مقالات

عمليّة رفح والفشل الإسرائيليّ المطلق

عمليّة رفح والفشل الإسرائيليّ المطلق

سليمان أبو ارشيد

يتوالى على لسان أكثر من محلّل وخبير وقائد عسكريّ إسرائيليّ سابق أنّ هذه الحرب ستتسجّل بصفتها الهزيمة المخجلة الأكبر الّتي منيت بها إسرائيل على امتداد تاريخها…

في الوقت الّذي تتقدّم فيه قوّات الاحتلال الإسرائيليّ إلى عمق رفح، وعلى امتداد محور فيلادلفيا جريًا وراء “النصر المطلق” المزعوم الّذي يدّعيه نتنياهو، متسبّبة بتهجير مئات آلاف الفلسطينيّين الّذين لجأوا إلى المدينة الجنوبيّة كملاذ أخير في مسلسل التهجير المرير، متحدّية كافّة الدعوات الدوليّة الّتي انطلقت من أعداء إسرائيل وأصدقائها، خاصّة، الولايات المتّحدة الأميركيّة، وضاربة بعرض الحائط كلّ الأعراف والمواثيق الدوليّة والاتّفاقات الثنائيّة، وفي مقدّمتها اتّفاقيّة السلام مع مصر.

يتوالى على لسان أكثر من محلّل وخبير وقائد عسكريّ إسرائيليّ سابق أنّ هذه الحرب ستتسجّل بصفتها الهزيمة المخجلة الأكبر الّتي منيت بها إسرائيل على امتداد تاريخها، كما جاء على لسان رئيس معهد يافة للدراسات الاستراتيجيّة السابق زئيف معوز، بغضّ النظر عن الإهانة العسكريّة الّتي منيت بها إسرائيل في السابع من أكتوبر.

ويقول معوز أنّه بعد سبعة أشهر على الحرب تقف إسرائيل في رفح الّتي يتجمّع فيها غالبيّة السكّان المدنيّين وغالبيّة القوّات والسلاح المتبقّي لحماس، بعيدة جدًا عن تحقيق أهداف الحرب ومسؤولة عن كارثة إنسانيّة هائلة، وهي في واقع عزلة دوليّة آخذة في التعمّق حتّى فقدان آخر أصدقائها، وإن كان الإنجاز الوحيد الّذي نستطيع الإشارة إليه هو استمرار حكم نتنياهو وعصابته، واستمرار تسرّب الأصوات من المعارضة إلى الائتلاف، فإنّه من الناحية العسكريّة وبغضّ النظر كيف ومتى ستنتهي الحرب، فإنّ إسرائيل قد هزمت.

تلك الهزيمة كانت لتدفع زعيم أيّ دولة أخرى مكان نتنياهو أن يصعد إلى أعلى برج في البلاد، ويلقي بنفسه منتحرًا، كما قال قائد الأركان الأسبق الجنرال دان حلوتس، مشيرًا إلى أنّ إسرائيل قد خسرت الحرب، ولن تكون هناك صورة نصر، بل صورة خسارة فقط مع وجود 1300 قتيل و240 مختطفًا و200 ألف لاجئ إسرائيليّ، ومتّهمًا نتنياهو بأنّه يضحّي بحياة الجنود دون خطّة أو هدف.

لكنّ غنيّ عن البيان أنّ حالوتس ذاته لم يصعد إلى أيّ برج بعد فشله أمام حزب اللّه في حرب لبنان الثانية 2006، فهو لم يمتلك شجاعة دافيد العزّار قائد أركان حرب أكتوبر 73 الّذي أطلق الرصاص على نفسه بعد أن حملته لجنة “اغرانات” مسؤوليّة الفشل، بل اكتفى بالاستقالة من منصبه قبل صدور تقرير لجنة “فينوغراد” الّتي حملته إلى جانب رئيس الحكومة في حينه إيهود أولمرت ووزير الأمن عمير بيرتس مسؤوليّة الفشل.

وإذا كان البعض يعتبر أنّ عمليّة رفح هي هروب إلى الأمام ومحاولة عبثيّة لإطالة أمد الحرب بلا طائل تحت ستار القضاء على حماس، فإنّ الجنرال احتياط يتسحاق بريك يرى أنّها ستكون بمثابة المسمار الأخير في نعش قدرة إسرائيل على تدمير حماس، بل إنّها ستسبّب ضررًا أكثر من المتوقّع في أوساط الدول الصديقة والدول العربيّة الّتي تربطها بإسرائيل معاهدات سلام، مشيرًا إلى أنّه حتّى لو نجحت إسرائيل خلالها في القضاء على كتائب حماس الأربعة وإخلاء المليون فلسطينيّ الموجودين هناك بهدوء نسبيّ، فإنّها ستخلّي لاحقًا قوّاتها من رفح عاجلًا أم آجلًا، مثلما فعلت في سائر الأراضي الّتي احتلّتها في غزّة حتّى الآن.

ويكشف بريك أنّ تفاهمات جرت بين إسرائيل والولايات المتّحدة على دخول الجيش الإسرائيليّ لرفح، وتدمير الكتائب الحمساويّة الأربع وإغلاق الأنفاق الّتي تمرّ من سيناء على عمق 50 مترًا في محور فيلادلفيا، مقابل التزام إسرائيل بالانسحاب من رفح، ومن محور فيلادلفيا بعد إنجاز هذه المهمّة، ويقول إنّه حتّى بدون هذا الالتزام، فإنّ الجيش الإسرائيليّ لا يستطيع البقاء في رفح، وفي محور فيلادلفيا بسبب النقص الحادّ في القوّات البرّيّة وهو ما سيفضي بالتالي إلى عودة حماس الّتي سترمّم قوّاتها، وتعيد ترميم الأنفاق في هذا المحور أيضًا.

وفي سياق السرعة الّتي تتمتّع فيها حماس بترميم قوّاتها كشف تقرير الاستخبارات الأميركيّة، أنّ أكثر ما يقلق أنّ حماس نجحت من تجنيد الآلاف من المقاتلين خلال الأشهر الأخيرة من الحرب، وهو ما مكّنها من الصمود المتواصل أمام الهجوم الإسرائيليّ، كما أشار التقرير إلى احتفاظ الحركة بثلثي قوّاتها وبـ 65% من الأنفاق صالحة للاستعمال.

ويبدو أنّ هذه المعطيات والتحليلات هي ما دفع نائب رئيس مجلس الأمن القوميّ الإسرائيليّ المستقيل، يورام حامو، في تقرير قدمه إلى الكابينيت إلى الاعتراف بفشل أنماط الفعل الاستراتيجيّ الإسرائيليّ في الحرب، والّتي يؤدّي استمرار العمل بها إلى مزيد من التآكل في إنجازات الحرب، كما قال، وهو ما فهم منه أعضاء في مجلس الحرب أنّها دعوة إلى وقف الحرب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب