كتب

«خطوات» فيلم جديد يسبق مشروع السينمائي الصغير في غزة

«خطوات» فيلم جديد يسبق مشروع السينمائي الصغير في غزة

كمال القاضي

لا تزال إبداعات السينما الفلسطينية تتوالى برغم الحرب الضروس التي شنها الكيان الصهيوني منذ عام وما زالت مستمرة إلى الآن. الغريب ليس هو استمرار الإنتاج السينمائي الفلسطيني بطاقته المحدودة، وإنما الأكثر غرابة أن تُنتج الأفلام وتُطلق المشروعات السينمائية الجديدة داخل مدينة غزة ذاتها التي تُمثل مسرح الأحداث وتتم داخلها جرائم الحرب والإبادة بشكل يومي وعلى مدار الساعة.
آخر الأعمال السينمائية التي يطلع المخرج السينمائي سعود مهنا بتنفيذها مع رفيق دربه ومشواره، المونتير والمخرج يوسف خطاب هو الفيلم التسجيلي «خطوات» الذي يسجل ويوثق وقائع النشاط الإنساني لبطلة الفيلم المهندسة ندى خشان، تلك الفتاة التي تخصصت في العمل التطوعي الخدمي منذ سنوات لتلبية احتياجات أهل غزة وبقية المُدن والقرى المجاورة، بالسعي لإنهاء مشاكل الدواء والكساء عبر اتصالات مُكثفة مع الجهات والكيانات المنوط بها تقديم هذا النوع من المساعدات الإنسانية الضرورية.
ولأن ندى تنتمي لأسرة متوسطة ولا تملك غير همتها ونشاطها ودأبها فقد لفتت نظر المخرج سعود مهنا، رئيس مُلتقى الفيلم الفلسطيني فاتخذها نموذجاً ومثالاً للشخصية الجادة المتعاونة وآثر أن يوثق جزءا من سيرتها وحياتها ضمن مكونات فيلمه التسجيلي المهم «خطوات».
وجاء العنوان مُرتبطاً بما تقطعه أقدام الفتاة النشيطة من مسافات طويلة للبحث عن أصحاب الحاجات وهي لا تحمل معها أكثر من هاتف محمول مُسجل به عدة أرقام لعدد من المُنظمات الخيرية وبعض الشخصيات من الراغبين في تقديم المُساعدات المجانية بلا أدنى مُقابل.
لقد ظهرت المهندسة ندى خشان وهي تسير ببطء بخطوات راسخة ثم سرعان ما توسطت الكادر السينمائي مع بداية الأحداث وهي تروي بإيجاز حكايتها مع العمل التطوعي الذي بدأت فيه منذ فترة طويلة قبل الحرب واستمرت لما بعد الحرب والدمار، فلم تخش الفتاة الوطنية المُتحمسة من تسارع وتيرة الحرب وعمليات الاستهداف الدائمة من جانب العدو.
لكنها ازدادت إصراراً على القيام بواجبها الوطني تجاه أهلها وبلادها فسعت إلى توسيع دائرة التطوع لتشمل التبرع بالدم والعلاج وتجهيز مواقع التطبيب والإسعافات وتكوين فريق عمل مُتميز من الأطباء والمُمرضين والمُمرضات لتكتمل العملية الطبية بقدر الإمكان.

توفير الجو النفسي
الصحي للأطفال

لم يقتصر نشاط ندى خشان على هذه المهام بل امتدت مساعداتها لتشمل الترفيه أيضاً وتوفير الجو النفسي الصحي للأطفال للمساعدة على خروجهم من أجواء الكآبة نتيجة الفزع والخوف الشديدين من تكرار القصف والترويع وصور الدماء والقتلى، فعمدت إلى تخصيص أماكن معينة للعب وممارسة الهوايات والتنفيس عن الرغبات المكبوتة لدى الصغار في الاستمتاع باللهو والجري والمرح في مناخ أقل خطورة يشوبه الاطمئنان والراحة.
ويتطرق المخرج سعود مهنا إلى عالم ندى الخاص فيفرد مساحة لحديث والدها الذي يُبدي سعادة بالغة باجتهاد ابنته وسعيها من خلال عملها التطوعي لخدمة الفلسطينيين من داخل وخارج غزة، فهو رغم خوفه الشديد عليها من المُغامرة بالتحرك والتنقل السريع من مكان إلى مكان لم يُصادر حريتها ولم يقوض نشاطها الإنساني الخيري المرموق، واكتفي فقط بالدعاء لها والابتهال إلى الله بأن يحفظها من شرور الأعداء ويردها إليه في كل مرة من مرات ذهابها وإيابها سالمة غانمة.
هكذا حرص مهنا على إبراز هذا الجانب من علاقة الأب بابنته المُناضلة الجسورة، بيد أنه تتبع مسيرتها وخطواتها وهي تمشي بين خيام الإيواء تسأل عن المريض والجائع من الأطفال والنساء والعجائز من كبار السن.
وفي وقت اختلائها بنفسها داخل مخيم إيوائها مع عائلتها تتبعتها أيضاً الكاميرا وهي تحسب حساباتها وترسم خطواتها القادمة على خريطة السعي الجديدة في الأيام المُقبلة استعداداً لتنفيذ برنامجها المُعتاد.
وبالطبع كانت الموسيقى التصويرية بدورها مُعززة لإحساس المُشاهد بالتفاصيل ومؤثرة بقوة على مسألة الاستقبال والتفاعل والانفعال باللحظات العابرة والدقيقة من معاناة البطلة ومتعتها بدورها المحوري الرائد في تأمين حياة الكبار والصغار بتوفير حد الكفاية من الاحتياجات والعناية بحل مُشكلاتهم اليومية.

السينمائي الصغير

وعلى جانب آخر دخل الإبداع السينمائي الفلسطيني مرحلة جديدة ومتطورة تتمثل في إطلاق مشروع جاد وحيوي يهدف إلى تنمية الوعي بأهمية السينما كفن وصناعة ووسيلة أساسية من وسائل التوثيق والتسجيل للأحداث الجسام والبطولات المصاحبة لها من أبناء الشعب البطل الذي يأبى الهزيمة والاستسلام.
وقد أطلقت مُبادرة السينمائي الصغير بتشجيع من جمعية الإنسان التنموية بالشراكة مع شبكة المُنظمات الأهلية الفلسطينية وتحت إشراف المخرج سعود مهنا رئيس مُلتقى الفيلم الفلسطيني والمخرج يوسف خطاب.
وتهدف المُبادرة السينمائية إلى تدريب الأطفال على الإبداع السينمائي والمشاركة بالأفكار والمُقترحات في صناعة أفلام تتحدث عن تجاربهم الشخصية داخل مخيمات النزوح والإيواء من خلال كتابة سيناريوهات تُسجل يومياتهم في ظل الحرب ومُشاهداتهم الخاصة للقصف وآثار التدمير، حتى لا تُمحى من ذاكرتهم المُمارسات الهمجية والعدوانية للعدو الإسرائيلي على مر السنين ويبقى الثأر هدفاً وغاية للأبطال والفدائيين من الأجيال الشابة القادمة في المستقبل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب