ثقافة وفنون

العرض المسرحي المصري «لعبة النهاية»…لا جدوى من اختراع العالم مرّة أخرى

العرض المسرحي المصري «لعبة النهاية»…لا جدوى من اختراع العالم مرّة أخرى

محمد عبد الرحيم

كاتب مصري

القاهرة ـ  «كذب وخداع كل ذلك.. الناس والأيام والطبيعة، وارتجاف القلب ووسائل الفهم، كل ذلك من اختراعي.. لكي أؤخر لحظة الحديث عن نفسي». (بيكيت من رواية اللامسمى).
من الصعب الفصل بين أعمال صامويل بيكيت (1906 ــ 1989) على تنوعها من رواية ومسرح، فجميعها يمثل عملا واحدا، رغم تباين الشخوص والمواقف، إلا أن رؤية بيكيت لم تحيد أو تتغير عن وجهة النظر إلى الإنسان والعالم، الذي تورّط في المجيء إليه والعيش من خلاله، أو محاولة التعايش بمعنى أدق. رؤية بيكيت التي أكملت صياغتها الحرب العالمية الثانية، حيث لا جدوى ولا أمل في الحياة، رغم محاولات التمثيل الرديء بالتعايش.

تفاهة السلطة

مسرح بيكيت بوجه خاص سيظل ـ للأسف ـ صالحاً ومرتبطاً بوجود الإنسان على هذه الأرض، هذا الكائن الذي وجد في ظل خطيئة أسطورة دينية، مشوّه منذ البداية، فكيف ستكون أفعاله ونتائجها؟!
حالياً تُعرض مسرحية «لعبة النهاية» على مسرح الطليعة في القاهرة (قاعة صلاح عبد الصبور)، حيث جاء العرض المصري الأول لها على المسرح نفسه عام 1962، من إخراج سعد أردش. العرض أداء.. محمود زكي (هام)، محمد صلاح (كلوف)، محمد فوزي (ناج)، لمياء جعفر (نيل). ديكور أحمد جمال، إضاءة إبراهيم الفرن، أزياء مها عبد الرحمن، ماكياج وفاء مدبولي. إعداد درامي وموسيقي وإخراج السعيد قابيل.
رجل ضرير يجتلس كرسيه المتحرك (هام)، يقوم بخدمته شاب مصاب بعاهة في ساقه (كلوف)، تمنعه من الجلوس مستريحا. وبين الذي لا يستطيع الحركة والآخر الذي لا يستطيع الجلوس يدور الحوار أو الكلمات العاجزة بدورها عن الاكتمال في عبارات مفهومة بالكامل، أو عبارات عادية يستخدمها البشر في تخدير أنفسهم بأنهم متناغمون وقادرون على التفاهم والتواصل.

لعنة الزمن

ومن خلال إصدار الأوامر التي لا تنتهي تبدو التسلية الوحيدة للعجوز، أو التحايل في انتظار النهاية/الموت الذي يستجديه، ويطلبه بالفعل من الشاب التابع صاحب العاهة في ساقه. لعبة متكررة بدورها، الأفعال نفسها كل يوم، من الذهاب إلى النافذة حتى الإحساس بالضوء، إلى فراغ يحيط كل شيء، وتوهم امتلاك شيء، حتى إصدار الأوامر والتعاليم التافهة، هذه هي اللعبة التي لا تنتهي إلا بالصمت.
الضرير والأعرج ومبتورا الأقدام في صندوق القمامة.. هكذا الشخوص، وهكذا يمثلون لحظات الزمن المتداخلة، من حاضر يمثله الرجل الضرير، وماضٍ يمثله والداه مبتورا الأقدام (ناج) و(نيل)، الذي يريد الرجل التخلص منهما، ولا يجيبهما إذ سألا، بل يعنفهما ويحتفظ بهما في صندوق قمامة داخل غرفته، والخادم/التابع الأعرج، الذي يمثل المستقبل، والذي لا يستطيع فعل أي شيء، حتى عندما يقرر الرحيل، يقف مكانه في اللحظة الأخيرة ويخشى الفرار والخروج حياً من اللعبة المفروضة عليه، والذي لا يعرف بدوره مَن الذي وضع قوانينها وقام بتوريطه بأن يكون أحد ضحاياها.

الاحتضار الدائم

الجميع هنا في حالة احتضار لا تنتهي، وبانتهاء المسرحية المتمثل في الصمت سنصل إلى لحظة الموت (نهاية اللعبة)، الذي كان يبحث عنه الجميع منذ بداية الأحداث ـ على اعتبار وجود أحداث ـ فلا شيء يحدث سوى تكرار يوحي باللاجدوى، وعدم وجود أي قيمة لأي شيء، هذا الإحساس موجود من البداية، فلا يتصاعد مثلاً أو يتم اكتشافه لموقف ما أو حدث عارض، بل موجود بتمامه، كاملاً. وهو ما يؤكده هذا الحوار من مسرحية (في انتظار غودو) ..
«فلاديمير: ألست تعساً؟
الطفل (يتردد)
ألم تسمعني؟
الطفل: نعم يا سيدي
فلاديمير: إذن أجب!
الطفل: لا أدري يا سيدي
فلاديمير: لا تدري إذا كنت تعساً أم لا؟
الطفل: كلا يا سيدي
فلاديمير: مثلي أنا».
هذه التعاسة غير المفهومة، التي لا يبحث بيكيت عن تبرير لها، تتجلى نتيجتها في الفشل المحتوم، ولا مفر من ذلك، وحتى إن تحققت في لحظة سعادة سابقة ـ وهمية بالطبع ـ فمصيرها معروف سلفاً..
«ناج: هل نمت؟
نيل: كلا
ناج: قُبلة
نل: لا نستطيع
ناج: فلنحاول».
الأب والأم أو التاريخ الذي يريد (هام) نسيانه تماماً، وعدم التعاطف معه، بل التسلية بتعذيبه، يحاول بدوره أن يسترجع لحظة من وجوده، فـ(المحاولة) التي يرجوها (ناج) تفشل بدورها، فكل من الرجل والمرأة عبارة عن أجساد مبتورة، وملقاة في صندوق قمامة، فلا مزيد من محاولات الهراء والتفاهات الإنسانية.
فعل اللاجدوى هذا يرافق الشخصيات كظلها، وإن كان هناك جحيم يُسمى الزمن، إلا أن الفكاك منه عن طريق الوهم الأكبر (الأمل) لا وجود له بالتبعية.. فـ(كلوف) رغم أنه يُجاهد في إحضار منظاره المُقرّب، وفق أوامر سيده (هام)، وذهابه إلى النافذة مُطالعاً الأفق ـ فعل دائم متكرر ـ باحثاً عن أي شيء قد يبدو من بعيد، إلا أن الإجابة بدورها متكررة ولا تختلف، فيقول.. «لا شيء.. لا شيء.. لا شيء».

«القدس العربي»:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب