منوعات

الطلاق قرار الفصل الذي يبكي الأفريقيات وتحتفل به الموريتانيات

الطلاق قرار الفصل الذي يبكي الأفريقيات وتحتفل به الموريتانيات

عبد الله مولود

 نواكشوط ـ  الطلاق كسر وبتر وقطع، وله قصصه في حياة الإنسان؛ وهو في جميع الحالات حدث صادم مؤلم ومحبط لأحد الطرفين، وخاصة للمرأة ضحيته الأولى، لكونها ذات حساسية مفرطة، ولأن الطلاق قد يجعلها تتوقع أياما سيئة وضياعا لا نهاية له؛ بل إن الطلاق قد ينقل الحسناء إلى المشافي العقلية، كما أنه قد يدخل الرجل إلى مهاوي الندامة الموجعة.

ومن محاسن الطلاق، أنه قد يدفع مطلقات إلى إعادة تأسيس للحياة، وإلى الاقتناع بأن الطلاق ليس النهاية بل هو تجربة جديدة ستحولها التجربة الأولى إلى تجربة أقوى وأكثر ثباتا.
وفي التاريخ قصص طلاق محفوظة أبرزها قصة مجادلة خولة بنت ثعلبة لزوجها أوس بن الصامت رضي الله عنهما، الذي طلقها بعد أن رفضت معاشرته؛ فاشتكته للنبي صلى الله عليه وسلم فلم يجد لها مخرجا، فدعت الله فنزلت سورة المجادلة في شأنها، فأخرج زوجها الكفارة وعادت إليه.
ومن ذلك قصة طلاق الشاعر الفرزدق لزوجته الحسناء نوار في حكاية مشهورة جمعت الحب، والخيانة، والحرية أيضاً؛ فقد أوكلته نوار لكونه ابن عمها، أمر تزويجها في المسجد إذا وجدت من ترضه، فغدر بها الفرزدق وزوجها لنفسه، فعاندته ووقفت بوجهه، حتى فضحته أمام أحياء العرب؛ فسال شعره دموعا، حزنًا على انفصالها عنه.
ومن ذلك أيضا، قصة طلاق هارون الرشيد لزوجته زبيدة؛ فقد قال لها يوما «أنت طالق إن لم أكن من أهل الجنة»؛ فندم على ما قاله، ثم استنجد بالفقيه الليث بن سعد الذي حل القضية بفتحه المصحف وقراءة قوله تعالى: ولمن خاف مقام ربه جنتان، ثم سأل الرشيد: هل أنت تخاف مقام ربك فقال: نعم؛ فقال له: إذن أنت من أهل الجنة، زوجتك لم تطلق؛ ففرج الرشيد وزبيدة بهذا المخرج الذكي وأجزلا عطاءهما للفقيه.
والطلاق في أفريقيا، كارثة وفضيحة تلقي المرأة في معرة كبرى: فإذا طلقت المرأة السنغالية، مثلا، بكت وولولت وندبت حظها، وشقت جيوبها، وجاءها المعزون ولبثت الأسابيع الطوال وهي في حالة مأتم إلى أن يمن الله عليها بزوج آخر. وفي موريتانيا العكس تماما، فالمرأة، إذا طلقت، انتقلت إلى أهلها، فتُستقبل بالطبول والزغاريد، لتبدأ حياة جديدة باحثة عن فرصة أخرى في الحياة.
وعندما يشاع طلاق المرأة الموريتانية الشابة، يتبارى الشعراء في ذكر محاسنها والتظاهر برغبتهم في الزواج معها، وذلك في مقطوعات أدبية تسمى محليا «قصائد الشارة».
والقصد من أشعار «الشارة» هو تعويض المطلقة عن فقدان زواجها، والتضامن معها، وإغاظة زوجها ووصفه بالمفرط في الجمال، وذلك ليعدل عن قراره مدفوعا بالغيرة من الرجال الذين ينتظرون انقضاء عدتها ليحظوا بها.
ومن عادات الطلاق في المجتمع الموريتاني، انتصار ابن عم المطلقة لها بإطلاقه عشر رصاصات من بندقية في الهواء، إيذانا بأن ابنة عمه لن تتضرر من تخلي رجلها عنها، وأنها ستجد بعلا أفضل.
ومن غرائب التقاليد الموريتانية أن الرجال لا يجدون أي مانع في الزواج من المرأة المطلقة، بل إن البعض منهم يفضل الزواج بالمرأة المطلقة عن العازبة التي لم تتزوج من قبل، وهم في ذلك يتأسون بالنبي عليه الذي كان الزوج الثالث للسيدة خديجة بعد أبي هالة بن زُرارة التميمي، وعتيق بن عابد.
وإذا كان الطلاق في المجتمع البدوي الموريتاني أمرا نادر الحدوث لبساطة الحياة، فإن التحضر داخل المدن الموريتانية، واختلاط السكان، وظروف الحياة داخل المدينة، جعلته يزداد بمعدلات مخيفة، حيث أكدت دراسة حكومية موريتانية أن نسبته بلغت في عام 2018 ما يقارب 31 في المئة، بينها نسبة 60 في المئة حالات طلاق في السنوات الخمس الأولى بعد الزواج.
وذكرت الدراسة أن نسبة 74 في المئة من النساء المطلقات تزوجن من جديد، وأن نسبة 25 في المئة من النساء تزوجن مرتين على الأقل، و7 في المئة تزوجن ثلاث مرات فأكثر، ووضع التقرير العوامل الاجتماعية والاقتصادية على رأس أسباب الطلاق.
هذه فذلكة عن الطلاق ذلك القرار المخيف الذي صدرت قوانينه في مجلدات الأحوال الشخصية، والذي يظل، بآماله وآلامه، جانبا مهما في حياة البشر، وفي العلاقة الوجودية بين الذكر والأنثى.

«القدس العربي»:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب