اعتراف ماكرون متأخر
بقلم الدكتور ضرغام الدباغ
نوفمبر / 2024
اعتراف الرئيس الفرنسي ماكرون اليوم (2 / نوفمبر /2024)، قيام القوات الفرنسية المحتلة بتنفيذ القتل العمد للقائد الجزائري العربي بن مهيدي (أسمه العربي) الذي تمكنت قوات الاحتلال من أسره، ومؤخرا (2001) أعترف القائد العسكري الفرنسي بقتل القائد الجزائري الأسير بيده.
فرنسا تريد ترتيب علاقاتها الخارجية، وابتداء ذلك لمحيطها القريب المهم الأقطار العربية في شمال أفريقيا، وهذا يعني في الوقت نفسه، التخلي عن محاولات لم تثمر بشيئ يستحق الذكر والعناء، في التغلغل والتخريب في مجتمعاته، الآن فرنسا أدركت أن عليها التخلي عن الأحلام الاستعمارية الامبراطورية، والاتجاه واقعياً إلى علاقات متكافئة. ومن ذلك قبولها الشرط الجزائري لإقامة علاقات طبيعية، هو الاعتراف بالماضي الاجرامي، والاعتراف كشرط والذي قبلته فرنسا يعني بالطبع قبل كل شيئ إقرارا بملايين الجرائم التي ارتكبت وعلى جميع الأصعدة ومن تلك حتى تلويث الأرض والتراب والحجر بالمواد المشعة، والتي مازالت آثارها ليومنا هذا في الجزائر. وهذا يعني في مقدمة ما يعني ايضاَ، أن احتلالها كان الجريمة الكبرى التي يصعب تقدير قيمتها، وأن الاعتداء هو أسلوب مخالف للقانون الطبيعي للعلاقات بين الدول والمجتمعات والأفراد.
ومما يعنيه هذا الدرس الجزائري الكبير، وقبله الدرس المغربي، أن أمام الإرادة الوطنية الشريفة، المعتمدة على الاجماع الشعبي، لا تقف امامه دول كبرى ولا صغرى، فمرتكب الجريمة هو مجرم، لا يوجد مجرم كبير ومجرم صغير، أيا كان أسمه ولون عينيه وشعر رأسه ومعتقده الديني فهو مجرم. كما من المعلوم أن الجرائم ضد الإنسانية هي من الجرائم التي لا تسقط بالتقادم ولو بعد قرون …! هي جرائم تضع مرتكبها في قفص الاتهام.
من يحقق العدالة، من يأخذ بحق القائد بن مهيدي الذي اغتيل في الأسر عام 1957..؟ جزئياً أخذ القائد بن مهيدي حقه، جزئيا وليس تاماً، الجنرال القاتل(بول أوسارس) يجب أن يجرد من رتبته العسكرية وأوسمته وشرفه العسكري، فهو قاتل، ونظرية ” قمت بالعمل تلبية للأوامر ” لا تعفي أي قاتل من الجريمة ومن المحاكمة والعقاب، وقد نظرت محكمة نورنبرغ Nürnberg / ألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية بقضايا جرائم الحرب، وأسقطت فرضية (تلقيت الأوامر من قادتي) ولا تعتبر دفعاً لتهم جنائية. فالبشر ليسوا مرغمين على ارتكاب الجرائم بناء على أوامر ولا أي دافع.
وفي رؤية قانونية بحتة، نرى أن هناك كماً كبيرا جداً من جرائم الحرب حدثت في العراق بعد الاحتلال، وفي غالبيتها موثقة صورة وصوت، وبالاعترافات الصريحة، وكلها صالحة كملفات لدفعها أمام العدالة، وهذا آت في يوم لا ريب فيه طال الزمن أو قصر.