مقالات

قناة بن غوريون __ ( صراع المصالح ) __ بقلم حسين أبو الهيجاء

بقلم حسين أبو الهيجاء

قناة بن غوريون __ ( صراع المصالح ) __

بقلم حسين أبو الهيجاء

.. و رد ذكر قناة بن غوريون المقترحة ( التي تربط خليج العقبة / ايلات ، على البحر الاحمر بالبحر المتوسط ) للمرة الاولى ، في عهد رئيس وزراء دولة الكيان الاول ” ديفيد بن غوريون ” ، في وثيقة سرية عام 1963م ، التي رُفعت عنها السرية و ظهرت إلى العلن في العام 1996 م ،
ما يعني أن مشروع قناة بن غوريون هو حلم قديم متجدد ، يهدف إلى إيجاد بديل عن ممر قناة السويس المصرية ، ألتي تعتبر ألممر الملاحي الأكثر أهمية في الحركة التجارية العالمية ، إذ يمرّ من خلالها نحو 20 % من السفن التي تعبر البحار ، و اقتربت وارداتها من 10 مليار $ سنوياْ ، بحسب أحدث التقارير ، خاصة بعد شق ممر الإتجاه المعاكس للقناة ، الذي بات يسمح بالحركة المستمرة للسفن بالاتجاهين ، مما ضاعف عدد السفن المارة عبر القناة .. !
أفادت المذكرات الدراسية المقدمة حول قناة بن غوريون ، التي تربط ميناء ايلات على البحر الاحمر بميناء أسدود الواقع جنوب يافا و شمال قطاع غزة ، على الساحل الشرقي للمتوسط ، إمكانية استخدام التفجيرات النووية لشق القناة ، بطول يبلغ 260 كيلومتراً ، أي أنها ستكون أطول من قناة السويس بنحو 70 كيلومتراً .
غير أن هناك جملة من الصعوبات و العقبات التي تعترض تنفيذ مشروع القناة ، مثل ( عدم التأكد من الجدوى الاقتصادية ، و القدرة على منافسة قناة السويس ، إضافة إلى التكلفة المرتفعة جداً لتنفيذ المشروع ، و التي تُقدر ب 55 مليار $ ، فضلاً عن الطبيعة الصخرية لخليج العقبة و كثافة التضاريس ، و ضيق عرض المدخل ، الذي تعترضه جزيرتا تيران و صنافير ، الأمر الذي يجعل الملاحة في هكذا ممر ، أكثر صعوبة و تعقيداً ) !

* نتنياهو يسوّق للمشروع اوروبياْ :

في يوليو الماضي ، أعلن رئيس وزراء الكيان ” بنيامين نتنياهو ” صراحة و بشكل رسمي ، أمام الأمم المتحدة ، عن خطة بـ 27 مليار دولار ، لتحديث شبكة سكك حديدية ، وبناء خط جديد من إيلات إلى أسدود ، بطول 350 كيلومتراً ، كخط بديل عن قناة السويس في التجارة الدولية ، بحيث تصل البضائع إلى ميناء إيلات ، ثم تنتقل براً إلى ميناء أسدود ، و العكس ، إلى جانب ممر مائي يتم التحضير له ( ممر بن جوريون ) ، و خطوط أنابيب لنقل الغاز و النفط ، يتم ربطها باليونان عبر أنابيب تحت الماء .. !

قدمت الدولة المصرية إعتراضاً شديد اللهجة على هذا المشروع ، مُهددة بقطع العلاقة مع “إسرائيل” ، غير أن حكومة الإحتلال لم تكترث لتلك الإعتراضات و التهديدات ، معتبرة أن العلاقات الدبلوماسية مع مصر شبه مقطوعة من حيث الأساس .
فقامت مصر بالتلويح بتهديدات التدخل العسكري ، لإفشال المشروع الذي اعتبرته مصر تهديداً لأمنها القومي ، و أيضاً لم تكترث حكومة الإحتلال للتهديد العسكري ، [[ الامر الذي يجعلنا اليوم ، أكثر تفهماً لاندفاع قوات الإحتلال في قطاع غزة ، و اندفاع مصر و استنفار قواتها للتصدي العسكري لمنع افراغ غزة من سكانها / كما سنرى و نفهم بعد قليل ابعاد الموضوع بمجمله ]] !
و في ظل المناكفات الأثيوبية مع مصر حول سد النهضة ، نشر موقع ” نيو بيزنس إثيوبيا ” في مارس 2023 ، تقريراً ، أن هناك مساعي تقوم بها إثيوبيا لتكون شريكاً مع إسرائيل في القناة البديلة لقناة السويس .. !

* أهمية الممر الملاحي لقناة بن غوريون :
يُفترض أن هكذا مشروع يقدم خدمات تجارية لدول اوروبا و دول آسيا و الشرق الاوسط ، خاصة الدول المنتجة للطاقة و الغاز ، ( المنافسة للغاز الروسي ) في الأسواق الاوروبية ..

و لكن لتحقيق تلك الفائدة ، و تمرير المشروع ، فان ذلك يتطلب ( سلاماً بين اسرائيل و دول الخليج ) ، التي يُشترط مرور خطوط السكك الحديدية لنقل البضائع من آسيا الى اوروبا و بالعكس ، إضافة إلى أنابيب النفط و الغاز من أراضيها ، (( السلام الاقتصادي )) ، و خاصة أراضي المملكة العربية السعودية ، اضافة الى البحرين و الامارات و الاردن ، و هو الامر الذي حاولت الإدارات الأمريكية مع حكومات الاحتلال ، تسويقه تحت اسم ( السلام الابراهيمي ) ! ، و في معنى أكثر وضوحاً ( الإستعمار الناعم ) !!

السلام الابراهيمي ، الذي اعتبرته السعودية تمريراً لمشروع (صفقة القرن ) المرفوضة عربياً ، الأمر الذي جعل مشروع قناة بن غوريون ، و الذي قوامه تطبيع العلاقات الاسرائيلية السعودية ، يصطدم ( بالشروط السعودية ) ، التي من ضمنها الاعتراف بدولة فلسطينية على حدود 4 حزيران 1967 ، و هو الشرط الذي يُفشل المشروع من أساسه ، باعتبار أن ارض الدولة الفلسطينية المتواصلة جغرافيا ، تقطع الطريق أمام المشروع ، و خاصة على مجرى قناة بن جوريون عبر ارض شمال قطاع غزة ( في نسختها الجديدة ) كما سنرى !

* ضربات مصر الاستباقية :
بالإضافة إلى شق مجرى ملاحي ثاني بالإتجاه المعاكس لقناة السويس ، أنشأت مصر مناطق اقتصادية حرة ، ومشاريع إستثمارية ذات قيمة مضافة ، لتستقطب الكثير من الاستثمارات الأجنبية ، خاصة الاستثمارات المتعلقة بالهيدروجين الأخضر !
كما أنشأت مصر العديد من المناطق الاقتصادية على مساحة 455 مليون متر حسب احدث التقارير .
إضافة إلى 4 مناطق صناعية ، و 6 موانئ ، باستثمارات إجمالية وصلت إلى 18 مليار دولار !
حيث زادت هذه التوسيعات من فاعلية الملاحة في المسار المزدوج ، وقللت من وقت العبور ، و قلّصت من وقت الإنتظار ، وخفّضت تكاليف خطوط الشحن ، الأمر الذي جعل المنافسة أكثر صعوبة على قناة بن غوريون !!

* المؤامرة على قناة السويس لن تتراجع :

في المقابل ، و في إطار سباق التنافس ، أعادت ” اسرائيل ” رسم ممر قناة بن غوريون ، بحيث تختصر المسافة ، و التكلفة
* تغيير المسار :
و لاختصار المسافة ، و تخفيض التكلفة الباهظة ، لجعل المنافسة ذات جدوى مع قناة السويس ، هناك حل واحد فقط ، و هو حل يحقق ” لاسرائيل ” أكثر من هدف إستراتيجي في ذات الوقت :
(( أن تمر القناة من شمال قطاع غزة ))
و بما أن ” إسرائيل ” يستحيل أن تقوم بتنفيذ المشروع بالشراكة مع الفلسطينيين ، لمنعهم من الاستفادة من عوائد القناة المارة بارض غزة ، و عائدات الميناء ، و غاز سواحل غزة ، إذاً ، لا بد من ( احتلال غزة ، و تهجير سكانها )

تقدمت اسرائيل بطلب قرض بقيمة 14 مليار $ ، بتسهيلات امريكية و اوروبية ، بفائدة 1% فقط ، و فترة سداد طويلة تمتد الى 30 عام ، للبدء بتنفيذ المشروع !

* تحضير مسرح العملية ، و تهيئة الأرضية للتنفيذ :

إذاً ، يجب الاستيلاء على غزة كاملة ، وبالتالي حفر قناة تربط بين إيلات و ميناء غزة ،
” و تجدر الاشارة هنا الى أن أرض غزة تسمح بحفر القناة بسهولة ، و تكلفة اقل ، و فترة زمنية اقصر ، بخلاف أراضي المنطقة الصخرية ” .
لذلك ، تسعى اسرائيل دائماً ، وبتأييد من الدول الغربية المستفيدة من ايجاد منافس لقناة السويس ، إلى إضعاف الفلسطينيين وطردهم من أراضيهم !!

* دعونا نمحو غزة عن الخريطة :

كانت دولة الكيان بانتظار أول حدث أمني واسع تقوم به حماس ضد الإحتلال ، بحيث يسمح لها بتضخيم ذلك الحدث قدر المستطاع ، و تسويقه عالمياً ، حتى تحصل على غطاء أمريكي اوروبي (متفق عليه مسبقاً ) ، يمكّن قوات الاحتلال من القيام بعملية تدمير القطاع و مسح معالمه ، و تحويله إلى منطقة غير قابلة للحياة ، و الدفع بسكانه إلى خارجه ، حتى يصبح القطاع أرضاً ( اسرائيلية ) ، لا حدود بينه و بين محيطه ” المحتل ” ، و إبعاد سكانه خارج الحدود ، حتى لا يشكلون أي حالة من حالات الهجوم أو عمليات التخريب أو الإرهاب ، أو أي تهديد لمجرى القناة المارة بأرض القطاع .. !

بالمقابل ، تخطط ” اسرائيل ” أيضاً لإقامة العديد من الوحدات السكنية ، و الفنادق و المرافق السياحية ،و مشاريع استثمارية ، على امتداد مجرى القناة العابرة لصحراء النقب ، مع إقامة كافة إجراءات الأمان و السلامة ، بما فبها مجسات في أعماق المياه قادرة على كشف حمولة السفن و فحصها و التأكد من سلامتها الامنية !

* ميناء غزة :
و ميناء غزة الذي ستنتهي اليه قناة بن غوريون المزعومة ، هو أحد أهم موانئ فلسطين . يقع شمال قطاع غزة ، ويبلغ عمقه قرابة 970 مترا ، ومساحته 48,000 مترا مربعا .. !
و تخطط ” اسرائيل ” لتوسعته و ربطه بميناء اسدود ، ليكون جاهزاً للمهمة الاستراتيجية !!
و إذا كان لدى مصر ميناء بورسعيد التجاري ، و العريش ، و الاسكندرية ، و العين السخنة ،، سيكون لدى ” اسرائيل ” ميناء غزة التجاري ، و حيفا ، و يافا ، و اسدود !!

* موقف مصر :

من هنا تصبح الصورة اكثر وضوحاً لِما يجري في غزة ، و مَن يقف خلفها ، و تتضح أبعاد هذا الدعم الغربي المرعب لحملة الإبادة و التهجير التي تمارسها قوات الإحتلال في القطاع النازف ، كما يصبح ما يجري في السودان و ليبيا و البحر الأحمر أكثر وضوحاً ،.. !
و كذلك يتضح الهدف من انتشار الأساطيل الغربية و الامريكية في المتوسط و الأحمر و بحر العرب ، للتصدي إلى أي جهة تحاول منع إسرائيل من تنفيذ المشروع الذي بدأت آلة الحرب الاسرائيلية بتنفيذه !!
كما يتضح الموقف المصري الصلب في وجه التهجير و تفريغ القطاع من سكانه ، و الرفض المصري الكامل لاعادة احتلال القطاع ، او حتى إدارته من أي جهة غير فلسطينية ، كما ترفض مصر إفراغ شمال القطاع و وسطه من سكانه ، و إبعادهم الى الجنوب ( بعيداً عن مجرى قناة بن غوريون ) ، و مطالبتها المجتمع الدولي بتغيير مسار التفاوض الى الاعتراف بدولة فلسطين على حدود 4 حزيران 1967 ، ذلك لقطع الطريق على قناة بن جوريون بواقع الجغرافيا !!

* أهم الأهداف من قناة بن غوريون – عبر غزة – :

1 – تفريغ فلسطين من سكانها ، و بالتالي القضاء على أمل الدولة الفلسطينية
2 – قطع الطريق أمام مشروع الحزام و الطريق الصيني ، لصالح طريق الهند الاقتصادي ، و بالتالي تقويض مشروع العالم متعدد الاقطاب ، فضلاً عن محاصرة الاقتصاد الصيني ، و ضرب أنابيب الغاز الروسي الشمالية ، عن طريق الإستحواذ على ( طريق الغاز و الطاقة الجنوبي ) ، و بالتالي ( تحرير دول اوروبا من استعمار الغاز الروسي ) ، و إعادة اوروبا الى بيت الطاعة الأمريكي !
3 – انشاء قناة بن غوريون ، كبديل عن قناة السويس سيمنح ” اسرائيل ” السيطرة على خطوط الملاحة الأهم عالمياً ، لتصبح الموانيء الإسرائيلية حلقة الوصل بين آسيا و أوروبا ، ( وتصبح مصالح دول المنطقة ، المُصدّرة للنفط والغاز ، مرتبطة بحكم الضرورة بالحفاظ على مصالح اسرائيل ) !
4 – مع محاولة تقويض مصر ، من خلال قناة بن غوريون كبديل عن قناة السويس ، هناك محاولات أيضاً لتكبيل مصر ، من خلال دعم إثيوبيا في بنائها سداً عملاقاً على نهر النيل ” سد النهضة ” ، إضافة الى تفتيت دولتي السودان وليبيا ، اللتان تمثلان عمقاً استراتيجياً للدولة المصرية جنوباً وغرباً !
5 – و الهدف الأهم ، هو أن شق هذه القناة يهدف إلى تمكين اسرائيل من السيطرة على ( حقول الغاز في المياه الاقتصادية الفلسطينية ، و الحقول المشتركة مع مصر ) ، و التي تْقدّر كمياتها بالمليارات ، كما تمكن اسرائيل من السيطرة على خطوط الملاحة الأهم عالميا ، وإلى أن تصبح ( إسرائيل ) حلقة وصل بين آسيا وأوروبا ، وبالتالي تكون المستفيدة ماديا ، والمتحكمة جغرافيا ، بحيث تصبح مصالح الأنظمة المصدّرة للغاز والنفط، أو المستقبلة للبضاعة الأوروبية والإسرائيلية ؛ ( مرتبطة بالمحافظة على مصالح الدولة العبرية ) ، و وجودها الدائم في البحر !
و بذلك تصبح ” اسرائيل ” هي الدولة التي تقود الاقليم ، و تفرض نفسها على رقعة شطرنج النظام العالمي !!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب