ثقافة وفنون

فيلم «الجوكر» في نسخته الثانية: آرثر فليك لايجد خلاصه

فيلم «الجوكر» في نسخته الثانية: آرثر فليك لايجد خلاصه

نسرين سيد أحمد

 لا يمكن الحديث عن فيلم «جوكر: فولي آ دو»  لتود فيلبس، الذي يعرض في دور العرض في لندن والعديد من الدول حاليا، بمعزل عن الجزء الأول من الفيلم، وهو فيلم «جوكر» (2019)، الذي حقق نجاحا جماهيريا ونقديا ضخما، وحاز جائزة الأسد الذهبي في مهرجان فينيسيا لذلك العام، كما حصد بطله واكين فينيكس جائزة أفضل ممثل في مهرجان فينيسا وجائزة أوسكار أفضل ممثل عام 2020 عن أدائه لشخصية آرثر فليك، الشخصية المحورية في الفيلم.
كما لا يمكن الحديث عن «جوكر» بجزئيه دون الحديث عن شخصية آرثر فليك، والتعمق في دراستها، فهي جوهر الفيلم ومحوره وقلبه النابض. حين تتبادر إلى أذهاننا شخصية الجوكر، كما عرفناها في العديد من الافلام، يمثل أمامنا المهرج الذي يخفي اضطرابه النفسي وراء قناع من المكياج الصارخ وابتسامة زائفة، ويخطط لعنف دام وعالم تسود فيه الفوضى. أصبح الجوكر، كما جسده من قبل جاك نيكلسون وهيث ليدجر، رمزا للعدمية، والرغبة في الفناء وإفناء العالم.  أصبح الجوكر بتجسيداته السينمائية المتعددة أسطورة وشخصية مؤسسة في ميثولوجيا العدميين. وحين قرر تود فيلبس التطرق إليها في فيلمه «جوكر» عام 2019، كان التساؤل، أو ربما الاستهجان، هو ما الجديد الذي يمكن لفيلبس أن يقدمه بعد كل التجليات السينمائية السابقة للجوكر. كان التخوف الرئيسي هو أن يقدم فيلبس نسخة مكررة من الجوكر كما شاهدناه في أفلام سابقة. ولكن ما قدمه فيلبس كان أصيلا جديدا لا يشبه ما جاء قبله من صور للجوكر. جاء جوكر تود فيلبس شخصية خذلها العالم، ولم يلق منه حباً أو تفهما، على الرغم من أنه كان يسعى حقا إلى إسعاد الناس ورسم ابتسامة بهجة على وجوههم عن طريق عمله كمهرج.

جاءنا الجوكر في فيلم فيلبس قبل أن يرتدي قناعه الدامي المخيف، جاءنا حاملا اسمه الأصلي آرثر فليك، ذلك الشاب الذي خذله الجميع وتنصل منه المجتمع. آرثر يكاد يكون طفلا في جسد رجل، لم يبرح بيت أمه، ويمنعه خجله الجم وعدم تكيفه الاجتماعي من أن يكون له أصدقاء أو حبيبة. هو شخص يتعرض للتنمر ويلفظه المجتمع، ويخذله النظام الصحي في مدينته غوثام، حيث يعيش، بعد أن تؤدي الأزمة الاقتصادية إلى إغلاق المراكز الصحية التي كان يتلقى منها الدواء اللازم لحالته النفسية. ورغم كل هذا الألم يعيش آرثر بحلم واحد هو إضحاك الجميع. زرعت أمه في نفسه الاعتقاد بأن مرضه بالضحك اللاإرادي جاء لحكمة كونية، فمهمته التي أرادتها له الحياة هو أن يُضحك الناس وأن يبث فيهم السعادة. يعيش آرثر بهدف واحد وهو أن يصبح كوميديا عظيما، يتفتق ذهنه عن نكات تضحك الجميع وتسعدهم.

لا يدور فيلم فيلبس بجزئيه عن القتل والعنف، ولكن جوهره هو البحث عن الحب والرحمة والتفهم، في عالم بالغ القسوة. لا يبادر آرثر قط بالقسوة أو العنف، وكل ما يبحث عنه هو بعض التفهم لحالته المرضية وآلامه النفسية، وعن فرصة لإضحاك الآخرين بنكاته. يبحث آرثر عن سند أو عن بعض الحب فلا يجده إلا في أمه التي تحاول أن تشجع حلمه الطفولي في إضحاك الناس وإسعادهم، كما يصبح المذيع التلفزيوني الشهير، موراي فرانكلين (روبرت دي نيرو) الرمز والقدوة والمثال بالنسبة له. لكن ذلك العالم الطفولي الهش الذي بناه آرثر لنفسه يتداعى عندما يعرف أن أمه ليست والدته ولكن أمه بالتبني، بينما أمه الحقيقية مريضة عقليا، تجرع آرثر صنوف البطش والتحرش والاعتداء على يد أزواجها، دون أن تحاول حماية صغيرها من هذا الاعتداء والتنكيل. ويكتمل انهيار عالم آرثر عندما يتعرض للتنمر والسخرية والاستهزاء على يد نجمه المفضل وقدوته، موراي فرانكلين، الذي يعرض مقطعا يتلعثم فيه آرثر، وهو يلقي نكاته، فيجعل من آرثر أضحوكة في برنامجه التلفزيوني الشهير الذي يشاهده الملايين.

حقق الجزء الأول من الجوكر نجاحا باهرا على الصعيدين الجماهيري والنقدي، والآن يقف فيلبس أمام مواجهة جديدة، فهو يقدم جزءا جديدا من الفيلم، وكان السؤال الذي يتبادر للأذهان هل يحقق الجزء الثاني النجاح نفسه الذي حققه الجزء الأول؟ وفي الجزء الثاني لا يواجه فيلبس توقعات الجمهور فحسب، بل يواجه تحديه الفني والتقني لذاته، حيث اختار أن يكون الجزء الثاني من الفيلم غنائيا موسيقيا، فكيف لعالم آرثر فليك المحطم نفسيا الملفوظ مجتمعيا أن يتحول لعالم استعراضي موسيقي.

لكن فيلبس ينجح في إقناعنا بأن الغناء والموسيقى جزء لا يتجزأ من عالم آرثر. نحن نعلم أن آرثر يحلم بأن يكون كوميديا شهيرا ويحلم بالأضواء وبإضحاك جمهوره، وهو في عالمه كمهرج كثيرا ما يتمايل مع الموسيقى، كما أننا نشاهده في الجزء الأول يتمايل على أنغام موسيقى لا يسمعها إلا سواه بينما يتداعى عالم مدينته غوثام. يحاول آرثر إسكات ضجيج العالم غير المفهوم المفتقر للرحمة بالعيش في فقاعته الخاصة التي يعيش فيها، على نغمات إيقاع يفصله عن العالم المرير. يعيش آرثر في عالمه الداخلي المنعزل عن ضجيج العالم، ويعيش وفقا لإيقاعه الخاص وموسيقاه، وبعد أن يتحول إلى أسطورة الجوكر التي تلتف حولها الجماهير في شوارع غوثام، يظل كما هو الشخص الوحيد الذي يعيش في عالمه الخاص ويتراقص على موسيقاه الداخلية، رغم جموع المعجبين والأعداء المحيطة به. يتخذ فيلبس هذا الرابط الموسيقي بين الفيلمين ليصحبنا في رحلة داخل عقل آرثر المعتل وداخل شخصيته التي تتراوح بين العنف الدامي المفرط والهشاشة والرهافة المفرطة، ولكن هل هناك ما يدعو حقا إلى هذه الرحلة الموسيقية التي نشاهدها في الجزء الثاني؟ ألم يعرفنا الجزء الأول من الفيلم بما يكفي على شخصية آرثر؟ ألم يؤسس الجزء الأول من الفيلم بصورة لا لبس فيها الخراب الداخلي لآرثر وأسبابه لأن يكون ما أصبح عليه؟

وتتزايد تساؤلاتنا عن الجدوى من الجزء الثاني من الفيلم عندما يقرر فيلبس تقديم شخصية هارلي كوين (ليدي غاغا) لتكون حبيبة آرثر وداعمته وملاذه. في الجزء الأول يلاقي آرثر الخذلان على يد الجميع، حتى من تصور أنهم ملاذه، فهل تخذله هارلي في الجزء الثاني؟ ولكن وجودها يجعلنا نتساءل هل أضاف حضورها شيئا إلى الفيلم؟ هل قدمت بعدا لا نعرفه عن آرثر؟
نشاهد الجزء الثاني من الجوكر آملين في أن يقدم لنا إضاءة جديدة لشخصية آرثر أو رؤية جديدة، أو حتى تعمقا بمعرفتنا به ولكن الفيلم في توسعه ليشمل شخصية هارلي كوين وليقدم ما يعانيه آرثر في سجنه لا يقدم جديدا ولا يمنحنا فهما معمقا لشخصية آرثر التي خبرناها جيدا في الجزء الأول.

كاتبة مصرية

– «القدس العربي»:

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب