الصحافه

مع إدراك بايدن أن “الحل يبدأ من غزة”.. نتنياهو بغطرسة: والحرب كذلك

مع إدراك بايدن أن “الحل يبدأ من غزة”.. نتنياهو بغطرسة: والحرب كذلك

ألون بنكاس

التدخل الأمريكي الكثيف في المفاوضات حول صفقة التبادل ووقف إطلاق النار في غزة لا يحدث لوجه الله، وهو غير نابع من حب بايدن لإسرائيل وقلقه الصادق على أمنها، وخوفه من التوجه الخطير -حسب رأيه- الذي يجر إسرائيل إليه. هذه اعتبارات حقيقية ولكنها ثانوية. الاعتبار الأهم هو الخوف من أن يلحق رئيس الحكومة ضرراً بالمصالح الأمريكية الحيوية. رفض نتنياهو مناقشة اليوم التالي في غزة وكل المنطقة، وتولد انطباع أنه يريد إطالة الحرب بدون أي هدف أو أي حاجة، وتضليل الإدارة الأمريكية، كل ذلك جعل واشنطن تفقد الصبر والتسامح. الولايات المتحدة، المصابة والتي تم خداعها الآن، ليست مشاركة فحسب، بل باتت مهددة أيضاً. إذا لم يتم التوصل إلى الاتفاق واقتنعت الإدارة بأن نتنياهو هو المسؤول، فربما يفكر الرئيس الأمريكي في إلقاء خطاب علني يشير فيه إلى نتنياهو على اعتبار أنه مذنب. ولتعزيز حجته، قد يقتبس أقوال غالنت ودادي برنياع وأعضاء آخرين في طاقم التفاوض، الذين تعرف الإدارة الأمريكية مواقفهم جيدا.

سياسة أمريكا هي نتيجة اندماج عدة مصالح، بدرجات حيوية وإلحاحية متغيرة، على رأسها الحاجة إلى منع التصعيد الإقليمي. فمنذ تشرين الثاني وحتى كانون الأول 2023، لا سيما في الأشهر الأخيرة، تعتبر الولايات المتحدة -خلافاً لإسرائيل- غزة ولبنان منظومة للأواني المستطرقة. فإنهاء الحرب في غزة هو مفتاح منع التصعيد بين إسرائيل وحزب الله، ومنع التصعيد بين إسرائيل وحزب الله هو مفتاح منع التصعيد بين إيران وإسرائيل. من هنا، فإن وقف إطلاق النار سيمنع انجرار الولايات المتحدة إلى منطقة الشرق الأوسط – مواجهة لا رغبة في الغرق فيها، أو رأس مال سياسي لإنفاقه عليها أو أي فائدة قد تحصل عليها منها.

مصلحة أمريكا الفورية هي التوصل إلى إنهاء الحرب. نقطة. وطريقة ذلك بصفقة تشمل وقف إطلاق النار لمدة شهر ونصف، التي عرضها بايدن في نهاية أيار. الخطة إسرائيلية، كما قال. ولكن إسرائيل تراجعت عنها، واستمرت الولايات المتحدة في التمسك بها. أصبحت الحرب عبئاً يجبي ثمناً سياسياً من الرئيس ومن بلاده. من هنا، فإن مصلحة الإدارة الأمريكية السياسية هي التحرر من الأزمة التي تسبب فيها دعمه لإسرائيل، والتأكد من إتمام طمس القضية وإزاحتها بحيث لا تصبح عبئاً عليه – والآن على نائبته، كامالا هاريس، المرشحة للرئاسة في الانتخابات بعد 80 يوماً بالضبط.

مصلحة الولايات المتحدة الاستراتيجية كانت وما زالت بناء هيكل عظمي لتحالف إقليمي يشمل إسرائيل ومصر والأردن والسلطة الفلسطينية والسعودية وقطر والإمارات، كمحور مقابل “محور الفوضى والإرهاب” الذي مركزه إيران، والذي يشارك في عضويته حزب الله وحماس والحوثيون والمليشيات الشيعية في العراق، والمدعوم من روسيا. لبناء هذا المحور، مطلوب وقف إطلاق النار والالتزام بالعملية السياسية. بالنسبة للأمريكيين، هذه رزمة معيارية: عليكم البدء من نقطة معينة، وغزة هي الحل.

التدخل الأمريكي لا يقتصر على مشاركة رئيس الـ سي.آي.ايه النشطة في المفاوضات أو زيارة وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن. تمت مناقشة المساعدات الأمريكية لإسرائيل منذ 7 تشرين الأول بشكل موسع وبعمق، والمعطيات معروفة. هكذا تمت المصادقة على مساعدة طوارئ بمبلغ 14.3 مليار دولار، إضافة إلى الـ 800 مليون دولار التي حولتها وزارة الخارجية، من خلال تجاوز الكونغرس تحت عنوان “قرار طوارئ يتعلق بالأمن القومي الأمريكي”، لتمويل الذخيرة التي تحتاجها إسرائيل بشكل فوري. في تشرين الأول، زار البلاد جنرالات أمريكيون لفترات طويلة، قدموا نصائح استشارة لنظرائهم الإسرائيليين، ومنذ ذلك الحين، تجري زيارات مستمرة لوزير الدفاع لويد أوستن وقائد قيادة المنطقة الوسطى في الجيش الأمريكي الجنرال مايكل كوريلا.

وثمة بُعد آخر، دراماتيكي وغير مسبوق، في تدخل أمريكا فيما يحدث بالمنطقة في الأشهر العشرة للحرب: فقد
أرسلت الولايات المتحدة قوات إلى المنطقة ثلاث مرات، وفي إحداها شاركت بشكل ناجع في الدفاع عن إسرائيل. في تشرين الأول، بعد أربعة أيام على هجوم وحماس وبعد يوم على الخطاب الذي ألقاه بايدن وحذر فيه إيران وحزب الله من التصعيد، أرسلت الولايات المتحدة حاملات طائرات وقوة اقتحام كبيرة من المارينز إلى البحر المتوسط والخليج الفارسي؛ في نيسان، بعد أن اغتالت إسرائيل رجال حرس الثورة قرب السفارة الإيرانية في دمشق، كثفت الولايات المتحدة القوات في الخليج الفارسي وخليج عدن، واعترضت معظم الـ 330 صاروخاً ومسيرة التي أطلقتها إيران والحوثيون نحو إسرائيل. في تموز، بعد اغتيال رئيس أركان حزب الله، فؤاد شكر، في بيروت، واغتيال رئيس المكتب السياسي لحماس إسماعيل هنية في طهران، أرسلت الولايات المتحدة مرة أخرى قوة مهمات تشمل حاملة طائرات وطائرات اف 22 المتملصة، ومرة أخرى حذرت إيران من التصعيد. هذا الأمر لم يحدث يوماً ما، رغم أن إسرائيل والولايات المتحدة تعتبران حليفتين منذ ثمانينيات القرن الماضي.

هذا البُعد يسلط الضوء على التناقض في العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل، التي تميل إلى الغطرسة والجشع وجنون العظمة. كلما شبهت إسرائيل نفسها بقوة عظمى زاد اعتمادها على الولايات المتحدة، سياسياً وعسكرياً واستراتيجياً. التدخل الزائد للولايات المتحدة في الأشهر الأخيرة في إدارة الحرب في رفح، وبشكل خاص في المفاوضات حول صفقة تحرير المخطوفين ووقف إطلاق النار، هو جزء من ذلك. قد يتبجح نتنياهو حتى النهاية بالقدرة على الصمود أمام بايدن، ويمكنه حتى الوصول إلى المريخ بكذبه أنه رئيس الحكومة الوحيد الذي صمد بشموخ أمام رئيس أمريكي، وربما أيضاً تضليل جمهور مؤيديه والمعجبين به، لكنه يعرف جيداً ما هو عمق ونطاق الاعتماد على الولايات المتحدة في مجلس الأمن وأمام العالم وتزويد إسرائيل بالسلاح الدقيق وصفقات طائرات اف 35 واف 15، هذا أيضاً إذا لم يرغب في وقف إطلاق النار. وحسب الإدارة الأمريكية، فإنه غير مهتم على الإطلاق بأي عملية تؤدي إلى إنهاء الحرب بالفعل. وإذا لم تتحقق الصفقة وإذا لم يقتنع بايدن بأن نتنياهو هو المسؤول فإن العالم سيسمع بذلك.

 هآرتس 18/8/2024

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب