مقالات
البرهان عزلة وتوهان وتضييق خناق أم انفتاح عسكري ودبلوماسي خسرت حكومة بورتسودان (5 من 7) دول جارة بقلم خالد ضياء الدين -الهدف السودانية –
بقلم خالد ضياء الدين -الهدف السودانية -

البرهان عزلة وتوهان وتضييق خناق أم انفتاح عسكري ودبلوماسي
خسرت حكومة بورتسودان (5 من 7) دول جارة
بقلم خالد ضياء الدين -الهدف السودانية –
من لم يعتبر من أخطاء الأمس لايستحق فرصة جديدة، الذي يسير في نفس الطريق لايتوقع نهايات مختلفة، أما الذين يديرون دفة الحكم منذ انقلاب (البرهان/حميدتي) من المتنفذين “المؤقتين” فهؤلاء بتكرارهم لأسوأ تجارب سلفهم يمضون نحو خسارة كل دول الجوار العربي والإفريقي، والدليل أنه لم تعد هناك علاقات إيجابية إلا مع دولتين من أصل (7) هما مصر واريتريا، مقابل خسارة (5) من الدول المحيطة بالسودان وهي
إثيوبيا ، جمهورية جنوب السودان، تشاد، ليبيا، إفريقيا الوسطى.
نعم هناك دول ماتزال تدعم حكومة البرهان وتخفي نفسها خلف سماسرة وتجار السلاح أو بتعاقدات من الباطن، لكن في النهاية سيغلب الجميع مصلحتهم الذاتية إذا تعارضت مع مصالح حكومة بورتسودان، حدث ذلك مع حكومة بشار الأسد الذي وجد نفسه في أقل من أسبوع مكرها على مغادرة سوريا إلى الأبد، فمن كان يصدق أن تدير إيران وحزب الله ومليشيات العراق الشيعية وروسيا ظهرها “للأسد” وتمضي مرددة (نفسي نفسي)؟!
الذي يحدث الآن من عزلة وخلافات مع الجيران والإقليم يتمدد نحو المجتمع الدولي، وهو أمر لايمكن أن ينظر له إلا على أنه فشل دبلوماسي وسياسي، وأما تناول أمر هذه العزلة من بعض الذين يوصفون ب(البلابسة)على أنها نتيجة للموقف الصحيح والمبدئي، ولأنهم يقاتلون العالم المستبد من أجل كرامة الشعب السوداني، إنما هو حديث في أحسن حالاته ضلالي وتبريري، خلاصته أنه يريد تغطية الجرح دون تعقيمه، والاستفادة قدر الإمكان من تمديد فترة الحرب لأجل مصالح ضيقة ولو على حساب الأغلبية الكادحة.
العقوبات الأمريكية التي طالت قائد الجيش وسبقتها عقوبات على قائد الدعم السريع، خطورتها أنها كشفت عن أبرز سماسرة المحيطات، وبذلك يجب أن تفهم الرسالة على الوجه الصحيح وهي اكتمال حلقة العزلة عبر الحدود وربط للطوق على العنق تمهيدا للسيطرة، وهي عزلة تطال البحر والبر والجو، منعا لوصول أي دعم للموانئ السودانية التي يسيطر عليها الجيش، وهذا يعني بأن “البلف” يمكن أن يقفل حتى يتم لي يد سلطة بورتسودان.
علينا أن نلاحظ أن دول الجوار في غرب البلاد على علاقة جيدة مع قائد الدعم السريع كذلك الشمال الغربي في ليبيا (حفتر)، خسرت حكومة بورتسودان مؤخرا جمهورية جنوب السودان التي استغلت حادثة “الكنابي” وعدم التزام الجيش بالتزاماته الحفاظ على تدفق البترول عبر الأنابيب لإعلان سخطها على حكومته، ودخولها في قائمة الدول الداعية لعزله سياسيا وعسكريا.
مايحدث من فشل دبلوماسي مع دول الجوار نتيجة الخطاب غير الرشيد، وهو مؤشر خطير له مابعده خاصة إذا سقطت الفاشر وسيطر الدعم السريع على كل إقليم دارفور، بعدها سيعلن عن قيام حكومة موازية أو إقليم انفصالي يستقطب بخطاب الهامش ومظالم دولة (56) ولايات الجوار المتحفزة للانفصال، وبما أن سقوط الفاشر مسألة وقت “ولو كره بعضهم هذا القول” واتهمنا بالانحياز، إلا أنه الأقرب حدوثا خاصة مع انسحاب قوات الدعم السريع من الجزيرة والعاصمة ومصفاة الجيلي، كيف لا ونحن نشاهد قواتها تتجه ناحية جغرافية دارفور.
إن الدبلوماسية لاتدار على طريقة “السوباط” الذي ذهب ليبارك ل “ترامب” الذي لم يسمع به ولم يعره التفاتة، ولا بوعد من لايملك العطاء، ولا بتحجيم الفعل الاختراقي الدبلوماسي من قبل سياسيين وعسكر انفعاليين اشتكى منهم قبل اليوم وزير خارجية المخلوع ” المرحوم د. حسين أبوصالح” الذي قال كلما أحدثنا اختراقا يأتي من إخواننا من يخرب ما أنجزناه.
ماحدث في “الكنابي” وقرى الجزيرة، وبحري وأمدرمان، وما يقوم به ولاة الولايات من إصدار قوانين ولوائح تحت اسم الوجوه الغريبة ومحاكم الطوارئ والتصفية الجسدية (للمتعاونين) وجرائم القتل والانتقام غير المسبوقة، ومحاولة تهديد المدنيين السياسيين وابتزازهم بإعلان قوائمهم كمطلوبين “للعدالة” بالبوليس الدولي، كل ذلك يفقد حكومة بورتسودان الشرعية والتعاطف، ويجلب لها الإدانات الدولية وبالتالي تزيد عزلتها، ولو أن قوات الدعم السريع لم تقم بعمليات النهب والسلب والقتل للمواطن لكسبت قيادتها الجولة فيما يخص تأييد الجماهير، لكنها أيضا خسرتها مثلما خسرها الجيش من خلال مليشيات وجيوش مشاركة معه باتت تخصم من رصيده التاريخي، لأنها تعمل بنفس عقلية مجموعات الدعم السريع والمتحالفون معه، وفي بعض المرات تكون أكثر فظاعة منه.
السودان الآن في “كماشة” تضييق الخناق عليه من ليبيا في الشمال الغربي حتى إثيوبيا في الشرق..ليبقى منفذ حكومة بورتسودان للعالم فقط عبر البحر و”أريتريا” والأخيرة أضعف من أن تقدم للسودان عونا عسكريا أو اقتصاديا، وإن حاولت يمكن تحجيمها من قبل إثيوبيا بقليل من المناوشات مع تحريك المعارضة المسلحة فيها، فأريتريا اعتادت أن تكون رديف أو مخلب قط ليس أكثر ، ويبقى تأثيرها محدود يمكن السيطرة عليه..لكن تبقى جمهورية مصر العربية هي الحليف الأقوى القادر على تقديم الدعم العسكري والسياسي، والضامن الفعلي لقادة حكومة بورتسودان، ويمكنها أيضا تعويض العجز الدبلوماسي والعسكري، عليه سيمكن القول أن مصر الآن هي رهان البرهان الأخير الذي بخسارتها ستنهار حكومته تماما، فهل يستطيع البرهان أن يقدم لمصر أكثر من الذي يمكن أن تقدمه لها الإمارات والسعودية؟
هل تثق مصر بأن الفريق أول مسيطر على الجيش أم أنها على قناعة بأن الولاء فيه للإخوان الذين لن تقبل مصر بوجود نظام (إخواني)مرة ثانية ينخر في خاصرتها، وهي التي جربت من قبل دعمهم للمتطرفين داخل أرضها، وأنهم قاموا بتدبير محاولة اغتيال لرئيسها الأسبق محمد حسني مبارك؟
الوطن العربي يمر الآن بهزات عنيفة مدبرة ومخطط لها، هدفها إعادة ترتيبه من جديد تمهيدا لقيام (شرق أوسط جديد) يضم دولا غير عربية مثل تركيا وإيران، ومقصود أن تقود تركيا السنة العرب وتوكل لإيران قيادة الشيعة.
هذا الشرق الأوسط الجديد لن يحافظ على حدوده القديمة للدول، يرحل فيه شعب فلسطين “لسينا” أو يوزع على أقطار الدنيا..ستنفصل أقاليم وولايات لتكون دويلات جديدة أو تستوعب في دول الجوار، ففي السودان مثلا يمكن أن ينادي البعض بضمهم لتشاد، أو جمهورية.جنوب السودان أو مصر، كل ذلك نتيجة حروب وأحداث عنف وكراهية، ولضمان عدم عودة الفرع للأصل (الوطن الأم ) سيوفر لكل دويلة انفصالية دولا محيطة بها لتحتضنها وتعترف بها وتقويها، وهذا بالضرورة ما سيحدث للحكومة المزمع قيامها في مناطق سيطرة الدعم السريع وتحديدا في دارفور.
إن التعنت في المواقف، والإصرار على المضي قدما في طريق الحرب حتى آخر جندي، واستنساخ خطاب البشير الذي دعمه “الإخوان ” من قبل، ووضع المتاريس أمام جهود الجادين الداعمين لمفاوضات وقف الحرب، كانت نتائجه سالبة على المستويين، في الجوار العربي والإفريقي.
فالاتحاد الإفريقي الذي لم يعترف أصلا بحكومة انقلاب (25) أكتوبر، والرباعية ذات البعد العربي التي دعت ورعت المفاوضات في جدة والمنامة وغيرها، والكثير من المبادرات التي تبنتها بعض الدول مثل سويسرا وأمريكا، كلها واجهتها حكومة البرهان “المؤقتة” بالتعنت نزولا على رغبة المتطرفين المتشددين.
قبل أيام جددت المحكمة الجنائية الدولية طلبها بتسليم البشير وهارون، وقدمت بيانها لمجلس الأمن الدولي، فكان الرد: إن الدعم السريع أتلف كل التحقيقات والأدلة الخاصة بالقضية لذلك لا نستطيع تسليم المطلوبين!!!
من قال ذلك التبرير الفطير لايعلم بأنه أهدى بحديثه هذا للمحكمة الجنائية دليلا على وجوب محاكمة البشير وهارون وعبد الرحيم محمد حسين في لاهاي، لأن الجنائية لا تطالب بتسليم المجرمين إلا إذا تاكدت بأن دولتهم غير قادرة أو غير راغبة في محاكمتهم. ثم أن المحكمة الجنائية لاتنتظر أن تمدها الحكومة الحالية بالدليل الذي يدين المطلوبين، فهي عندها من الأدلة والبراهين ما جعلها مطمئنة قانونا بوجوب تقديم الجناة للمحاكمة.
الخطة (ب)وما أدراك ماهي؟
هل الانسحاب غير المسبوق الذي تم بدون خسائر تذكر لقوات الدعم السريع من مواقع سيطرتها يعد فشلا وهزيمة عسكرية أم تكتيك وصفحة جديدة، وهل نجح حميدتي دبلوماسيا فيما فشلت فيه حكومة بورتسودان، وهل سيفيق المحتفلون بالانتصار السهل على فاجعة جديدة مخطط لها ألا وهي دخول الشمالية ونهر النيل من دارفور وليس من طريق التحدي “لاسمح الله” ؟
(هل من المنطقي والمقبول عقلا أن تنسحب قوات الدعم السريع من الخرطوم والجزيرة في نفس الوقت الذي تستقبل فيه أكثر من (1000) تاتشر ومصفحة، وآلاف الجنود( الجدد) المدربين القادمين من ليبيا؟)
الذين يقولون بأن الحرب في خواتيمها عليهم أن يفهموا بأن الحرب مقرر لها أن تنتهي بانفصال أكثر من منطقة في السودان أولها دارفور، تليها ابيي، وتظل جنوب كردفان والأنقسنا في وضع الاستعداد منذ اتفاقية نيفاشا التي أعطتهم الحق في تقرير المصير.
الاثنين 27 يناير 2024