطر الأول في حياة المواطن، وكيف يكون عندما يكون الوطن والأمة والعقيدة في خطر أين يكون هذا الهيكل البشري الذي صنعناه في مخرجات تعليمنا؟.
حقا إن اننا في بؤس تربوي، لا اجافي الحقيقة، ولا اتجنى على الواقع، فالتربية في بلادنا في سياساتها ومساراتها التعليمية دمار للحياة الإنسانية بعكس ما يجب أن تكون عليه انها بناء الإنسان، وتكوين شخصيته، وجعله مواطنا صالحا لخيره وخير مجتمعه، وأن القائمين على التعليم ان لم يدركوا ذلك مصيبة، وإن ادركوا المصيبة أعظم.
التربية ياسادة مصنع الحياة، وهي البلسم لعلاج مشاكل المجتمع، والدولة التي تعاني من عقبات ومشاكل في الحياة تلجأ الى التعليم، والأمثلة كثيرة في دول واجهت حل مشكلاتها بالتعليم، ونحن إن أردنا ان نواجه مشاكلنا، ونعالج امراضنا في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية لابد من بوابة التربية، فهي الرد على كل ما نعانيه من مشكلات في كل مناحي الحياة، وما دون ذلك هراء في هراء، نضيع وقتنا، ونتمادى في قتل ابنائنا، ومستقبل حياتنا، ومصير اوطاننا، فهل من مجيب ام لا حياة لمن تنادي؟ .