مقالات

ماذا لو ألغيت نتائج الانتخابات في تونس؟

ماذا لو ألغيت نتائج الانتخابات في تونس؟

محمد كريشان

واضح الآن وضوح الشمس أن «الهيئة العليا المستقلة للانتخابات» في تونس لا تعتزم أبدا الانصياع لحكم المحكمة الإدارية التي أمرتها بإعادة ثلاثة مرشحين إلى سباق الرئاسة المقررة في السادس من أكتوبر المقبل بعد أن كانت قد أقصتهم هذه الهيئة بشكل غير قانوني.
لقد أخذتها العزة بالإثم «هيئة بوعسكر» هذه، كما أصبحت الأغلبية تطلق عليها نسبة إلى رئيسها القاضي فاروق بوعسكر لأنها برأيهم لم تعد جديرة بتسميتها الرسمية، خاصة بعد أن صمّمت بعناد كبير على موقفها حتى بعد أن أصدرت هذه المحكمة قبل أيام قليلة بيانا تشرح فيها بالتفصيل حكمها بإعادة كل من المرشحين منذر الزنايدي وعبد اللطيف المكي وعماد الدايمي إلى قائمة المرشحين، المقتصرة حاليا على ثلاثة مرشحين فقط هم الرئيس المنتهية ولايته قيس سعيّد وزهير المغزاوي والعياشي زمّال القابع في السجن تلاحقه قضايا عديدة حرّكت ضده على عجل. كما أن ذات الشرح تضمّن إشارة إلى إمكانية تعديل تاريخ إجراء الانتخابات إذا كان ذلك ما يمكن أن يترتّب عن إعادة الثلاثة مرشحين المتظلمين لديها.
هذا العناد تجلى أكثر وأكثر في حوار إذاعي أجري قبل يومين مع السيدة نجلاء العبروقي عضو هيئة الانتخابات حين أصرت على القول لإذاعة «موزاييك» الخاصة إنه لا مجال لأية مراجعة مهما كانت، متحججة بأن تاريخ الانتخابات قد حدد وانتهى الأمر، وأن أوراق الاقتراع قد طبعت بثلاثة أسماء فقط والحبر جاهز…هكذا بكل بساطة!!
تتجاهل هذه السيدة وزملاؤها في الهيئة أن هذا الموقف له ما بعده، وما بعده هذا خطير للغاية إذ كيف سيكون الوضع في صورة إبطال نتائج الانتخابات من طرف نفس المحكمة الإدارية بموجب طعن أحد المرشحين الثلاثة الذين أمرت هي بإرجاعهم إلى السباق الرئاسي؟

كيف سيكون الوضع في صورة إبطال نتائج الانتخابات من طرف نفس المحكمة الإدارية بموجب طعن أحد المرشحين الثلاثة الذين أمرت هي بإرجاعهم إلى السباق الرئاسي؟

سؤال يؤرق الجميع مع أن لا أحد يخوض فيه حاليا بقوة، ربما انتظارا لشيء ما، لكن عبد الوهاب معطّر أستاذ القانون بالجامعة التونسية والوزير السابق فعل ذلك في تدوينة على موقع «فيسبوك» لقيت رواجا واسعا، دعا فيها هيئة الانتخابات إلى أن «تترك جانبا عقلية العبث وذهنية المغالبة» وتنصاع إلى أحكام المحكمة الإدارية حفاظا على «الأمان القانوني وتجنيب بلادنا أزمات إضافية».
استعرض معطّر جملة من الاحتمالات المترتبة عن ذلك، لم يستبعد منها «قيام السلطة الغاشمة باستهداف المحكمة الإدارية، سواء في تركيبتها أو في قوانينها بغية إعدام دورها في أي نزاع انتخابي قادم، ومن الطبيعي أن هكذا إجراء لن يقدر على إتيانه إلا قيس سعيد وبذلك فهو سيزيد غرقا في توهانه وسيدخل البلاد بفعلته إن وقعت في دوامة صراع الشرعيات وهو أخطر ما يتهدد بلادنا لا قدر الله». ويمضي شارحا بالقول إنه «في صورة إبطال الانتخابات قضائيا سيحدث شغور في رئاسة الجمهورية مهما كان شاغلها (خاصة) مع عدم وجود أي جهة شرعية يمكنها سد هذا الشغور المؤقت وذلك بجريرة قيس سعيد الذي رفض عمدا تنصيب المحكمة الدستورية على الرغم من انفراده بهذا الاختصاص» مما سيؤدي في النهاية إلى «دخول البلاد في أزمة سياسية خارقة يصعب على أي جهة تحكيم عقلانية معالجتها جراء فلسفة وذهنية قيس سعيد في إدارة الحكم سيما بعد أن انهارت حظوظه بالفوز في انتخابات عادية».
هذا التجاهل من «هيئة بوعسكر» لكل ما أقرته المحكمة الإدارية وأيده كل خبراء وأساتذة القانون في تونس، في بيانات وعرائض منشورة، سيفتح المجال واسعا لإبطال الانتخابات لاحقا وما سينجر عن كل ذلك من أزمة شرعية للرئيس المنتخب، وهو أمر لم يسبق للبلاد أن عرفته أبدا.
وما يدفع الناس إلى وضع أيديها على قلوبها من مصير كهذا هو الإصرار من قبل قيس سعيّد وهيئة الانتخابات الموالية له على مواصلة الهروب إلى الأمام وتجاهل كل هذه المخاطر الكبيرة خاصة بعد صدور البيان الانتخابي لسعيّد الذي جاء حافلا بكل المفردات الحربية المتشنجة والتحريضية. لقد أثار هذا البيان، الذي يفترض أنه مر على هيئة الانتخابات وأجازته، حالة من الهلع مما يمكن أن ينتظر البلاد إن فاز صاحبه فهو لم يتضمن أبدا ما يدعو إلى التفاؤل أو يشحذ الهمم مكتفيا بعشرات المفردات الحاقدة من قبيل «الدماء والإرهاب والفساد والإجرام والأبواق المسعورة المأجورة» وغيرها الكثير.
لا أحد يدري أصلا كيف يمكن أن تجري الحملة الانتخابية التي بدأت السبت الماضي وأحد المرشحين الثلاثة الرسميين قابع في السجن، والثاني لم يعرف عنه وعن حزبه إلا تأييد الرئيس قبل أن يستيقظ ذات يوم ليصبح معارضا فجأة ويترشح لمنافسته، فيما سعيّد يحتكر كل الإعلام والدعاية ويجعل كل وسائل الإعلام والصحافيين تحت ضغط وابتزاز شديدين وموجة الاعتقالات السياسية لا تتوقف. أما الأطرف فهو المبلغ المحدد الذي قررته هيئة الانتخابات للحملة الانتخابية لكل مرشح والتي لا تتجاوز تقريبا الخمسين ألف دولار، مع تدخل حتى في تحديد سقف لأسعار تأجير القاعات والكراسي، بل وحتى أسعار السندويتشات والشاي والقهوة!!.

كاتب وإعلامي تونسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب