تحقيقات وتقارير

غزة وموجات النزوح القسري: نازحون يستضيفون آخرين في الخيام ومراكز الإيواء تفيض بالسكان

غزة وموجات النزوح القسري: نازحون يستضيفون آخرين في الخيام ومراكز الإيواء تفيض بالسكان

غزه/ أشرف الهور

لم يعد سكان قطاع غزة قادرين على التأقلم مع ظروف الحياة الصعبة التي يعيشونها في هذه الأوقات، فأوامر الإخلاء القسري الكبيرة والمتلاحقة التي أصدرها جيش الاحتلال، لم تؤثر على المناطق المهددة فقط، بقدر ما أثرت على العيش فيما تبقى من مساحة ضيقة تقدر بنحو 10% من إجمالي مساحة القطاع، والتي يتكدس فيها 2.3 مليون مواطن.

ظروف حياة معقدة

وفي هذا الوقت بعد صدور جملة أوامر عسكرية من جيش الاحتلال، لإخلاء مناطق وأحياء واسعة من قطاع غزة، في مشهد لم يحصل منذ بداية الحرب، باتت ظروف الحياة غاية في التعقيد، ليس فقط أمام النازحين الذين تركوا مناطق سكنهم قسرا، بسبب الهجمات البرية والقصف المدفعي والجوي، بل حتى للسكان السابقين لمناطق النزوح، فجميعهم يتشارك في هم البحث عن الطعام والشراب، في ظل عدم شعور الفريقين بأي نوع من الأمان، برغم الزعم الإسرائيلي بأنهم يقطنون في “مناطق إنسانية”، وهو أمر أكدته الأمم المتحدة، بعد تكرر استهدافات جيش الاحتلال الدامية لهذه الأماكن.

ويقول منسق الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية في الأرض الفلسطينية المحتلة، مهند هادي، إن هذا الشهر شهد إصدار أوامر إخلاء في قطاع غزة بمعدل أمر إخلاء واحد كل يومين مما أجبر ما يصل إلى ربع مليون فلسطيني على النزوح من ديارهم مرة أخرى.

لا أماكن في مراكز الإيواء

وتقول النازحة سمر حسونة المقيمة في أحد “مراكز الإيواء” في مخيم النصيرات، إنها لم تتمكن من إيجاد مكان في الغرفة الصفية التي تقيم فيها مع أسرتها وعدد من الأسر النازحة، لأسرة شقيقتها التي كانت تقيم في أحد أحياء مدينة دير البلح، التي هددت مؤخرا بالنزوح.

وأشارت خلال حديثها لـ “القدس العربي” إلى أن أعداد النازحين زادت بشكل لم يكن معهودا منذ بداية الحرب في مخيم النصيرات، لافتة إلى أنها وأسرتها نزحت بعد 10 أيام من الحرب، ونزحت قبل الاستقرار في “مركز الإيواء”، ست مرات، وتخشى أن يتكرر الأمر من جديد، وقد أوضحت أن أسرة شقيقتها اضطرت بصعوبة لوضع خيمتها في مكان جديد افتتح للنازحين في أرض زراعية صغيرة الحجم توقف زرعها بسبب الحرب، وتقول إن أسرة شقيقتها اضطرت للنزوح منذ بدء الحرب 11 مرة.

وفي مناطق النزوح الجديدة، يصعب الحصول على مكان لنصب خيام للنازحين، فمناطق النزوح خاصة في وسط وجنوب القطاع، كانت تعج بالنازحين قبل أوامر الإخلاء الجديدة، حيث يقيم فيها إلى جانب سكانها، سكان مدينة رفح التي تتعرض منذ ثلاثة أشهر ونصف، لتوغل بري كبير، ومن مناطق أخرى في خان يونس دمرت خلال الاجتياح البري الذي بدأ في بدايات ديسمبر من العام الماضي، واستمر لأربعة أشهر، ومن مناطق أخرى في شرق المنطقة الوسطى للقطاع، وبالأعداد الكبيرة من النازحين الذين تركوا مناطق شمال القطاع، بأوامر عسكرية أصدرها جيش الاحتلال في الأسبوع الأول للحرب.

النازحون يستضيفون النازحين

وبسبب قلة أماكن الإقامة في مناطق النزوح، لا يزال عدد كبير من النازحين يقيمون في العراء، أو مكدسين عند أقارب لهم، أو مستضافين في خيام النزوح، عند عوائل عطفت على وضعهم، فشاركتهم السكن في خيمة صغيرة، حتى لا تبيت النساء والأطفال في الشارع.

ويقول محمد إبراهيم، لـ “القدس العربي” إن أسرته النازحة، استضافت في خيمتها غرب مدينة خانؤيونس، لعدة أيام إحدى الأسر النازحة من شرق خان يونس، حتى تدبرت بصعوبة مكانا مجاورا، ثبتت فيه قطعا من الخشب بمساعدة المتواجدين في المكان، وأحاطته بقطع من القماش.

ورغم المعاناة في إيجاد مكان السكن الجديد للنازحين، بحثا عن الأمن، بعد إجبارهم على ترك منازلهم، إلا أن مناطق النزوح الجديدة لم تسلم من الغارات والهجمات الإسرائيلية، والتي أوقعت مؤخرا عشرات الضحايا في صفوف الفارين من مناطق العمليات البرية.

وليس إيجاد مكان للنزوح، هو ما يؤرق السكان، بل أيضا إيجاد الطعام والماء، واللذين يعدان حاليا معضلة كبيرة، حيث يؤكد عبد الله قديح النازح من شرق خان يونس، ويقيم في منطقة “مواصي” خان يونس، انه وصل إلى هذا المكان في اليوم الثاني لصدور أوامر إخلاء منطقته، على أمل أن يتدبر أموره في نقل بعض الأمتعة والملابس والأغطية، غير أن القصف الجوي العنيف في محيط سكنه، أجبره على الخروج بدون القدر على حمل صندوقين من الطعام المعلب وبعض الأرز وكيس دقيق، ويضيف وهو يتحدث عن المأساة التي تشبه مأساة النازحين جميعا وسكان تلك المناطق الذين أنهكتهم الحرب، “من يوم ما وصلنا ما استلمنا ولا مساعدة”، وكان يقصد المساعدات الغذائية.

قلة الطعام

ويشير هذا الرجل إلى أنه يدفع يوميا بشبان أسرته للتزاحم في طابور طويل أمام “تكية” طعام، توزع القليل من الأرز أو المعكرونة، ويقول “هذا الأكل بالكاد يسد الجوع”، لافتا إلى أن ارتفاع أثمان الخضار والبقوليات، يحول دون قدرته والأسر النازحة وغير النازحة على شراء هذه البضائع إلا بكميات قليلة جدا.

وفي تلك المنطقة التي كانت قبل الحرب عبارة عن حقول زراعية، كانت الطفلة رهف ابنة العشر سنوات عائدة إلى منزلها ظهرا، وعلى وجهها ابتسامة رغم أن العرق يغطي وجهها، لحصولها على مقدار جيد من المعكرونة المطبوخة، من إحدى “تكايا” الطعام التي تواجه حاليا ضغطا متزايدا بسبب تكدس النازحين، وقد عبرت عن ذلك بكلمات كشفت عن حجم المأساة ونقص الطعام “اليوم الغدا كويس (الغذاء جيد)”.

طلب الطعام من الجيران

وبسبب قلة امدادات الطعام، وعدم توزيع المؤسسات الدولية الطرود الغذائية بالشكل المطلوب، اضطرت الكثير من العوائل النازحة للطلب من جيرانها في أماكن السكن الجديدة المساعدة في اطعام أطفالها الجوعى.

وأكد أحد المواطنين الذين نزحوا إلى المناطق الغربية لوسط قطاع غزة، من مكان سكنه شرق دير البلح، لـ”القدس العربي”، أن أطفاله جاعوا مرات عدة، وأنهم أبلغوه بعدم قدرتهم على تحمل الجوع، ولم يشأ هذا الرجل الحديث مطولا ولا ذكر اسمه، حيث كان يعمل في إحدى المهن الحرفية قبل الحرب، وتوقف عمله كليا قبل عدة أشهر، ويشير إلى أنه اضطر مجبرا تحت ضغط الأطفال للطلب من جيران له في النزوح قليل من الطعام، ويضيف “كان الإشي (الأمر) مؤلم”، واشتكي كغيره من عدم حصوله على أي مساعدة منذ النزوح، لافتا إلى أن تدبير أمور الأسرة بعد خروجها من منزلها إلى مناطق النزوح يحتاج أشياء كثيرة، أولها موقد نار لتجهيز الطعام إن وجد، وتحضير الخبز، علاوة عن بناء الخيمة.

وأصبح أحد هموم المواطنين النازحين وغيرهم من المقيمين، الحصول على جالون مياه صالح للشرب في هذا الوقت، خاصة وأن الكميات المتوفرة من محطات التحلية لا تكفي احتياجات السكان المتزايدة في تلك المناطق الضيقة.

وخلال مقابلة محمد أبو يوسف أحد سكان وسط القطاع مع “القدس العربي”، صرخ بصوت مرتفع وهو يشتكي ضيق الحال بسبب الحرب وقال “بدنا بس أمان فقط، ما بدنا اشي بدنا نعيش بدون صوت قصف وقتل”.

“القدس العربي”:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب