هل باتت العمليات “الانتحارية” خيار حماس الوحيد رداً على قتل المدنيين في غزة؟

هل باتت العمليات “الانتحارية” خيار حماس الوحيد رداً على قتل المدنيين في غزة؟
المشاهد القادمة من تل أبيب، مع إعلان حماس و”الجهاد الإسلامي” مسؤوليتهما عن محاولة تنفيذ العملية، أعادت مشاعر كادت تنسى، وهي الخوف من العمليات الانتحارية في مركز الدولة، وسيناريو الرعب الذي طغى في التسعينيات وفترة الانتفاضة الثانية. ورغم فشل محاولة تنفيذ هذه العملية، فالقضية لم تختف. والسؤال المطروح الآن هو: هل يوجد لهذه التنظيمات قدرة عملياتية على إعادة العمليات الانتحارية إلى مركز الصدارة؟.
هذا السؤال يتم التأكيد عليه إزاء الوضع القائم في الضفة الغربية التي تزداد فيها نسبة الغضب والإحباط، وإزاء تعاظم نشاطات الجيش الإسرائيلي في المدن والقرى الفلسطينية وأعمال التنكيل التي يقوم بها المستوطنون ضد السكان هناك. هذا الدمج لا يسبب إلا فقدان الأمل والمشاعر التي تخلق أرضاً خصبة لتجنيد الانتحاريين.
توقيت محاولة العملية مهم أيضاً، خصوصاً عندما يكون ذلك في ذروة عملية دبلوماسية وسياسية واسعة في محاولة للتوصل إلى إنهاء الحرب في القطاع؛ بالضبط في الفترة بين المحادثات في الدوحة والمحادثات في القاهرة وقبل لحظة من هبوط وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، في إسرائيل.
ماذا كان سيحدث لو تم تنفيذ هذه العملية الانتحارية حسب ما هو مخطط لها؟ كيف كانت حكومة إسرائيل الحالية سترد؟ كيف كانت ستؤثر على المفاوضات حول صفقة التبادل؟ لحسن الحظ أنه لا توجد حاجة للإجابة عن هذه الأسئلة الآن، لكن من غير المؤكد أنها ستختفي تماماً. حسب وجهة نظر الفلسطينيين، وبالأساس حماس والجهاد الإسلامي، الرسالة واضحة تماماً: المماطلة في المفاوضات وإفشال فرص عقد الصفقة على يد رئيس الحكومة نتنياهو، لن يمر مرور الكرام. سيتغير الصراع ويتصاعد، إذا لم يكن في القطاع، فسيكون داخل إسرائيل، وستكون العمليات الانتحارية هي الخيار.
المماطلة في المفاوضات وإفشال فرص عقد الصفقة على يد نتنياهو، لن يمر مرور الكرام. سيتغير الصراع ويتصاعد، إذا لم يكن في قطاع غزة، فسيكون داخل إسرائيل، وستكون العمليات الانتحارية هي الخيار
بمعنى ما، يعتبر هذا وحدة ساحات من نوع آخر. ما يحدث في قطاع غزة يؤثر على الضفة، وما يشعر به الفلسطينيون في الضفة يؤثر على المدن الكبيرة في إسرائيل.
التوقيت مهم أيضاً، بمعنى آخر؛ حماس لا ترى أن الحديث يدور فقط عما يحدث في الفترة الأخيرة، بل أيضاً عما لا يحدث. الضغط الدولي الخفيف لا يغير أي شيء (وضغط العالم العربي أيضاً). لقد يئسوا من الأمم المتحدة، ولا يعلقون الكثير من الآمال على المحكمة الدولية. وبشكل عام، أصبحت غزة مدمرة وغير قابلة للحياة فيها. عملياً، بقي للسنوار ورقتان رئيسيتان، نوع من العصا والجزرة: المخطوفون، الذين يقتضي إطلاق سراحهم لتحرير سجناء ووقف الحرب وانسحاب قوات الجيش الإسرائيلي؛ في المقابل، حرب عصابات ومحاولة إشعال الضفة وعمليات ثأر داخل إسرائيل.
تنظر حماس إلى الصيغ الكثيرة المتغيرة لاقتراحات الوسطاء، ويرون فيها شركاً تتغير تعريفاته: وقف تدريجي لإطلاق النار، مؤقت، خيار العودة إلى القتال بعد انتهاء المرحلة الأولى، كل ذلك لا ترى فيه حماس إلا معنى واحداً، وهو أن الولايات المتحدة تتبنى موقف إسرائيل، الذي لا يوجد في أساسه التزام بوقف الحرب والانسحاب الكامل، إلى جانب فرض الفيتو على 100 اسم من السجناء “الكبار”.
في الأيام الأخيرة، اهتمت حماس بتسريب الاقتراح الأمريكي، الذي درة تاجه تأجيل النقاش في إنهاء الحرب بعد انتهاء المرحلة الأولى من الصفقة. هذا إضافة إلى غياب تعهد واضح بالانسحاب من محور فيلادلفيا وتطبيق آلية رقابة في محور نتساريم؛ ومطالبة إسرائيل أيضاً بطرد وإبعاد عشرات السجناء وحتى فرض الفيتو على إطلاق سراح آخرين.
تلاحظ حماس أن واشنطن ترى في هذه الصفقة عملية تهدئة حتى الانتخابات وإنهاء قضية تحرير المخطوفين المدنيين، مثل كبار السن والنساء والأطفال وربما عدد من المجندات (مقابل عدد محدود من السجناء الفلسطينيين). والمرحلة الثانية، كما تعتقد حماس، أقل أهمية بالنسبة للولايات المتحدة. أما إسرائيل فتعتقد أن المرحلة الثانية ستكون أقل أهمية إزاء الجنود المخطوفين والجثث، ولكن في غزة على قناعة بأن هؤلاء يعتبرون جزءاً من ثمن المعركة بالنسبة لإسرائيل. لذلك، فحرب حماس الحقيقية هي على المرحلة الأولى، والتوقع بأن تكون الأخيرة أيضاً. وإلا فليس لديهم ما يخسرونه، ولتمت أنفسهم مع الفلسطينيين والمخطوفين.
جاكي خوري
هآرتس 20/8/2024