
أنا وهي والقمر
بقلم حسين عبدالله جمعة
جلست على شرفتي أرقب القمر. كان أقرب من العادة، كأنه يريد أن يجاورني، أن يحادثني، أن يبوح بما لا يُقال. رسمت له ملامح وجه: عينان، أنف، ولحية، وكنت أحاول أن أفهمه. ابتسم حيناً، وبدت عليه الكآبة حيناً آخر. لم يكن على عجلة، بل بدا كمن يحارب الغيمات العابرة ليبقى أمامي وحدي. في صمت الليل كنتُ أسمع هديل الطيور المهاجرة، أصوات أيلول الذي علّمني الانتظار. أما هو، فظلّ يرسل إليّ إشارات، يقترب أكثر فأكثر، كأنه يتوسل النزول من عليائه، لكنه عاجز عن التقمص. حين طلع الصباح، أعددت قهوتي وجلست على اليمين من طلته لأبقيه رفيق دربي. حتى حين استقليت الباص المتجه إلى بيروت، لم أرضَ إلا بمقعد على الجهة اليمنى، حيث يبقى وجهي مقابلاً له. مضينا معاً عبر التلال والسهول، يرافقني ويواسيني بصمته المضيء، حتى ابتلعته الجبال وراء شتورا. هناك شعرت بالفراغ، وبأن شيئاً مني غاب معه. لكن القمر لا يرحل تماماً… حين وصلت إلى البحر، سمعت صوته في هدير الموج، ورأيته في عينيها حين وضعت رأسها على صدري وقالت: “دقاتك متعبة… لكنها تشبه الحياة.” ابتسمت. عندها أيقنت أن القمر لم يغب، بل عاد إليّ في هيئةٍ أخرى، أكثر دفئاً… وأكثر صدقاً.
حسين عبدالله جمعه سعدنايل – لبنان