صراع الاقطاب إلى أين؟
بقلم: رامي صايغ، يافا
تشهد الساحة السياسيّة منذ عدّة سنوات تغييرًا جذريًا في ميزان القوى بين الدول ولا سيّما بين قطب الدول الغربيّة بقيادة
الولايات المتحدة (التي جلبت وما زالت تجلب الويلات لشعوب العالم ) وبين قطب دول الجنوب الأحرار
والمعادية للإمبرياليّة والاستعمار الاستيطانيّ المتوحش والظالم والمتغطرس حتى يومنا هذا، القطب الذي سمي في الماضي بدول عدم الانحياز وهو في الواقع منحاز للحريّة ومعادٍ للهيمنة الأمريكيّة الخانقة لحريّات الشعوب المسحوقة.
صراع الأقطاب لم يبدأ حديثًا، ولكنّه للأسف يتجدد ما دامت الحياة على الكرة الأرضيّة مستمرّة (بعض من هذه الدول تقرر
مصير ديمومة الحياة ولكن بشكلٍ سلبيّ وقذر بحيث تشجع استمرار التسلّح والصناعات العسكريّة والثقيلة بالإضافة إلى
تخريب البيئة وغيرها من الأفعال المخطئة بحق البشريّة) ولطالما الحياة مستمرّة لا بد من تواجد الصراعات كالصراع الذي
نشهده في السنوات الأخيرة بين دول الشمال والجنوب أو بين الغرب وحلفاءه أمام دول شرقيّة ولاتينيّة وللتوضيح أكثر،
الصراع بين الولايات المتحدة وأذنابها من أوروبا وأنظمة عربيّة وبين الصين وروسيا وإيران ودول أفريقيّة ولاتينيّة من قارة
أمريكا الجنوبيّة.هذا الصراع هو ليس وليد اليوم بل مستمر منذ عدّة عقود وبالتحديد منذ انتهاء الحرب العالميّة الثانية عام 1945م إذ شهد العالم الحرب الباردة بين الغرب والاتحاد السوفيتي ومن ثم تفكك هذا الاتحاد عام 1990م لتصبح هيمنة الغرب الوحيدة في العالم حتى صعود قوى جديدة في آسيا مثل الصين وروسيا وإيران والهند (الهند في هذه الحالة غير معادية للغرب ولكنها عضو ناشط في مؤسسة بريكس غير الغربيّة والتي تضم البرازيل والصين وروسيا وجنوب أفريقيا) بالإضافة إلى دول أمريكا اللاتينيّة البوليفاريّة الاشتراكيّة مثل فنزويلا وكولومبيا اللتان تقفان بقوة وعزم مع القضيّة الفلسطينيّة العادلة وتعارضان الهيمنة الأمريكيّة على اتخاذ القرارات الدوليّة والغطرسة اللامتناهية في الشؤون السياسيّة في العالم ولا سيّما في بلاد الشام الجريح.
هذان القطبان حتى لو أنكر وجودهما تحت حجّة تعدد الأقطاب، هما بالفعل يشكلان القوى العالميّة المتصارعة والمتصادمة
بسبب هيمنة الغرب على معظم دول العالم وشعوبه وخيراته. هذه الهيمنة لا بد من كسرها من أجل تحقيق العدالة الحقيقية على أرض الواقع ولا سيّما في دول تسمى بالفقيرة رغم غناها الطبيعيّ مثل دول البريكس وغيرها من آسيا وأفريقيا وأمريكا
اللاتينيّة. ولكن للأسف الشديد هذه العدالة لن تتحقق قريبًا ولكنها ستتحقق في نهاية المطاف لأن الدول المسحوقة استيقظت وأدركت نقاط قوّتها واليوم أصبحت واعية بما فيه الكفاية لتقف أمام التحديّات الداخليّة والخارجيّة في الاقتصاد والسياسة الدوليّة. على سبيل المثال دولتا بنغلادش وسريلانكا أصبحتا في مرحلة الإصلاح الشامل بعد أن تخلص البنغلادشيين من النظام الفاسد بالثورة الشعبيّة وتمّ تعيين حكومة جديدة، أما السريلانكيين استطاعوا أن يحققوا ثورة بالطريقة السلميّة والديمقراطيّة بحيث تم انتخاب رئيس يساري لأول مرّة في تاريخ بلادهم والذي فاز أيضًا هو وحزبه في الانتخابات البرلمانيّة قبل بضعة أيّام ليعكس إرادة الشعب ومطالبهم بالإصلاحات الجذريّة والتي سيتم تطبيقها على أرض الواقع وبذلك تصبح هاتان الدولتان بوضع أفضل من الماضي، الأمر الذي لا بد أن يؤثّر إيجابيًا على باقي الدول النامية في آسيا مثل أفغانستان وباكستان اللتان ما زالتا تعانيان من مشاكل اقتصاديّة لأسباب عديدة أهمّها تعود إلى السياسة الدوليّة بثوب البنك الدولي الذي بدوره أغرق الاقتصاد المصريّ لنفس الأسباب.
لا شك أن العالم انقسم من جديد إلى قطبين: قطب الغرب المتغطرس برئاسة الولايات المتّحدة وقطب الدول الحرّة المناهض
للاستعمار الاستيطانيّ بقيادة الصين وروسيا، وهذا الانقسام لا بد أن يُحسم عاجلاً أم آجلاً لصالح الطرف الأقوى اقتصاديًا
وتنظيميًا (وللأسف عسكريًا) أو أن تتم تسوية سلميّة حقيقيّة شاملة تتيح للبشريّة العيش بكرامة وحريّة في أوطانها (الأمر غير الوارد في هذه السنوات، لأن الشيطنة العسكريّة التي نشهدها في بلاد الشام الجريح-سوريا ولبنان وفلسطين- والسودان وأوكرانيا لن يتم إطفاءها لأن تجارة الأسلحة أصبحت أقوى تجارة عالميّة مدعومة من السياسيين أو بالأحرى هي المسيطرة على السياسيين ومتّخذي القرارات في العالم).
صراع الأقطاب إلى أين؟ يبدو أن هذا الصراع ستزداد حدّته (نشهد ذلك في حرب أوكرانيا وروسيا) بسبب التعنّت الأمريكيّ
بدعم حلف الشمال الأطلسي في أوكرانيا والاحتلال الصهيونيّ في بلاد الشام وتعنّته في الهيمنة على البترو دولار وغيرها من المواضيع الاستراتيجيّة مثل استمرار احتلال أجزاء هامّة في العراق وسوريا وحتى لبنان بطرق سريّة تارة وعلنيّة تارة
أخرى. ومن الطرف الآخر تقف باقي الدول المناهضة لسياسة وهيمنة الغرب التي تتجنّب التصادم العسكري وتعمل على
تقوية اقتصادها من أجل الصمود أمام هذا الغرب المتعجرف والمتجبّر.كل شخص عقلاني يميل إلى نصرة العدالة ولكن للأسف الشديد الواقع معاكس للمنطق والعقلانيّة وهذا ما يحصل في بلاد الشام والوطن العربي برمّته بحيث ما زال الغرب مسيطر على موارده دون تدخل أي طرف آخر لنجدة المسحوقين، الأمر الذي يعكس عدم العدالة وعدم التكافؤ بين القطبين في الوقت الحالي على الرغم من صعود قوة الصين وروسيا وحلفائهما.
الكاتب هو ناشط وباحث فلسطينيّ من يافا