الصحافه

أولمرت محذراً: “لاهاي” تنتظر جرائم إسرائيل في الضفة الغربية

 أولمرت محذراً: “لاهاي” تنتظر جرائم إسرائيل في الضفة الغربية

عندما أسمع بين حين وآخر أبناء عائلات القتلى والمخطوفين، بعضهم وليس جميعهم، يتفطر قلبي وتتحطم مشاعر الوحدة. كثير منهم لا يريدون صفقة التبادل. أبناؤهم في الأسر وكل يوم قد يدفعون حياتهم ثمناً لذلك. مصيرهم غير معروف وسلامتهم العقلية وحصانتهم النفسية تقف في الاختبار في ظروف قاسية، لكنهم يعتقدون أن الحاجة إلى النصر المطلق وتدمير حماس وتدمير غزة، من خلال الموت المؤكد لكثير من المخطوفين، وبالضرورة موت فلسطينيين ليست لهم علاقة بإرهاب حماس، تقف على رأس سلم الأولويات. مع هذه المقاربة لا أشعر بالوحدة.

لا أحد منهم يقول ذلك بصراحة. ولكن يتولد لدي انطباع بأن أبناء الجمهور المؤمن والاستيطاني الذي يسعى إلى توطين غزة وجنوب لبنان والذي قد يستوعب خطر قتل الأبناء وهم يصممون بشكل مثير للإعجاب، لكن أيضاً مثير للقشعريرة، على استمرار القتال والنصر المطلق، لا يوجد ولن تكون لديهم أي صعوبة في تفهم إحراق قرى فلسطينية وممتلكات لفلسطينيين أبرياء.

كثيرون منهم يبررون استمرار الحرب في غزة ويطلبون توسيع القتال في الشمال كي يتمكنوا من مواصلة عملية التدمير والهدم في الضفة الغربية. كل ذلك لتجسيد الحلم الكبير الذي يتمثل في تحرير أرض البلاد وطرد الفلسطينيين قبل ضم كل المناطق، وجعل إسرائيل دولة أبرتهايد ومنبوذة ويقاطعها كل العالم.

هذا هو حلم آلاف المستوطنين، الشباب الذين يسمون “شبيبة التلال” وغيرهم كثيرون يؤيدونهم ويغطون عليهم ويخفونهم. كثير من الزعماء المحليين في “يهودا والسامرة” يدفعون ضريبة كلامية ويدعون الورع. هم ينفون البيانات التي تنشرها وسائل الإعلام التي تجري تحقيقات موثوقة (رونين بيرغمان وطاقم “نيويورك تايمز”) ومؤسسات الأمم المتحدة ووزارة الخارجية الأمريكية ومجلس الأمن القومي الأمريكي. “ليس كما يصرخون”، يقولون. “هذا مبالغ فيه”، “لا أساس لهذه الاتهامات”.

هناك أساس، ويستند إلى أقوال قائد المنطقة الوسطى المعتزل يهودا فوكس، المقاتل الشجاع والقائد الذي يثير الإعجاب، عندما يتحدث بصراحة وانفتاح عما شاهده في المناطق المحتلة على أيدينا. هو لا يهذي ولا يخترع أي شيء. وهو شاهد، وجنوده شاهدوا، وهذا تشهد عليه كل التقارير عن المستوطنين بأنهم يهاجمون ويسلبون ويدمرون ويخربون ويحرقون ويقتلون أبرياء وأيضاً يهاجمون جنود الجيش الإسرائيلي غير المستعدين للتعاون معهم في جرائمهم.

على الأغلب، يحضر أعمال الشغب في هذه الأماكن مقاتلون من حرس الحدود. أعرف الكثير من قادتهم في الماضي والحاضر. هم من الأكثر شجاعة وتصميماً وجرأة من بين جنود الجيش الإسرائيلي. ولكن لا يمكن طمس حقيقة أن الكثيرين منهم يغضون النظر، وأحياناً يغمضون عين واحدة وأحياناً الاثنتين عندما تحدث بجانبهم أعمال إجرامية لمشاغبين يهود، كم هو عدد المشاغبين من بينهم الذين تم اعتقالهم، كم عدد الذين يحاكَمون، كم عدد من تمت محاكمتهم على أفعالهم؟ عدد قليل. من شبه المؤكد أنه أقل من عدد المتظاهرين الذين رموا على الأرض وضربوا وأهينوا على يد رجال شرطة بن غفير.

كل ذلك ما كان ليحدث بدون إلهام ودعم وتأييد لهم من قبل الجهات العليا في الدولة. في المكان الأول الوزير بن غفير، وزير “التيك توك”، الذي يسيطر على الحكومة كأزعر عنيف، ومعه سموتريتش وزير شؤون المناطق في وزارة الدفاع. كلاهما يؤيدان توطين القطاع وجنوب لبنان بالمستوطنين اليهود. في المستقبل القريب، سيعثر أحد حكماء الشريعة اليهودية في الكتب المقدسة القديمة على آية أو آيتين تثبت بأن جنوب لبنان هو من الأزل جزء من الوطن المقدس والتاريخي لنا؛ من هنا وحتى حركة مستوطنين جماهيرية برئاسة دانييلا فايس، تبدو المسافة قصيرة.

من أجل هذا الهدف الخيالي، فإنهم يدفعون قدماً بحرب شاملة في الشمال، زائدة ولا مبرر لها. بدلاً من ذلك، يجب التوصل إلى اتفاق مع حكومة لبنان والموافقة على تعديل معين على الحدود، لا يمس أي ثروة تاريخية لليهود، ولا يوجد فيه أي خطر أمني على إسرائيل، والتوصل إلى انسحاب قوات حزب الله بعشرات الكيلومترات عن الحدود، حتى نهر الليطاني، كما نفذنا ذلك بالفعل بعد حرب لبنان الثانية. الأساس أنه يجب إعادة سكان الشمال إلى بيوتهم وإعمار بلداتهم. هذه الحكومة تريد حرباً في الشمال من أجل الحلم الكبير – حرب الجميع ضد الجميع، الهدم المتبادل، وطرد الفلسطينيين والعرب، وضم المناطق لدولة إسرائيل.

مع الأخذ في الحسبان لكل هذه الأمور، أنا أحذر رئيس الحكومة نتنياهو باقتراب اليوم الذي سيتم فيه إصدار أوامر اعتقال ضدك بسبب الجرائم التي يتم تنفيذها كل يوم في مناطق “يهودا والسامرة” على يد دولة إسرائيل بدعم من الحكومة، وغض النظر المتعمد من ناحيتك. يمكننا الدفاع عن الأحداث في غزة، لأنه يمكن الادعاء بأنها ليست نتيجة سياسة أو تعليمات أو نية لدولة إسرائيل. في أسوأ الحالات، معروف للجميع أنك لا تدير وبحق أو تقود. أنت في نهاية الأمر غير مسؤول عن أي شيء.

لكن هذه الادعاءات لن تساعدك فيما يحدث في “يهودا والسامرة”. هنا يتم كل يوم ارتكاب الجرائم، ليس على يد الجنود أو ضد الجنود، بل على يد مشاغبين من مواطني إسرائيل، الذين يكرهون العرب، بنية واضحة لطردهم من بيوتهم وقراهم التي عاشوا فيها طوال حياتهم. كرئيس حكومة، أنت تعرف عن كل هذه الأحداث، وإذا فضلت التجاهل، فلا يمكنك نفي أنك سمعت تحذيرات قائد المنطقة الوسطى وتحذيرات قادة آخرين في الجيش. لقد تحدثت مع بعضهم، وهم يخجلون من حدوث هذه الأمور تحدث في مناطق هي تحت سيطرتنا.

عندما توجه إليك هذه الاتهامات، يا رئيس الحكومة، فلن تجد شخصاً لديه ضمير، عندنا أو في الساحة الدولية المتعاطفة معنا، يمكنه الدفاع عنك.

أحذر أيضاً وزير الدفاع، غالانت، بأنه سيكون من الذين سيتسلمون أوامر الاعتقال. فهو المسؤول عن الأمن، ويمكنه العمل والنضال ضد سياسة رئيس الحكومة وسياسة سموتريتش الفاشلة، المسؤول في وزارة الدفاع عن المناطق. غالنت يفضل إدمان استمرار الحرب في غزة والتحذيرات والتهديدات لحزب الله، ويغمض عينيه عن رؤية ما يحدث في المناطق التي هو مسؤول عنها.

أنا أحذر بن غفير، وزير التهديد والتحريض وتشجيع “شبيبة التلال”، بأن أوامر الاعتقال لن تقفز عنه. في الحقيقة إزاء التحريض والبلطجة التي تستخدمها ضد قادة الجيش ورئيس الأركان على رأسهم، ورئيس “الشاباك” ومقاتلي الموساد. كان من الجدير إصدار أوامر اعتقال ضدك من قبل المستشارة القانونية في إسرائيل، لكن حتى لو لم تفعل ذلك، فإن أوامر الاعتقال ستصل من محكمة الجنايات الدولية إزاء مسؤوليتك الشخصية، التي تتفاخر بها.

أحذر سموتريتش الذي يعمل على إطالة الحرب ووقف المفاوضات لعقد صفقة التبادل للمخطوفين، والذي يشجع الاستيطان في قطاع غزة ويعطي الإلهام لـ “شبيبة التلال” ويؤيد توطين اليهود في جنوب لبنان ويؤيد الحرب الشاملة في الشمال، التي نتائجها المتوقعة ستكون التدمير وموت آلاف المواطنين في الطرفين. سيتم إصدار أوامر اعتقال ضدك.

أحذر قادة الشرطة وحرس الحدود والجيش. وأنتم لن تتمكنوا من التملص من المسؤولية عن الجرائم التي ترتكب ضد الفلسطينيين في “المناطق” [الضفة الغربية]. أوامر اعتقال ستصدر أيضاً ضدكم، ولن يكون لديكم أي رد حقيقي.

أوامر الاعتقال في الواقع ستصدر ضد رئيس الحكومة، وزعماء، ووزراء وقادة، بشكل شخصي، لكن من ستمثل للمحاكمة في نهاية المطاف هي دولة إسرائيل. كل ذلك في الوقت الذي تريد فيه دولة إسرائيل وقف القتال وإعادة جميع المخطوفين والانسحاب من قطاع غزة وإدخال قوة دولية، عربية أو أوروبية، ستحمي إنجازات الحرب وتمنع ترميم وعودة حماس إلى قيادة القطاع. والتي تريد أيضاً إجراء المفاوضات مع الفلسطينيين حول اتفاق سلام، وإقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح كجزء من اتفاق إقليمي يؤدي إلى خلق محور ثابت، قوي وموثوق، ستكون إسرائيل وفلسطين ومصر والأردن والبحرين والإمارات والسعودية والولايات المتحدة هي أساسه والعمود الفقري للأمن الإقليمي ضد إيران.

أنا أحذر من أنه إذا واصلنا التسليم بالجرائم ضد الفلسطينيين في “يهودا والسامرة” فستفرض عقوبات خطيرة ومؤلمة ضد إسرائيل، وحتى الدفاع الجيد لن يساعدنا في هذه الحالة.

بقلم: إيهود أولمرت

هآرتس 12/7/2024

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب