واشنطن والمهمة المستحيلة لإنقاذ وساطة إنهاء الحرب على غزة في ظل رغبة إسرائيل توسيعها
واشنطن والمهمة المستحيلة لإنقاذ وساطة إنهاء الحرب على غزة في ظل رغبة إسرائيل توسيعها
سليمان حاج إبراهيم
الدوحة ـ يواصل الوسطاء على صفقة إنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة التمسك ببعض الأمل، للتوصل لاتفاق بين تل أبيب وفصائل المقاومة الفلسطينية في ظل استمرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تنفيذ نهجه التدميري، وسعيه لإطالة أمد الصراع وتوسيع مداه بإشعال جبهات جديدة. وتصب تصريحات المسؤولين القطريين والمصريين والأمريكيين في سياق التمسك بمسار الوساطة وإن ظل جاثماً في مكانه دون إحراز أي تقدم بسبب جدال الفصل الذي يبديه التيار اليميني المتطرف في تل أبيب. وتوالت إشارات من الدوحة والقاهرة وواشنطن على الاحتفاظ بقنوات الاتصال بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي مفتوحة، دون التعويل على تقديم وعود قاطعة بإمكانية التوصل لاتفاق.
وما تزال إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن متفائلة بحدوث «معجزة» على حد وصف مصدر متابع للمسار، في ظل صخرة الرفض الإسرائيلي للاتفاق الذي أعلنه نزيل البيت الأبيض قبل أسابيع خلت.
ومؤخراً صرحت نائبة الرئيس الأمريكي والمرشحة الديمقراطية في الانتخابات الرئاسية الأمريكية كامالا هاريس، أن التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة في أقرب وقت، ما يزال أمراً ممكناً.
هاريس التي تناضل لإقناع الأمريكيين بضرورة التجديد لإدارتها، تحاول توزيع بعض الإيحاءات في أوساط واشنطن، بما معناه أن مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة شهدت بعض التقدم. وإدارة البيت الأبيض الحالية تدرك جيداً أن تلك التصريحات، ستظل مجرد حبر، ما لم تترجم واقعياً باتفاق فعلي.
وتسعى الإدارة الأمريكية إلى التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس وإعادة المحتجزين في قطاع غزة كخطوة لإنهاء الحرب المستمرة منذ عام والتي أوقعت آلاف القتلى والجرحى معظمهم من الجانب الفلسطيني. والديمقراطيون المتخوفون من عودة غريمهم الجمهوري دونالد ترامب لسدة الحكم، يتخوفون من تفويت فرصة خسارة إنهاء الحرب، وتسجيل ذلك الانتصار في دفتر الجمهوريين.
أسوأ أزمة في التاريخ
ما تزال قطر ومصر والولايات المتحدة متمسكة بخيار إنهاء الحرب في غزة عبر القنوات الدبلوماسية، لوقف نزيف الدماء، رغم اصطدام جهودهم بتمسك إسرائيلي بشروطها ومنها البقاء في محور فيلاديلفيا الذي يمثل نقطة خلاف كبيرة مع القاهرة.
وتساند جهود دول الوساطة دول عدة في مناطق العالم، تدرك أهمية السعي لإنهاء «حرب الإبادة» التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني. ومؤخراً دعا قادة عدد من دول العالم، إلى تكثيف الجهود لوقف العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان وحماية المدنيين، وذلك عشية إحياء الذكرى الأولى لعملية 7 أكتوبر 2023 «طوفان الأقصى» وما تبعها من حرب إسرائيلية مدمرة لا تزال مستمرة على قطاع غزة.
وما يجعل دول العالم تصر على الخيار الدبلوماسي، وتعتبره السبيل الوحيد لحل الأزمة، تكلل جهود الوساطة القطرية السابقة رفقة شركائها، بإطلاق سراح 50 امرأة وقاصراً تحت سن 19 عاما -أغلبهم من مزدوجي الجنسية- من المحتجزين عند حماس، مقابل الإفراج عن 150 امرأة وقاصراً من الفلسطينيات المعتقلات في سجون إسرائيل. ومؤخراً أكد أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أن ما ترتكبه إسرائيل في قطاع غزة منذ نحو عام عمليات إبادة جماعية. وتعتبر قطر أن العمل لابد أن يستمر من أجل السماح لصوت العقل في تحقيق نتيجة لإنهاء الأزمة. وصرح الشيخ تميم في كلمة ألقاها خلال القمة الثالثة لحوار التعاون الآسيوي في الدوحة أن قطر سبق أن حذرت من عواقب عدم محاسبة إسرائيل على ما ارتكبته من جرائم ضد الإنسانية. وتصر الدوحة على أن العالم ما يزال يشهد تصاعداً خطيراً في الحرب التي تشنها سلطات الاحتلال الإسرائيلي في غزة.
تحقيق العدالة للشعب الفلسطيني
تعتبر الدوحة في تصريحات مسؤوليها أن الأمن لن يتحقق دون تحقيق السلام العادل بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على حدود عام 1967.
وشددت وزيرة الدولة للتعاون الدولي بوزارة الخارجية القطرية لولوة الخاطر على ضرورة وقف تسليح إسرائيل في حربها على غزة ولبنان. وجاء تصريح المسؤولة القطرية التي جابهت القصف الإسرائيلي لبيروت، في مؤتمر صحافي عقدته في لبنان أعلنت فيه عن تسيير جسر قطري، لدعم الشعب الذي يواجه إلى جانب أشقائهم الفلسطينيين عدواناً إسرائيلياً يوصف أنه الأعنف.
وجدد بدوره الشيخ مشعل بن حمد آل ثاني، سفير دولة قطر في الولايات المتحدة، في تعليقه على مضي عام على الحرب في غزة، التزام بلاده بالسعي إلى وقف إطلاق النار وإبرام صفقة إطلاق سراح المحتجزين في غزة كخطوة أولى نحو خفض التصعيد الإقليمي. ويؤكد الدبلوماسي القطري، نهج بلاده التي تؤمن بضرورة تشجيع الدبلوماسية باعتبارها الطريق الوحيد القابل للتطبيق إلى الحل.
وأشار السفير الشيخ مشعل بن حمد آل ثاني، في مقال نشرته مجلة «نيوزويك» الأمريكية، إلى أن العام الماضي اتسم بالحزن الشديد والأسف الشديد؛ الحزن على آلاف المدنيين الفلسطينيين واللبنانيين الأبرياء الذين قتلوا أو شردوا، والرهائن الذين ما زالوا في الأسر، والخسائر المدنية المروعة، وأن هناك بعض الندم على الفرص الضائعة لإنهاء هذه الحرب الوحشية بالوسائل السلمية، وتخفيف المعاناة، وإعادة الرهائن إلى ديارهم، لاسيما أن المنطقة تعيش حالة من الخطر لم نشهدها منذ عقود من الزمان.
مخاوف من توسع دائرة الحرب
تنبه قطر إلى مخاطر اندلاع حرب إقليمية شاملة، وتعتبر الأمر بات حقيقيا ويتطلب من جميع الأطراف التراجع عن حافة الهاوية ــ وخاصة في ضوء التصعيد الأخير في لبنان والتوترات المتزايدة بين إيران وإسرائيل. وتبرز عواقب مثل هذا الصراع الكارثية، سواء من حيث الدمار الفوري أو عدم الاستقرار الإقليمي الطويل الأمد الذي قد يخلقه، والذي يغذيه ارتفاع التطرف من جانب جيل جديد من الشباب المحرومين والغاضبين، والذين شهد العديد منهم القتل المنهجي لأسرهم وأصدقائهم.
وتصر قطر في تصريحات عدد من مسؤوليها على تشجيع الدبلوماسية باعتبارها الطريق الوحيد القابل للتطبيق إلى الحل. وتعتبر أن الالتزام بالسعي إلى وقف إطلاق النار وإبرام صفقة إطلاق سراح المحتجزين في غزة خطوة أولى نحو خفض التصعيد الإقليمي. وعلى مدى الأشهر الاثني عشر الماضية، عملت قطر إلى جانب الولايات المتحدة ومصر وغيرهما من الشركاء الدوليين وسطاء بين إسرائيل وحماس.
وفي الشهور اللاحقة، تواصلت على تقطع مفاوضات الوسطاء من الدول الثلاث بهدف التوصل لوقف إطلاق النار وتبادل المحتجزين والأسرى وانسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة، ولكن من دون أن تصل إلى نتيجة، بسبب تعنت رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وأركان حكومته.
وبدلاً من افتكاك الأسرى الإسرائيليين في إطار صفقة تبادل، بذل الجيش الإسرائيلي محاولتين لإطلاقهم، وسط تنامي الاحتجاجات الإسرائيلية المطالبة بعقد صفقة لإطلاق سراحهم، وتحول أسرهم إلى قوة ضغط على حكومة نتنياهو.
وأكدت «وول ستريت جورنال» أن ما وصفتها بالإستراتيجية العدائية التي تبنتها إسرائيل منذ السابع من أكتوبر الماضي ستؤثر على جميع مكونات المجتمع الإسرائيلي وعلى العلاقات مع الولايات المتحدة. وقالت الصحيفة إن هذه الإستراتيجية «قد تأتي على حساب أهداف إسرائيل الدبلوماسية» ونقلت عن تامير هايمان -رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية السابق- أن تجنب البحث عن حلول سياسية ودبلوماسية «يعني سلسلة حروب متعاقبة لا نهاية لها».
تزامناً وجهود الوسطاء لإنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة، يواصل جيش الاحتلال حرب الإبادة على غزة، مع استمرار عداد الضحايا في الارتفاع. ومؤخراً صرح فيليب لازاريني المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» أن «ما لا يقل عن 400 ألف شخص محاصرين شمال قطاع غزة، وأوامر الإخلاء الإسرائيلية تجبر الناس على الفرار مرارا وتكرارا خصوصا من مخيم جباليا». وأوضح لازاريني أن عددا كبيرا من الفلسطينيين يرفضون الإخلاء، لأنهم يدركون أنه لا مكان آمنا في قطاع غزة، مشيرا إلى انتشار المجاعة وتفاقمها في جميع أنحاء القطاع، مع عدم توفر الإمدادات الأساسية. وكشف مفوض الأونروا عن اضطرار بعض مراكز الوكالة للإيواء والخدمات إلى الإغلاق للمرة الأولى منذ بدء الحرب.
«القدس العربي»: