الغرب يكشّف عن أنيابه
بقلم: رامي صايغ- يافا-
من الصعب على كل مشرقي مثقّف ومتنوّر ومتعمّق في تاريخ البشريّة القديم والحديث أن يصف الغرب وكل ما أتى به عبر العصور بأنه أفضل حضارة جاءت بها الإنسانيّة، فتعمّق هذا المشرقيّ في التاريخ الشامل يكشف له كل الويلات والنكبات التي حصلت بسبب غطرسة هذا الغرب المتعجرف، ابتداءً من الامبراطورية اليونانيّة (ما قبل الميلاد) وحتى فترتنا هذه التي تعتبر من أصعب الفترات التي يعيشها الشرق بشكل عام والمشرق العربيّ بشكل خاص نتيجة هيمنة الغرب وأعوانه ضعفاء النفوس مِمّن يعتبرون عربًا. صراع الثقافات كان واحد من مصطلحات المؤرخين الذين وصفوا الحروبات بين الشرق والغرب على مدار التاريخ البشريّ، ولكن حينما نتعمق بهذه الصراعات، نجد أن العنف ما زال متجذّرًا في عقول ونفوس العالم الغربيّ ورؤساءه، وكأنهم لا يهتموا بماضيهم الدموي الحديث (بشكل خاص الحربين العالميتين اللتان أوقعتا مئات ملايين الضحايا بسبب جشعهم وغطرستهم وعنفهم اللّا إنسانيّ) منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى يومنا هذا. صحيح أن بين هذه الفترات صعدت قوة شرقيّة (غير عربيّة) بثياب الدولة العثمانيّة التي وصلت مشارف فيينا عاصمة المملكة النمساوية والتي سيطرت على أراضٍ غير تركيّة وطغت وتغطرست في المدن العربيّة والأجنبيّة، ولكنها في نهاية المطاف كانت تصارع الغرب الذي لم يهدأ ولو لفترة ولم يتنازل عن فكرته الاستعماريّة المجدّدة (بعد خسارة الحملات الصليبيّة الاستعماريّة الفاشلة) خاصّة من بعد الثورة الصناعيّة التي حصلت في جزيرة بريطانيا في القرن السابع عشر والتي استغلتها دول أوروبيّة والولايات المتحدة أكثر متأخرًا، بعد أن وصلتها من بريطانيا. الغرب كشف عن أنيابه (من جديد) بعد أن تم إخماد نيران الحرب العالميّة الثانية عام 1945 والتي أنهت حقبة وافتتحت حقبة أخرى ألا وهي الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفياتي وحلفائه في أفريقيا وآسيا وأميركا الجنوبيّة والتي انتهت بشكل رسمي عام 1990 حينما تفكّكت دولة الاتحاد السوفيتي التي ضمّت دول بأغلبها فقيرة وناشئة وضعيفة عسكريًا. دامت الهيمنة الغربيّة بقيادة الولايات المتحدة (التي قامت على أنقاض الشعب الأصلاني عام 1775م) حتى يومنا هذا، لكننا نشهد اليوم عصرًا جديدًا (شئنا أم أبينا) فيه تتكاتف الدول الشرقيّة (من آسيا) والبوليفاريّة (من أمريكا الجنوبيّة) أو بالأحرى الجنوبيّة وتقف صفًا واحدًا بوجه الغطرسة الغربيّة أو الشماليّة وتتحداها في جميع الأصعدة وبشكل خاص الصعيد الاقتصادي الذي يعتبر القلب النابض لكل كيان في العالم. في شباط من العام 2022 كشف مرة أخرى الغرب عن أنيابه حينما تحدّى روسيا واستفزّها على الحدود الأوكرانيّة وحصل على مراده وجرّ روسيا للحرب على أوكرانيا التي خسرت أراضيها الشرقيّة بسبب غبائها وسقوطها بفخ الغرب الذي يقوده "حلف شمال الأطلسي" ويشرف عليه رئيس الولايات المتحدة الصهيونيّ جو بايدن. ومنذ تلك اللحظة شاهدنا النفاق الغربيّ حينما تعاطف مع اللاجئين الأوكرانيين (قلوبنا معهم بالطبع) لأنهم مجرد بيض البشرة ويختلفون عن باقي المشرّدين واللاجئين المشرقيين من أفريقيا وسوريا وفلسطين. النفاق صار واضحًا وازداد وتيرةً حينما تعنّت وما زال يتعنّت الاتحاد الأوروبيّ بانحيازه للاحتلال الصهيونيّ على فلسطين الحبيبة وبشكل خاص من بعد السابع من أكتوبر حينما دخلت قوات مسلحة من قطاع غزة وفاجئت جيش الاحتلال واحتجزت العديد من الجنود والمدنيين من أجل التفاوض مع الكيان حول تحرير الأسرى الفلسطينيين القابعين في سجون الاحتلال. هذا النفاق بات واضحًا ومكشوفًا إذ لم يتدخّل الاتحاد الأوروبيّ ولو بمقولة واحدة يشجب فيها العدوان الدمويّ على أهالي قطاع غزة منذ الثامن من أكتوبر 2023 وحتى يومنا هذا. كميّة النفاق التي نشاهدها في هذه الأيام كشفت نية الغرب المتغطرس والذي سبّب للشرق دمارًا يخلفه دمار، ابتداءً من اتفاقيّة سايكس-بيكو المشؤومة بين بريطانيا وفرنسا عام 1916 لتقسيم الوطن العربي بينهما، تحت حجّة تجهيز وتأهيل الأقطار العربيّة للاستقلال، ومن بعده بعام حصل وعد بلفور المخزي والذي عكس انحياز الغرب بقيادة بريطانيا (أنذاك) للحركة الصهيونيّة التي خططت منذ أواخر القرن التاسع عشر للإستيطان في فلسطين وطرد شعبها الأصليّ بكل ثمن. دعونا لا ننسى الولايات المتحدة قائدة العالم الغربي منذ نهاية الحرب العالميّة الثانية عام 1945، والتي تشعر بأنها تخسر من هيمنتها في الشرق الأوسط من بعد انسحابها من العراق وأفغانستان والتي تحاول أن تبقي السيطرة عبر تحالفها مع دول الخليج وعلى رأسهم المملكة العربيّة السعوديّة، وأنها على دراية كافية بصعود قوة الدول الشرقيّة مثل الصين وإيران وروسيا التي ابتدأت تلعب دورًا جديدًا في الشرق الأوسط بشكل أو بآخر إذ شهدنا قبل بضعة أشهر المبادرة الصينيّة في المصالحة الإيرانيّة السعوديّة، وشهدنا التدخّل الروسيّ في سوريا منذ عام 2015 والإيرانيّ في كل من العراق وسوريا ولبنان (بغض النظر عن رفضنا كعرب بتدخّل أجنبيّ لدولنا العربيّة). الغرب يكشف عن أنيابه من جديد، بحيث وافق على اجتياح جيش الاحتلال لقطاع غزّة جوًا وبحرًا وبرًا، تحت الحجّة الوهميّة التي يصدّقها، ألا وهي حق دولة الاحتلال في الدفاع عن نفسها وهذه المرّة بذريعة القضاء على الإرهاب (أي حركة المقاومة الإسلاميّة في فلسطين-حماس) الذي شكّل خطرًا وجوديًا، حتى لو لم يعترف بذلك قادة الكيان العسكريّ والسياسيّ في بداية الحرب. الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكيّة يكشف عن أنيابه ليس فقط بإعطاء ضوء أخضر لحصول مجازر كبرى في قطاع غزة المحاصر منذ عام 2006، إنما أيضًا بمنع كشف الحقائق وبشيطنة العربي الفلسطيني المتّهم بالإرهاب بحد قول الغرب المسؤول الأول والأخير لنكبتنا الفلسطينيّة التي نعيش تراكماتها حتى يومنا هذا. إنه ليس صراع الثقافات كما عبّر عنه بعض المفكّرين الغربيين، بل صراع الخير والشر، السلام والحرب، المسالمة والعنف. شيطنة كل من هو فلسطيني يعكس الشيطنة بحد ذاتها التي سيطرت على أغلب متّخذي القرارات للأسف الشديد، لأنه لا يمكن حجب الحقائق مهما مر الزمن، ولا يمكن استمرار الاحتلال لأي شعب كان على وجه الأرض، ودعونا لا ننسى المثل العربيّ الأصيل والمعبّر خاصّة في هذه الظروف: حبل الكذب قصير فمهما حاول الغرب زرع الكذب ومحاولة ترسيخه فلن يستطيع، لأن قوى الخير أقوى من كل كذب وشرّ.