تحقيقات وتقارير

حرب لبنان الثالثة.. هل باتت حتمية؟ أم فزّاعة.. ومحلّلون: مطلوب التخلي عن هذيان “الإمبراطورية الإسرائيلية من الليطاني إلى فيلادلفيا”

حرب لبنان الثالثة.. هل باتت حتمية؟ أم فزّاعة.. ومحلّلون: مطلوب التخلي عن هذيان “الإمبراطورية الإسرائيلية من الليطاني إلى فيلادلفيا”

الناصره / وديع عواودة

 يصل البلاد، اليوم الإثنين، مجدداً المبعوث الأمريكي عاموس هوكشتاين، بحثاً عن حلّ يحول دون نشوب حرب بين إسرائيل و”حزب الله” الآن، أو عن كسب الوقت ريثما تجري الانتخابات الأمريكية في نوفمبر، خوفاً من تبعاتها، خاصة على حظوظ مرشحة الحزب الديموقراطي كامالا هاريس.

في التزامن، من المفترض أن تضيف حكومة الاحتلال “إعادة النازحين لمستوطناتهم” في الجليل كواحد من أهداف الحرب، بعد مرور أكثر من 11 شهراً على اندلاعها، وسط ازدياد في التراشق العسكري في الشمال، وفي لهجة المسؤولين الإسرائيليين، وفي تهديداتهم بالمزيد من التصعيد، فهل فعلاً باتت حرب لبنان الثالثة خلف عتبة الباب؟

في إسرائيل تختلف مواقف صنّاع القرار حيال السؤال المذكور، فرئيس حكومتها، مع عدد كبير من الوزراء، يدفعون للقيام بحملة عسكرية ضد “حزب الله”، خاصة في جنوب لبنان، لوقف النزيف الحاصل على هذه الجبهة. وفي المقابل؛ يرى وزير الأمن غالانت، ومعظم المؤسسّة الأمنية، بضرورة البحث أولاً عن حل سلمي مع “حزب الله” يستند للقرار الأممي 1701 عقب حرب لبنان الثانية عام 2006، مع  تدعيمه بضمانات دولية أكثر فعالية للحيلولة دون إطلاق نار من جنوب لبنان على إسرائيل.

لا يمكن فهم إلقاء المناشير الإسرائيلية الداعية للبنانيين للرحيل خارج سياق الحرب النفسية والمعركة على وعي ومناعة المدنيين

وعبّر نتنياهو عن موقفه بإضافة هدف جديد للحرب، وبتصريحات جديدة، آخرها أمس، قال فيها إن “الوضع الراهن لن يستمر”.

منطقة أمنية عازلة في جنوب لبنان

وهناك أنصار لفكرة التصعيد داخل جيش الاحتلال، فقد كشفت صحيفة “يسرائيل هيوم”، اليوم، عن أن قائد لواء الشمال فيه الجنرال أوري غوردين قد قال، في مباحثات داخلية، إنه يوصي بالسيطرة على منطقة حدودية في جنوب لبنان، بغية بناء منطقة أمنية عازلة معلّلاً ذلك بالقول إن الكثير من عناصر الرضوان قتلوا أو هربوا من المنطقة، وإن 80% من اللبنانيين في الجنوب غادروا هم أيضاً، وهكذا نضجت الظروف التي تمكّن الجيش من القيام بعملية كهذه بسرعة.

ومن جهته، رفض الناطق العسكري التعقيب على سؤال “يسرائيل هيوم” بهذا “التسريب”.

وتعكس عملية توزيع مناشير إسرائيلية تدعو اللبنانيين في الجنوب للإخلاء رغبة نتنياهو وأنصاره بإيجاد حلّ لمشكلة النازحين من الجليل، وتعطيل الحياة فيه بسبب نيران “حزب الله”، وذلك رغم أن الجيش تنصّل منها، وزعم أنها كانت مبادرة فردية لقائد ميداني، ومن المرجّح أن هذا زعمٌ فارغ، فالمناشير جزءٌ من مساعي الضغط الإسرائيلي.

صورة معكوسة

لكن نتنياهو، الذي فضّلَ عدم فتح حرب في الجبهة الشمالية منذ نحو العام لعدة اعتبارات، منها عدم قدرة الجيش على إدارة جبهتي قتال واسعتين بالتزامن، وتحاشيه صبّ الماء على طاحونة “حماس”، التي أملت بتحقق فكرة “وحدة الساحات”. بعد أيام قليلة من السابع من أكتوبر، دعا غالانت لتوجيه ضربة كبيرة لـ “حزب الله”، بيد أن نتنياهو، ومعه الوزيران غانتس وآيزنكوت، حالوا دون ذلك، واليوم، وفق التسريبات والتصريحات والتلميحات، تبدو الصورة معكوسة، فنتنياهو يدفع للتصعيد فيما يدفع غالانت للتبريد عملياً وبحثاً عن تسوية سياسية برعاية الولايات المتحدة، ورغم تهديداته المتكررة بإعادة لبنان للعصر الحجري فهو يعارض عملية واسعة في لبنان، خاصة أنها تعني فقدان المخطوفين في غزة.

هذا الجدل المتجدد الآن يؤجّج الخلافات بين نتنياهو وغالانت، الذي تحدث مع نظيره الأمريكي أوستين، ليلة أمس، وقال له إن نافذة الفرص الدبلوماسية تضيق، وإن إسرائيل ملتزمة لسكان شمالها بعودتهم لبيوتهم والعيش بأمان.

على خلفية تحفّظ غالانت، دعا عضو الكنيست من “الليكود” موشيه سعدة نتنياهو لإقالة غالانت، وهو ليس الوزير الوحيد في هذا الموقف الداعي للتخلص من غالانت “المتردد”.  ولكن في الجوهر هل فعلاً يتجه نتنياهو لتوسيع النار مع “حزب الله”؟ أو الذهاب لحرب شاملة بعد تغيّر حساباته؟ وما مدى ارتباطها بمصالح واعتبارات الدولة؟ نتنياهو، السياسي المجرّب، ورئيس حكومة سادسة، هل يغامر في حرب تكون مدمرة للجانب اللبناني، لكنها خطيرة أيضاً على الجانب الإسرائيلي، خاصة الجبهة الداخلية؟

حرب على مناعة الآخر

ربما تكون إسرائيل قادرة وراغبة بحملة واسعة ضد “حزب الله” الآن، وربما تكون هذه قناعة نتنياهو الآن، بصرف النظر عن الدوافع، لكن من المرجّح أن هذا التصعيد في التهديد وفي الميدان يندرج ضمن الحرب النفسية والحرب على المناعة والوعي لدى الإسرائيليين واللبنانيين على حد سواء.

بنصيحة عدد من الخبراء وجنرالات الاحتياط تتبنّى إسرائيل تكتيك الضغط على لبنان واللبنانيين، وليس فقط في الجنوب، بالقصف الشديد، وتدمير بنى تحتية وبلدات كاملة على أمل دفعهم لممارسة ضغط فعل أكثر على “حزب الله”، ولا يمكن فهم إلقاء المناشير الإسرائيلية الداعية للبنانيين للرحيل خارج سياق الحرب النفسية والمعركة على وعي ومناعة المدنيين في الطرف الآخر.

احتياجات داخلية

 وهذا أيضاً ما تجلّى في دعوة العميد في الاحتياط عاميت يغور (ضمن مقال نشرته “معاريف” أمس) لإثارة الاضطرابات بين الطوائف داخل لبنان. من جهته، ما زال “حزب الله” يلتزم بعدم المساس بالمدنيين الإسرائيليين، لكنه يوسّع، في الأيام الأخيرة، نطاق النار، ويستهدف مدينة صفد، ويدفع للمزيد من رحيل سكانها، كما حصل في مدينة كريات شمونة وعشرات المستوطنات، مدركاً أن ذلك من شأنه إنتاج ضغط في الشارع لوقف حالة النزيف، ووقف الحرب على غزة، وإتمام صفقة مع “حماس” وترتيب الأوراق مع لبنان.

وعلاوة على الحرب النفسية، يبدو أن نتنياهو يخاطب جمهور هدف إسرائيلي، فهو يرى ويسمع تذمر وشكوى وانتقادات الشارع الإسرائيلي، خاصة سكان الجليل ممن يتهمونه بإهمالهم، وبفقدان قوة الردع مقابل “حزب الله”، ولذا ربما يسعى لتصعيد محدود لتقليل هذه الانتقادات الداخلية، رغم أن “الحملة العسكرية” من شأنها التسبّب بالانزلاق لحرب شاملة.

أربعة شروط الحرب

على خلفية هذه المعضلة، يبدو نتنياهو غير واضح تماماً، بيد أن هناك من يحذر من مغبة التورّط بمغامرة عسكرية الآن، منهم، وأعلاهم صوتاً وربما تأثيراً، القائد الأسبق لغرفة العمليات في الجيش الإسرائيلي الجنرال في الاحتياط يسرائيل زيف. في حديث للإذاعة العبرية الرسمية، اليوم، حذّرَ زيف من التسرّع في القرار، وعقّبَ على قول قائد لواء الشمال غوردين بأن “الظروف نضجت لحملة برية”، بالقول إن الحملة المحدودة تعني لحد بعيد الدخول في حرب واسعة، وإن الشروط الأربعة لخوضها غير متوفرة الآن.

وأشار زيف لعدم وجود أهداف محددة للجيش في مثل هذه الحملة العسكرية على “حزب الله”، القدرة على تركيز قوة عسكرية تأخذ بالحسبان حرباً طويلة، ربما تصل بيروت، ولا تبقى في جنوب لبنان مثلاً، مثلما أن الشرعية الدولية غير موجودة، لافتاً أيضاً إلى أن “الحزام الأمني” المراد لا يحمي من التصعيد ومن صواريخ على إسرائيل، وكذلك خطة الخروج من الحرب غير موجودة.

وخلص زيف للتحذير: “حديث غوردين عن ظروف ناضجة هو حديث تكتيكي، وهو لا يرى الصورة الإستراتيجية الواسعة. شروط الحرب غير متوفرة الآن، ونحن نغامر بحرب شاملة خطيرة”.

  والآن ننتظر حرب لبنان الثالثة

 ولم ينجح  المحلل العسكري في صحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل بفهم كامل لنوايا نتنياهو، إذ يقول إنه يدفع نحو هجمة في غزة وفي لبنان، وليس واضحاً هل يتجه لحرب شاملة، لافتاً إلى أن التصعيد في الشمال يزيد الضغوط على الحكومة للتحرك بطريقة أشد ضد “حزب الله” لدرجة فتح حرب شاملة.

كما يقول هارئيل إن نتنياهو يحثّ الجيش للعمل بقوة أكبر، وبالأمس قال إن “هذا الوضع لن يستمر”. ويضيف هارئيل: “من الصعب الفهم من هذا الكلام، ومن حديثه الداخلي مع قيادة الجيش، إن كانت وجهة نتنياهو نحو حرب شاملة، أو أنه يعتقد أنه يمكن تصعيد الهجمات ضد “حزب الله”، وتحقيق نتائج دون الدخول بالحرب”. منوهاً أن المستوى العسكري الذي لم يطبق بعد إعلانه تحمل المسؤولية عن 7 أكتوبر يستصعب صياغة موقف مستقل.

يسرائيل زيف: حديث غوردين عن ظروف ناضجة هو حديث تكتيكي، وهو لا يرى الصورة الإستراتيجية الواسعة. شروط الحرب غير متوفرة الآن، ونحن نغامر بحرب شاملة خطيرة

ويتساءل: هل يستطيع هليفي القول في اجتماع الكابنيت الأقوال الصارمة التي قالها لعائلات المخطوفين الداعمة لصفقة، والوقوف مقابل رئيس الحكومة والوزراء وهم يطالبون بردّ صهيوني ملائم للنار على الجليل؟

الحفاظ على ضبط النفس

ويتفق معه محلل الشؤون الاقتصادية والسياسية في صحيفة “يديعوت أحرونوت” سيفر بلوتسكر، الذي يزعم أن خطة “حماس” فشلت، لأن القطاع مدمر، ولم يعد يصلح للحياة، ولا يشكّل تهديداً على إسرائيل، ولم تنضم دولة عربية إسلامية للحرب، حتى إيران.

ويمضي في التمهيد لتحذيره هو الآخر من حرب شاملة: “إسرائيل تبالغ اليوم في تصوير قوة “حزب الله”، مثلما استخفت بالأمس بترسيم قوة “حماس”. نصر الله ورّطَ لبنان بحرب استنزاف لتعويض نفسه وأناه المتضخمة على خسارة حرب لبنان 2006، وهو اليوم يغامر كالمقامر الخاسر في الكازينو.

الإمبراطورية الإسرائيلية.. من الليطاني لفيلادلفيا

ويخلص بلوتسكر للقول إن حكومةً عاقلة عليها دراسة القرار جيداً، إن كان عليها أن تفتح حرب لبنان الثالثة، منوّها لصواب السياسة الحالية: الاحتواء هو الأصح، فهو يتوقع المستقبل، ويلائم احتياجات إسرائيل، شريطة توفيرها كل الدعم المطلوب للنازحين.

ويضيف محذّراً: “من جهة أخرى، حرب لبنان الثالثة ستكون مكلفة جداً، ومدمرة للشمال، وتمسّ بالعلاقات مع الإدارة الأمريكية، وتسوّد صفحة إسرائيل أكثر في العالم، وتتسبّب بتآكل قوة الجيش، ومن شأنها استعادة “الحزام الأمني” اللعين في جنوب لبنان”.

ويختتم بالقول إنه “في جرد للحساب، ليس صحيحاً، وليس مجدياً سيطرة إسرائيل عسكرياً ولا مدنياً في جنوب لبنان. فجاهزية الغزيين واللبنانيين للعيش تحت نظام مرعب وفاسد مشكلتهم هم، لا مشكلتنا. لذا مطلوب التخلي عن أحلام الهذيان الخطيرة حول تشكيل الإمبراطورية الإسرائيلية من الليطاني إلى فيلادلفيا، وعلينا التركّز باستعادة المخطوفين قبل فوات الأوان”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب