لا تكن سببا في إزالة كلّ حسن – معمر حبار

لا تكن سببا في إزالة كلّ حسن – معمر حبار
كتب صديقنا Mahammed Bouabdallah عبر صفحته منشورا[1]، جاء فيه:
“قد أكون مبالغا نوعا ما، ولكني أرى أن عادتنا في افتتاح كل مناسبة ثقافية أو اجتماعية أو علمية، بتلاوة آيات من القرآن الحكيم، هي ممارسة علمانيةٌ بامتياز، تكرّس لفكرة البركة في القرآن في مواضع محدودة، ثمّ تحييد هذا الذكر الحكيم من كلّ مناحي الحياة.”.
وانظر إلى صنيع القنوات الإعلامية منذ نشأت في عالمنا العربي، فهي تفتح بالقرآن وتختم به، وما بين الافتتاح والاختتام منكرات لا يرضاها الشرع الحنيف. بل إن الإذاعات العربية التي كانت تبثّ من العواصم الغربية كانت تفتتح بالقرآن. ولو كانت تعلم تأثير هذه الممارسة في عالمنا العربي، لما اتّخذت هذه العادة إطلاقا.
قناعتي أنّ افتتاحنا بالقرآن وبالنسبة الوطني، إنما هو علمانية مقيتة، وتستّر بالوطنية، لا نجد مصداقه في واقع الناس ألبتّة… على الأقلّ هذا ما صرت أقتنع به إلى اليوم…”.
القناعة بافتتاح المجالس بالقرآن الكريم:
أقول: ختم صديقنا قوله من: “ما صرت أقتنع به إلى اليوم”. والقناعة تحترم، ولا تفرض. وصديقه معمر ينطلق من “ما صرت أقتنع به إلى اليوم”. فهي إضافة. راجيا أن تكون فاعلة.
حافظوا على عادة افتتاح المجالس بالقرآن الكريم:
افتتح صديقنا قوله، بـ: “ولكني أرى أن عادتنا…”.
أقول: أحسن إذ تعامل مع المسألة على أنّها عادة. ونتعامل معها على أنّها كذلك. لأنّ العادة تتبع المجتمع. حسنة كانت، أو سيّئة. وافتتاح المجالس -في الجزائر وغيرها-بآيات من القرآن الكريم عادة حسنة. ورثها الأبناء عن الآباء. فلا يلام فاعلها. بل يشكر، ويمتدح. ولا يسأل عن دواعيها، ولا أسبابها. خاصّة حين تكون العادة حسنة. وضمن عادات المجتمع الحسنة. التي يقرّها أهل الرأي، والحكمة، والتجربة.
العادة الحسنة لا يضيرها من أساء إليها:
العادة الحسنة لافتتاح المجالس بالقرآن الكريم لا يضيرها من أساء استخدامها: “القنوات الإعلامية”، و” تحييد هذا الذكر الحكيم من كلّ مناحي الحياة”، و” منكرات لا يرضاها الشرع الحنيف”. لأنّ السّوء الذي لحق بها من البعض. طارئ على صفائها، ونقائها. وليس نابعا منها. والقرآن الكريم أجلّ، وأعظم. وبريء من التّصرفات السّيّئة التي لحقت به من بعض الذين أساؤوا له عمدا، أو سهوا.
العادة الحسنة لافتتاح المجالس بالقرآن الكريم تقوّم ولا تلغى:
بما أنّ افتتاح المجالس بالقرآن الكريم عادة حسنة. رضي بها المجتمع الجزائري -وغيره-، وأقرّها، وعمل بها، وما زال. وانتاب هذه العادة -وغيرها من العادات- بعض السّوء. الذي أساء لصفاء هذه العادة، ونقائها، والغاية العليا التي لأجلها كانت. وقد ذكر صديقنا بعضا منها لمن أراد الزّيادة.
المطلوب: إبقاء العادة الحسنة على حالها ما دامت حسنة. وإبعاد كلّ ما يسئ لها من قول، أو فعل. وهكذا يحافظ المجتمع على العادة الحسنة، ويساهم في ترسيخها، وتعميمها. وفي الوقت نفسه يساهم في اجتثاث ما لحق بها من شوائب عبر الزّمن، وبعض السّوء المسيء لها.
كلّ العادات الحسنة لحقها بعض السّوء:
لو ألغى المجتمع كلّ عادة حسنة لحقها بعض السّوء من طرف أهلها، ومستعمليها، وأعدائها. لبقي المجتمع يتيما لا يعرف له عادة حسنة يعود إليها، ويستأنس بها، وينقلها للأحفاد. كما نقلها الآباء عن الأجداد.
نتشبّث بالعادات الحسنة ولو ألحق بها بعض السّوء:
لا أبالغ إذا قلت أنّه لا يوجد عادة من العادات الحسنة للمجتمعات الجزائري -وغيره- لم يمسّها بعض السّوء في القول، والفعل. من طرف المتشبّثين بها، والكارهين لها. لكن رغم ذلك يظلّ المجتمع يتمسّك بعاداته الحسنة. ولا يوقفه عن ممارستها من أساء لها عمدا، أو سهوا.
كلّ العادات الحسنة عبر الزّمن، والأجيال. يلحقها بعض السّوء النّاجم عن تطوّر المجتمع، والثّقافة، والسياسة، والوسائل. وهذه ظاهرة صحية وعالمية. وهي طارئة على كلّ العادات والمجتمعات.
لا نطالب بفرض العادات الحسنة، ولا بإلغاء من مسّها السّوء:
لا يفهم من حديثنا أنّ صاحب هذه الأسطر يطالب بفرض افتتاح المجالس بالقرآن الكريم. فهي عادة حسنة لمن أراد. يشكر من قام بها. ولا يعاتب تاركها.
وفي الوقت نفسه، لا يمكن بحال إلغاء كلّ عادة حسنة. مسّها بعض السّوء من طرف أصحابها، والمحاربين لها. فإنّ ذلك يستدعي إلغاء المجتمع بأكمله. وهذا ممّا لم يقل به عاقل.
خاتمة المحبّ لصديقنا محمّد بوعبد الله:
وفّق الله صديقنا لما ذهب إليه من زاويته. راجين أن يقبل إضافة صديقه قبولا حسنا. والتي تعتبر من العادات الحسنة. التي يجب أن يحافظ عليها المجتمع. ولو مسّها بعض السّوء. الذي نظلّ نحسن الظّنّ بأصحابه.
الثّلاثاء 17 ربيع الأوّل 1447هـ، الموافق ل 9 سبتمبر 2025
الشرفة – الشلف – الجزائر
[1] عنوان: #خارج_السرب
وبتاريخ: الأحد 15 ربيع الأوّل 1447هـ، الموافق لـ: 7 سبتمبر 2025