
محنة أختيار أفضل الأوغاد
بقلم الدكتور ضرغام الدباغ
في الصحافة قد يطلب من محرري قسم من الأقسام، كقسم الرياضة مثلاً، أن يختاروا المنتخب الممتاز من 11 لاعب كرة قدم على مر تاريخ البلاد، أو أفضل عشرة سياسيين أو اقتصاديين أو حتى أفضل عشرة راقصين وراقصات ….!
مرة طلب مني صديق، وأيده عدد من الأصدقاء، أن أكتب عن أشهر عشرة خونة في التاريخ ومما لا يخطر ببال أي إنسان، أن يطلب منه اختيار أسوء 10 أوغاد في تاريخ العالم. وابتداء دعونا نحدد ونتفق من هو الوغد…؟ كنتا نتناقش كمجموعة أصدقاء …!
الوغد، هو من يخون صديقه الذي صدقه وأمن به، فيقابل المعروف بالإساءة على رأس القائمة
أم الوغد هو الذي يقتل بدم بارد ضحايا بريئة
أم الوغد هو من يزني بمحارمه ..؟
شيخ الأوغاد وكبيرهم دون أدنى ريب هو خائن الوطن ..!
هناك خيانات شهيرة في التاريخ، ذهبت مثلاً في الخيانة والوغدنة (إن جاز تصريف الكلمة هكذا ..!) ، فمثلاً خيانة القائد بروتوس لسيده القيصر يوليوس، الذي ذهل حين سدد إليه بروتس الطعنة القاتلة فقال له بدهشة ” حتى أنت يابروتوس / You too Prutus ..؟ ” أم خيانة يهوذا الذي أنقلب إخلاصه لخيانة بشعة حين خان السيد المسيح عليه السلام. وحين خان أحد قادة المافيا زعيم الأسرة (هكذا تسمى المنظمة في لغة المافيا الأسرة) وكشفت خيانته، قال لمولاه( لقد أحببتك دوماً، لا تحزن، فهذا عمل : business ).
ولكن كل هذه الأوصاف للخيانة تتراجع أمام وصف الخيانة هو : أن يلحق الفرد الأذى والعار الذي لا يمحو بأهله وقومه، وهناك فرق بين الخيانة والعار، وبين كلمة الوغد (الخسيس/ الدنيئ)، والخيانة هي أبلغ من لفظة حقير، الوغدنة بحثت في المعاجم ووجدت ضالتي : الوغدنة هي قمة الدناءة والخسة والحقارة.
في القانون هناك مصطلح ” الخيانة العظمى / قمة الوغدنة ” وفي الفقه القانوني تعني : التعاون مع العدو المحتل. وفي اللغات اللاتينية يطلقون عليها كلمة واحدة (Collaboration ) وهي الكلمة الأعلى في وصم المتعاون مع العدو.
ثم أني وبناء على طلب أصدقاء وقراء، وضعت بحثاً مطولاً عن أشهر الخونة في التاريخ فوجدت سبعة خونة، هم الأسوء في التاريخ، طبعاً مبتدءاً بالخائن أبو رغال، ثم بيهوذا خائن السيد المسيح، وخيانة الوزير أبن العلقمي، ثم بخيانة النرويجي كوسلينغ، ثم خيانة الجنرال السوفيتي اندريه فلاسوف، ثم المريشال الفرنسي فيليب بيتان، وأخيراً خيانة ألعراقي احمد الجلبي. سبعة من عتاة الخونة، لم أتمكن من إيصال العدد لعشرة. فأنا لا أتهم أحداً بالخيانة جزافاً.
وقبل أيام قليلة، شاهدت خطابا تلفازياً يعود تأريخه إلى قبل وفاته بوقت قصير، يلقيه د. أحمد الجلبي، في بغداد المحتلة وتلك شجاعة منه، يقول أن التاريخ لم يشهد نظاما أفسد من الذي جئنا به. والجيد أنه أعترف بفعلته الشنعاء، مدعماً قوله بالأرقام والاحصاءات، ولكن للأسف لن ترفعه من قائمة أشهر الخونة في التاريخ. والدكتور الجلبي الذي بذل جهداً كبيرا وأهدر كرامته، وقيمته كأستاذ رياضيات وأسم عائلته الكريمة، ليقنع الأمريكان بغزو العراق، بحسب اعترافه، لكن العراق كان في مرمى الاهداف الأمريكية منذ تأميم النفط عام 1972 فصاعداً، ولكن الجلبي ورهط من أمثاله (هو في مقدمتهم) سعوا لدى الأمريكان وبمساعيهم الشريرة، لوثوا أنفسهم إلى الأبد. لست بصدد قياس مدى التلوث، ولكن الحصيلة تنبأ عما فعلوه. والنتائج خير دليل وبرهان. ولكم الامريكان زعموا ومن اعلى المستويات : أن د. الجلبي خدعنا …. بالطبع .. بالطبع يكذبون …
الخونة كلهم .. ينالون جزاءهم إن عاجلاً او آجلاً، مجللين بالعار الأبدي، والجلبي توفي ميتة مشبوهة، إذ دس له السم على الأرجح بحسب الاعراض التي وجدت على جثته، العراق ما يزال غاطس في بحر الدماء وبأيدي اللصوص لأجل غير معروف، ولكن لكل أمر نهاية … حتى يقضي الله أمرا كان مفعولاً.