ثقافة وفنون

الفنان المغربي يوسف الريحاني: أحوال المسرح في كل البلاد العربية هي نفسها تنشيط مناسباتي وما من صناعة إبداعية

الفنان المغربي يوسف الريحاني: أحوال المسرح في كل البلاد العربية هي نفسها تنشيط مناسباتي وما من صناعة إبداعية

الرباط /عبد العزيز بنعبو

الفن بالنسبة إليّ لا يقوم على التخصص ولا يعترف بأية حدود، فهو مفاهيمي بالدرجة الأولى» بهذه الجملة يختصر الفنان يوسف الريحاني مسيرة التنوع والتعدد الإبداعي الذي يعيشه كتشكيلي ومسرحي وموسيقي، إلى جانب الانشغال الأكاديمي باحثا وأستاذا جامعيا وإداريا باعتباره مديرًا للمركز الثقافي في تطوان.

الريحاني كشف في حديثه لـ القدس العربي» أنه يستعد في تشرين الأول/أكتوبر، لتقديم عرض مسرحي كتبه خصيصا للممثل المغربي هشام بهلول، كما سيقوم بجولة بـ «البرفورمانس» الأخير (تحت الأدمة) الذي أنجزه بمناسبة الذكرى العشرين «للإنصاف والمصالحة» وعلى مستوى التشكيل، سيقدم معرضا لآخر أعماله التي ينكب على إنجازها حاليا بتعاون مع الفنان يوسف الحداد.
الإقامة في مدينة تطوان (شمال) فرضت طرح سؤال حول المسرح ما دامت المدينة التي تلقب بـ«الحمامة البيضاء» تحتضن كل عام «المهرجان الوطني للمسرح» وطرقنا باب رأي الريحاني حول حال المسرح والمسرحيين، ليؤكد أن «أحوال المسرح في كل البلاد الناطقة بالعربية هي نفسها».
وأضاف موضحا أنه «في مدن نجد حركة مسرحية يتنازعها سؤال الكائن والممكن، وفي أخرى قد تعتبر أفضل حالا، لن نعثر على أكثر من تنشيط مسرحي مناسباتي، خصوصا في المهرجانات أو الأيام العالمية أو القطرية للمسرح. لكن، على العموم، ما من صناعة إبداعية أو تشبيك معقلن للمسارح كمؤسسات فاعلة في الإنتاج الفني في أي بلد عربي، وأقصد وفرة المنتج المعروض ضمن برامج معلن عنها بشكل قبلي، يوازيها طلب الجماهير من كل الفئات، عبر شباك التذاكر الذي اختفى، فاختفت معه الأعمال التي قد يستمر عرضها لأسابيع، كما هو حاصل في كل ربوع العالم».
وحسب يوسف الريحاني، السبب يعود إلى «أننا في البلاد الناطقة بالعربية لم نبارح بعد عصر الإنتاج الخطي والثقافة الشفهية. فنحن لسنا مجتمعا قارئا، وكل مشاريع الانتقال من الشفهي إلى المكتوب ومن الخطي إلى المطبوع ظلت مطبوعة بالنقصان. ولأن المسرح كما باقي الفنون هو نتاج عصر الطباعة وظاهرة خاصة بمجتمعات القراءة، فمن الطبيعي أن يظل غريبا عن محيطنا الثقافي الذي هو حقل الغنائية وإنتاج القصيدة، وأقول القصيدة لأن الشعر ظاهرة أدبية تخضع للقراءة الفردية وليس للسماع الجماعي كما هو حالنا مع قصائد درويش ونزار وأحمد مطر وكل القصائد التي كانت تلقى على اسماع المئات من الحضور».
وأضاف المتحدث أن الجابري أفاض وقبله أدونيس في «هذه المسألة بتأثير من تصور ريجيس دوبري للعصور الثلاثة: (عصر الإنتاج الخطي- عصر الطباعة ثم عصر البصر) وشرحوا لماذا ذروة منجزنا هو الفقه والقصيدة الغنائية وليس المسرح أو الفلسفة أو الفنون الجميلة أو السينما».
ويستطرد الفنان والباحث الأكاديمي موضحا «قد يعترض قائل: وكيف تفسر المحاولات الرائدة لتأصيل مسرح عربي يعبر عن خصوصيتنا الحضارية، فأرد قائلا: هذا أكبر دليل على أن ثقافتنا لا تزال أسيرة عصر الإنتاج الخطي، حيث قمة الإبهار لا تزال رهينة بالمنجز اللغوي دون أي معادل في أشكال التمثيل البصرية، ما يجعلنا نسقط من الزمن».
وحسب الريحاني، فإن «المعضلة هي أن مسألة المسرح لدينا بوضعنا الحالي ستزداد تعقيدا مع انتقال البشرية المعاصرة من عصر الطباعة إلى عصر البصر، حيث الفرجات الحية تعلن موتها، وحيث فنون الأداء الجديدة تولد من رحم التكنولوجيات الجديدة ومن الذكاء الاصطناعي، والنتيجة، أن المسافة بيننا وبين التقدم تزداد شساعة».
ويؤكد الفنان «لست متشائما، ولكن وضع المسرح في تطوان كما في غيره من الأقطار العربية بالشكل الحالي ودون وجود إصلاح في المنظومة التعليمية وقبلها الدينية سيظل بلا أفق. لاحظ أنني لا أتحدث عن الفقر المادي وضعف المخصصات المالية للنهوض بالمسرح والفنون، فهذا تحصيل حاصل لحالة الإفلاس التي عليها ثقافتنا في ضوء الحاضر المتجدد، إفلاس ينتظر فقط بيان الإعلان».
احتضان مدينة تطوان «للمهرجان الوطني للمسرح» دفعنا لسؤال الريحاني عن انعكاس هذا الحدث الفني على عطاء أبناء المدينة وفرقها المسرحية، ليقول إن تطوان غابت ومعها فرقها عن الدورة الأخيرة للمهرجان، وأيضا عن معظم الدورات السابقة، «وهذا طبيعي، فتاريخها المسرحي العريق لا يشفع في غياب سياسة حقيقية للنهوض بالمسرح من لدن المنتخَبين المحليين، والحكومة ذات السياسات المتمركزة وحتى مسرح محمد الخامس الجهة الوحيدة المنتجة بالمغرب والأكثر تمركزا من الوزارة».

واقع المسرح شاهد

وأجمل الريحاني قائلا إن «المهرجان ليس بوسعه النهوض بأي شيء في ظل مستواه الفني المتدني، فباستثناء تجربتين على أبعد تقدير، تظل باقي العروض المسرحية المشاركة في المهرجان مجرد تأثيث للمشهد. هذا يحصل في كل دورة، بل وفي كل مهرجان مسرحي ينظم بأي بلد عربي. الجميع يتحدث عن هزالة العروض المقدمة بالمهرجانات العربية مع بعض الاستثناءات القليلة جدا. حتى أن الرائد الفاضل الجعايبي صرح منذ سنتين بأن المهرجانات المسرحية صارت مجرد مواسم يتبادل فيها المسرحيون الجهل فيما بينهم. حكم قاس، ولكن المخرجات واضحة للعيان، وواقع المسرح شاهد».
ويضيف المتحدث «الكل ضد المسرح في تطوان بالذات، وفي غيرها من المدن البعيدة عن المركز، ولو في وجود إرادة ملكية سامية جعلت من ترميم المسرح الوطني المصلى بها أولوية قصد مصالحة الحمامة البيضاء مع تاريخها الثقافي العريق».
وشدد على أنه لولا إرادة العاهل المغربي محمد السادس «لما أنقذ مسرح المصلى ولما شيد مسرح لالة عائشة بالمضيق واليوم ننتظر المسرح الكبير بمرتيل، أما الفاعلون السياسيون والمنتخبون فدون هذا الطموح الملكي ويفتقدون لأي تصور حقيقي لتنزيل التوجيهات الملكية السامية بخصوص التنمية الثقافية».
وعن مزاوجة الإبداع بالبحث الأكاديمي التي يقال إنها تغني صاحبها، قال يوسف الريحاني، إن «هناك نوعين من المخرجين، واحد يعمل فقط من أجل كسب قوته، فيضع نفسه تحت الطلب. وهناك مخرج لا يشتغل إلا وفق رؤية وتصور مفاهيمي واضحين».
وبالنسبة للمتحدث، فإن «النموذج الأول يحقق الانتشار السريع لأنه دائم الحضور بالمواسم والمهرجانات وحتى في الإعلام والوسائط الجديدة، فيما يتوارى الثاني إلى الظل وقد يحتاج إلى عقود حتى يتم الانتباه إليه».
ويؤكد الريحاني أن الرؤية التي ينطلق منها، «هي أن الفن كان مسرحا أو شعرا أو تشكيلا أو سينما هو في النهاية إنتاج صور، ولكن ما هي الصورة، ليست بالتأكيد هي المرئي، لأن ما نراه يكون مجرد منظر أو بورتريه، وليس هو الصورة، هذه الأخيرة التي تقع ما وراء المرئي، ولا يمكن إدراكها بمجرد النظر المادي».
وأشار الفنان إلى أنه «حاليا أبحث في العلاقة بين المسرح والسينما بتوظيف الشاشات والكاميرات الحية، ولكنني أدرك بأن كل ذلك مجرد ممر نحو فراغ مطلق، وعتمة كاسحة ستفسح المجال لذهن المتفرج دون أن تقتصر على مخاطبة عينه فقط. بالعين نرى، ولكن بالعقل فقط نبصر كنه الأشياء وجوهرها».
ويقول جازما إن «المستقبل بالتأكيد هو للامرئيات، أما المرئيات هي إلى أفول» مستشهدا بما يؤكده علماء «الميديا» من كون «الهاتف الخلوي المستقبلي سيكون بلا شاشات، هذه حقيقة وهم يعملون على تصميمه الآن، وعندما سيشيع بيننا، آنذاك، سندرك عصر البصر الحقيقي، بعدما أصابنا العماء من فرط وليس من ندرة ما نراه» وفي اعتقاده فإن «هذا هو دور الفنون، السمو بالروح والإسهام في الإصلاح الروحي للمجتمعات. لولا الفن لما تعقلنت أوروبا ولما عرفت المسيحية الإصلاح العميق الذي أفضى إلى الغرب الديمقراطي كما نعرفه اليوم».
الجدير بالذكر أن الدراماتورج والفنان البصري المغربي يوسف الريحاني حاصل على الدكتوراه في المسرح سنة 2003 من جامعة سيدي محمد بن عبد الله، تحت إشراف عميد المسرح المغربي الدكتور حسن المنيعي، وعلى دبلوم الإخراج المسرحي درجة أولى من المعهد الأندلسي للمسرح بإشبيلية سنة 1999. عمل مديرا للدروس بالمعهد الوطني للفنون الجميلة، وأخرج العديد من الأعمال المسرحية التي قدمت بالمغرب والجزائر ومصر والإمارات وإيطاليا وفرنسا وإسبانيا. حاز على الإقامة الفنية لقصر لافيني بجنيف سنة 2009 وعلى إقامة الفنانين العالمية ليدج هاوس بنيويورك سنة 2011. وحاز على جائزة الإبداع المسرحي لدائرة الثقافة بحكومة الشارقة سنة 2006 وعلى جائزة محمد تيمور لأحسن مسرحية عربية التي تمنحها وزارة الثقافة المصرية سنة 2008. جرى الاحتفاء به في آذار/مارس 2013 بأيام الشارقة المسرحية، عندما استضافته لتقديم تجربته في الأداء البصري، من خلال عمله «جزء خارج 1».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب