مقالات
*السياسة الامريكية تجاه الحرب المنسية تحول ظرفى ام نوعى؟ بقلم محمد الامين ابوزيد -السودان –
بقلم محمد الامين ابوزيد -السودان -
*السياسة الامريكية تجاه الحرب المنسية تحول ظرفى ام نوعى؟*
بقلم محمد الامين ابوزيد -السودان –
تتهم الولايات المتحدة الأمريكية فى سياستها الخارجية فى العالم الثالث منذ عقد السبعينات من القرن الماضي بأنها تنحاز الى الانظمة العسكرية الشمولية والعشائرية والملكية انطلاقا من نظرة أساسها المصالح فقط ،ولاتهتم برغبات الشعوب وتطلعاتها،هذه السياسة حدثت فيها تغيرات ليست جوهرية منذ عقد التسعينات بعد انهيار نظام القطبية الثنائية وبزوغ فجر الاحادية القطبية..
لم تحظى الحرب فى السودان باولوية فى السياسة الامريكية لاولويات اجندة اخرى تقدمت عليها هى حرب اوكرانيا روسيا وحرب غزة.
كانت اللقاءات التى عقدتها الولايات المتحدة الأمريكية مع طرفى الحرب فى السودان والتى توصلت الى اتفاق شامل حول الاجندة والزمان والمكان لمفاوضات جنيف بحسب المبعوث توم بريلو قد كشفت الكثير من الحقائق حول الحرب والجهات الداعمة لاستمرارها والاهداف السياسية التى فجرتها يظهر ذلك بوضوح من خلال تصريحات المبعوث الامريكى فى اكثر مناسبة،سنحاول فى هذا المقال تقصى هذه الافادات المهمة وتاثيرها على سير المفاوضات الجارية حاليا والاعتماد عليها فى تفريد القرارات المستقبلية.
*بواعث التحرك الامريكى*:
ان تحرك الولايات المتحدة الأمريكية للحرب المنسية فى السودان فى هذا الظرف مرتبط ببعد داخلى وخارجى
الداخلى يتمثل فى الضغط الداخلى المرتبط بالاستحقاق الرئاسى لدى حكومة بايدن والخارجى مرتبط بالحضور الروسى الايرانى فى المنطقة وتاثيراته على امن البحر الاحمر والتمدد الافريقى حول محيط السودان وقد عبر بريلو عن ذلك بقوله فى لقاء سعد الكابلى بقوله(الوضع على الارض صار مخيفا اذا امتد للدول المجاورة)..
وحول السياسة الامريكية تجاه حرب السودان قال:سياسة امريكا هى الوقوف مع الشعب السودانى الذى كان واضحاانه يود انهاء الحرب،ويبغى المساعدات الإنسانية توصل،والانتقال المدنى يرجع.هذا الحديث يلخص باختصار شديد مستهدفات السياسة الامريكية تجاه السودان.
وفى جانب اخر اكثر وضوحاً فى ابراز الهدف السياسى غير المعلن يواصل بريلو افاداته بقوله:سمعنا ان الناس لايريدون ان يروا تقاسم السلطة بان ياتى الدعم السريع للحكم او يرجع مسؤلين حزب المؤتمر الوطني.وفى جانب اكثر صرامة ووضوحاً يؤكد بان اى انتصار للدعم السريع مرفوض تماماً،الامور فى الفترة الأخيرة صارت تتجه اتجاه سلبى بهذا الخصوص.
ان هذا الاستنتاج يشير الى موقف الولايات المتحدة وتقييمها للاوضاع الميدانية العسكرية وخوفها من تقدم الدعم السريع ورفضها لانتصاره فى الحرب وهذا موقف يحسب لصالح تعزيز هيبة الجيش السودانى يجب ان يقابل ايجابا من طرف الجيش.
وفى اطار المزيد من تاكيد الموقف يضيف المبعوث:موقفنا دعم الشعب السودانى الذى عبر عنه فى 2019 عن التحكم بمستقبله فى الاستمرار فى نفس المسار الديمقراطى.
وحول عودة المؤتمر الوطني وتطلع الدعم السريع للحكم وفى قراءة لمعطيات نشوب الحرب وتصنيفها كصراع سلطوى بحت يقرر السيد توم:الشعب السودانى لايريد ان يرجع نظام المؤتمر الوطني ،ولايريد مستقبل فيه فيه قوات الدعم السريع معترف به كقوة سياسية.
*جنيف امتداد لجدة*:
يقول بريلو ان جنيف هى تطوير لعملية جدة. والالتزامات الموجبة لها والتأكيد على اهمية تطبيقها وفى هذا اجابة لاحد أسئلة الوفد الحكومى وتخوفاته فيجيب بريلو:الحديث عن اهمية تطبيق اعلان جدة ويشمل ذلك انتهاكات الدعم والجيش ،الدعم السريع يجب ان يخرج والقوات المسلحة تساعد فى توصيل الاغاثة.ويمضى فى نقطة اكثر وضوحا فى تحديد مطلوبات جدة وجنيف على السواء ،محددا اهداف امريكا فى نجاح المفاوضات فى وقف العنف فى كل البلاد وتوفير الغذاء والدواء وآلية للمراقبة والتنفيذ.وقال اننا فى سويسرا نحل المشكلةوالاطراف الدولية المشاركة هى الضامنة للاتفاق.
*الحل السياسى ام وقف العنف؟*
الذى لاجدال فيه أن الحرب قرار سياسى وتنشأ لاسباب عدة يشكل العامل السياسى فيها وضعا حاسماً،والحرب فى السودان ليست بمعزل عن الظرف السياسى فالاطراف التى اشعلت الحرب للوصول للسلطة متكئة على بندقية الجيش كانت طوال فترة ماقبل الحرب تعبئ الشارع وتهدد علنا باستخدام العنف،وهى ذات الجهات التى تعمل الان على تذكية نيرانها باستقلال الجهل والتضليل الاعلامى والاختباء حول شعارات دعم الجيش مثلما حدث فى فترات لاحقة عقبها الانقلاب فى 89 وهى ذات الجهات التى تعمل الان على استمرار الحرب وخداع الشعب على انها حرب الكرامة وضد عدو خارجى،وهى لاتخفى خوفها من مآلات العملية السياسية التى تعقب نهاية الحرب والتى لن يكون فيها مكان لداعمى الحرب او الذين قامت ثورة الشعب ضد سلطتهم وهنا يشير المبعوث الامريكى الى هؤلاء الناس بالقول:اعتقد فى ناس فى السودان حالياً يحاولون وضع الحلول السياسية قبل وقف العنف لانهم على علم انه ليس لديهم اى دعم شعبى من الشعب السودانى وهم يحاولون الوصول إلى السلطة من الباب الخلفى عن طريق استقلال السودانيين وهم فى اضعف حالاتهم.
وفى الحقيقة عندهم مصلحة فى إستمرار الحرب لكى يستفيدون من هذا العنف فى الوصول إلى السلطة السياسية واعتقد ان هذا الشئ لن يرضى عنه الشعب السودانى.
لقد سبق للجنرال البرهان ان اشار الى ذلك فى احدى لقاءاته عندما قال ان اى عملية سياسية يجب ان تكون المقاومة الشعبية طرفاً فيها وفى هذا ايماءة واضحة للاسلاميين فى بحث لهم عن دور فى المشهد السياسي القادم،وهذا واحد من الاهداف التى يعمل عليها التيار الاسلامى مستخدما الجيش فى الحرب العبثية التى اشعلوها كاخر الكروت.
لقد قطع المبعوث الامريكى القول فى هذا الجانب بقوله قولا صريحاً:ان العملية السياسية لايقررها المتحاربون ولا امريكا انما قيادة مدنية سودانية.وان مفاوضات وقف اطلاق النار بين الطرفين بقدراتهم العسكرية..
ان مفاوضات جنيف قد عرت الاسباب التى يتكئ عليها الجيش وحلفائه ووضعتهم وجها لوجه امام المجتمع الدولى كطرف غير حريص على تحقيق السلام وغير جدير اخلاقيا بتلمس معاناة شعب السودان والدمار الذي حل بالبلاد،وهذا الرفض اذا استمر سيترتب اوضاع لن تكون فى صالح الجيش لاسيما وان المفاوضات تحظى بقبول دولى واقليمى كبير وستسقط معه كل رهانات الداعمين لاستمرار الحرب.
ان هذا الفهم المتقدم لمايدور فى الساحة السياسية السودانية وتشخيص للحرب ودعاتها واهدافهم من منظار امريكى يرفع سقف التوقعات عالياً ومفتوحا لكل الاحتمالات …