مقالات

أصعب المهن بقلم الدكتور ضرغام الدباغ

بقلم الدكتور ضرغام الدباغ

أصعب المهن
بقلم الدكتور ضرغام الدباغ
أصعب المهن هي تلك التي تجد نفسك في بحث دائم لا نهاية له للإلمام بخفايا المهنة / الهواية من جهة، ومستجداتها من جهة أخرى. وأنك تتعلم كل يوم المزيد والمزيد .. مهن لا تكتفي منها بالدراسة فلابد من الممارسة العمليةً، مهن لا بكفي أن تقرأها في الكتب، بل أن تعمل بها ولسنين، وتكون مخلصاً لها، ومن خلال تجربتي الخاصة، وتقلبي في أنواع مختلفة من المهن، وجدت أن هناك نوعين من العمل لا نهاية للبحث فيه : 1. الدبلوماسية. 2. التصوير
الدبلوماسية :
هي ضرب من النشاط السياسي، فن التعامل مع عشرات الدول والشعوب والعقليات والمصالح، وزوايا رؤية مختلفة للعلاقات الدولية. أعتقد أنها من أصعب المهن، بل وهي تتطلب شيئ من الذكاء الفطري، وقدرات وقابليات تخلق مع الإنسان دبلوماسيا ناجحاً، بهذا المعنى نستطيع القول أن هناك أشخاص مصممون ليكونوا دبلوماسيين، وآخرون لا ننصحهم بدخول هذه المهنة الصعبة. قد تجد شخصاً أمضى سنوات عديدة في المهنة، ولم يتعلم شيئاً (تقريباً)، وهناك بالعكس من أحبتهم المهنة وأحبوها. وباتوا يصلحون لها تمام الصلاحية. وهناك من يعتقد أن الدراسة والتعلم ونيل الشهادات العالية كافية للبدء بالعمل الدبلوماسي، نعم هذا جيد ومطلوب، ولكن الأمر بحاجة إلى ممارسة عملية، وإلى مواهب وقدرات شخصية، هناك من أمضى سنوات في الخدمة الدبلوماسية وتعلم منها، ولكنه بحاجة للقراءة الكثيفة وبدونها سيبقى دبلوماسيا ليس بالدرجة الكبيرة من الخبرة والمهنية. فلا الدراسة وحدها ولا خبرة العمل وحدها كافية، ولست أتبين بدقة تامة، أيهما أكثر أهمية لتكوين الدبلوماسي المثالي، ولكن بوسعي أن أؤكد أن كلا الجانبان العلمي والعملي، مهمان بدرجة إن لم تكن متماثلة، فمتقاربة … فلا نصل لدبلوماسي مثالي بلا دراسة وبلا تعليم، أو بدون فترة ضرورية في مرحلة تكوين وجمع الخبرات العملية. وبتقديري أن التعليم الأكاديمي : العلوم السياسية، ثم الاقتصاد السياسي، ثم الاجتماع والفلسفة، والقانون، هي بالتسلسل أفضل المجالات المناسبة للعمل الدبلوماسي.
وبتقديري أن اختيار الدبلوماسيين الشباب في مطلع أعمارهم من خريجي الكليات للعمل في وزارة الخارجية، بعد إنهائهم للدراسة الاكاديمية، ومعهد الخدمة الخارجية. بأول درجة في سلم العناوين الوظيفية (ملحق) أي أنه سيقضي 28 سنة (بواقع 4 سنوات لكل رتبة : ملحق، سكرتير ثالث، سكرتير ثان، سكرتير أول، مستشار، وزير مفوض) ليبلغ باستحقاقه درجة سفير عن طريق التدرج المهني (Carer Diplomat). إذا أمضى الدبلوماسي هذه الخدمة تحت قيادة دبلوماسيين متمرسين، وقانون خدمة دبلوماسية معد بعناية ويطبق بدقة، فمن المفترض أن يبلغوا الدرجة المطلوبة من النضج ليستحقوا منصب السفير قولا وفعلاً.
وفي قوانين كثير من الدول(بما في ذلك الدول الكبرى) يحق لرئيس البلاد أن يدفع لوزارة الخارجية عدداً يحده نظام كسفراء من خارج السلك، دون شروط، عدا الكفاءة العامة، وإلا فتعيين السفراء بالتدرج، هو الأصح، إلا إذا كان السفير المعين من خارج السلك شخصية سياسية أو فكرية / ثقافية رفيعة، فيحاط بعدد من المستشارين الذين يقدمون المساعدة المهنية. وعدا ذلك فالدبلوماسية مهنة معقدة وصعبة للغاية، ومن مستلزماتها الضرورية هي الثقافة الواسعة،
فالدبلوماسي يمثل في الخارج مصالح بلاده، بمعنى آخر يمثل كافة الوزارات في البلاد، هناك غالباً ملحقون : عسكري، وتجاري، وثقافي، وإعلامي، وإلا فالدبلوماسي يرعى مصالح بلاده في كافة الشؤون ، لذلك ينبغي أن يكون على معرفة ودراية بدرجة تؤهله للقيام بذلك. أو أنه على الأقل يدرك بدرجة طيبة المؤهلات التي تمكنه من فهم أين تكمن مصالح بلاده وكيفية الحفاظ عليها.
يعتقد بعض الناس أن الدبلوماسي شخص لابد أن يكون أنيق الملبس، لبق الكلام، متحذلق، يتمتع بأمتيازات فريدة لا يستحق معظمها، ويستطرد البعض أن هذه المزايا ليست ضرورية لعمله، فيما يعتقد آخرون أن الدبلوماسيون يتمتعون بأعلى مرتب بين العاطلين عن العمل، وآخرين يتصورون أن الدبلوماسي جاسوس يحمل حقيبة سوداء ويسافر بكثرة بين العواصم…الخ
ودون ريب فإن هذه التصورات عارية عن الصحة، وبعضها ساذج. فواقع الأمر هو على العكس من ذلك. وبادئ ذي بدء فإن مهنة الدبلوماسية من المهن النادرة التي لا يتعلمها المرء على مقاعد الدراسة فقط، مع أهمية وضرورة التحصيل العلمي الأكاديمي، وإنما يحتاج الدبلوماسي أيضاً إلى فترة مران وخبرة غير قصيرة إن أراد أن يكون دبلوماسياً ممتازاً ومهيئاً للاضطلاع بمهماته لا سيما في المراتب المتقدمة من المهنة. وبادئ ذي بدء، أن حيزاً من الموهبة والألمعية الفطرية بتقديرنا ضرورية جداً للدبلوماسي المحترف، وتلك صفات لا تخلق بالدراسة والتدريب، فهناك دائماً رجال مهيئون لوظائف ومهن لا يصلحون لغيرها، ولا يصلح سواهم لها. والموهبة والألمعية الفطرية ضروريتان للدبلوماسي إلى جانب الصفات الأخرى.
ولكن دراسة التاريخ لا سيما الجوانب السياسية منه، والإلمام بالقوانين وبصفة خاصة ما يتصل منها بالسياسة والاقتصاد الدولي شروط هامة ينبغي للدبلوماسي أن يتمتع بها. أي أن ما يتعلمه الدبلوماسي على مقاعد الدراسة لا تكفي المجالات الرحبة للمهنة، كما أن الثقافة الواسعة ضرورية اشد الضرورة، بل هي في مقدمة الشروط. فمعرفة الاتجاهات الأساسية في الأدب والشعر والمسرح والفن الحديث والكلاسيكي والموسيقى تدخل في نطاق الضرورات. فليس بإمكان الدبلوماسي أن يعقد صداقات مع زملائه من دبلوماسي البعثات الأخرى، وتلك صداقات تعد معيناً أساسيا في نشاطه ضمن الوسط الدبلوماسي. فالدبلوماسيين في حياتهم بشراً لهم أذواقهم وحساسياتهم، وسعة إطلاع وثقافة الدبلوماسي في هذه المجالات بالإضافة إلى رزانته وحصافته وبعد نظره وروحه الخفيفة وشفافيته تجعله نجماً في المجتمع الدبلوماسي وعضواً لا غنى عنه في الحياة الخاصة للدبلوماسيين، واقصد بالحياة الخاصة اللقآت الخاصة خارج إطار العمل، وإن كانت مساحة الحياة الخاصة للدبلوماسي ضيقة جداً حتى خارج إطار المهنة والتزاماتها وأصولها.
التصوير :
التصور الفوتوغرافي والسينمائي، من المهن التي يقضي الانسان عمره فيها يتعلم، وخاصة أن صناعة ألات التصوير تتقدم بدرجة سريعة، واقتحمتها الالكترونيات، والديجيتال، وكنت في طفولتي قد تلقيت هدية من والدي، عبارة عن آلة تصوير بسيطة، ولكنها كانت كافية لتعليم أوليات التصوير، ولكن في الكلية، تعلمنا التصوير لمدة عام كامل على يد عالم تصوير هو اللواء سالم عبد الجبار، ورغم أن كنت على علم بأوليات التصوير، ولكنه هذا كان قطرة في بحر التصوير. بعد فترة قصيرة، حين دخل عالم التصوير تعلمنا ما يسمى “مقدرة المدى / Range finder “و “آلة قياس الضوء/ Lightmeter “.
من أولى مبادئ التصوير هو أن يدرك الطالب الأمور الأساسية الثلاثة التالية لها تأثيراتها المتبادلة :
1. السرعة.
2. المسافة.
3. فتحة العدسة / الضوء.
وعدا هذه الأساسيات هناك أشياء مهمة ولكنها ثانوية، وتلك تتعلق بنوعية الفلم(الشرائح) الذي تركب في الكاميرا، وكانت لوقت طويل تقتصر على الشرائح الورقية، وبعدها دخلت تدريجيا صناعة الأفلام الجلاتينية، لتنسحب الأفلام الورقية نهائياً.
وبأختراع أجهزة مقدرة المدى، وآلة قياس الضوء، وآلة قياس الضوء التي اعتبرت في وقتها إنجازا علمياً مهما، أصبح فيما بعد ملحق بآلة التصوير، كما أن التطور في صناعة العدسات، كما جعلت تقدير المدى أمرا بسيطاً ملحق بالعدسات، تعطيك البعد الصحيح، من أجل معطيات دقيقة: فتحة العدسة التي تتحكم في مقدار الضوء ..
والحقيقة أن التطور الكبير في صناعة الكاميرات، جعلت من التصور مسألة معقدة، ولكن متى ما تعلمتها، تعطيك صوراً رائعة، وهنا يلعب الذوق والمزاج الشخصي، في اختيار اللقطة بدرجة سطوع يختارها المصور، ويعطيك أمكانيات لا حدود لها لالتقاط صور مميزة، ونستطيع القول، أنه من الصعب جداً التقاط صورتان متماثلتان 100%، لأن بعد المسافة بين الكاميرا والهدف أو كمية ضوء تدخل الكاميرا ستغير من الصورة، وكذلك يلعب تحميض الصورة دورا غير بسيط في جودة الصورة، ونوعية الشريط الذي تستخدمه وشدة الحساسية.
وفي المرحلة الحالية، أي منذ أن دخل الديجتال إلى صناعة الكاميرات (منذ نحو 35 عاماً)، صار حتى بوسع الهواة والأولاد التقاط الصور بواسطة الكاميرات الدجيتال الصغيرة، وبنظام ال الأوتوماتيك الشامل (Full Automatic) ، وهي أنظمة لا يفضلها المصورون المحترفون الذي يريد أن يتحكم بالصورة من حيث الضوء والظل، وهنا دخل عالم الديجتال تطور زادها تعقيداً، وحين انتشرت أجهزة الهواتف الجوالة (الموبيل) ولمعظمها كاميرات ملحقة بالهاتف، وبعضها بدرجة لا بأس بها من الوضوح والدقة(حجم البكسل)، وحتى يمكن وضع ملاحق لها (adapter) فيوسع من مجال العمل بهذه الكاميرا البسيطة. ولكن من أجل تعلم فن التصوير، صار لزوماً أتباع دورات، وفي ألمانيا ينظم الشبان والشابات إلى دورات ممتازة قصيرة لتعلم التصوير مجاناً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب