دراساتثقافة وفنونمقالاتكتب
قراءة في كتاب الفلسطينيون من حرب إلى حرب تاليف ايريك رولو بقلم مهند الاخرس
بقلم مهند الاخرس
الفلسطينيون من حرب إلى حرب كتاب للصحفي الفرنسي ايريك رولو
قراءة الكاتب مهند الاخرس
الفلسطينيون من حرب إلى حرب كتاب للصحفي الفرنسي ايريك رولو، ويقع على متن 360 صفحة من القطع الكبير، والكتاب بنسخته الاصلية صدر بالفرنسية وهذه النسخة من ترجمة: خليل فريجات، وهي من اصدارات طلاس للدراسات والترجمة والنشر في دمشق سوريا بطبعتها الأولى 1989م.
هذا الكتاب يمثل سيرة عذابات الشعب الفلسطيني ونكبته وتشريده والمجازر التي ارتكبت بحقه من الاحتلال والانظمة العربية على السواء، كل هذا اضافة الى مسيرته النضالية ومحطاتها المفصلية وتعرجاتها وانعطافاتها الكبيرة عبر الساحات والمحطات والدول المتعددة صاحبة التداخل والتشابك مع القضية الفلسطينية بشكل او بآخر.
هذا الكتاب شهادة حية انجزها ووثقها الصحفي الكبير إريك رولّو، الكاتب في جريدة “لوموند” الفرنسية والمعروف بموضوعيته وجنسيته الفرنسية وديانته اليهودية واصوله المصرية.
فالكاتب ومن خلال معرفته الوثيقة بالمنطقة وبخبايا الصراع العربي الاسرائيلي أجرى تحقيقات في الشرق الأوسط على مدى عشرين عامًا تقريبًا كانت محصلته هذا الكتاب.
وعليه فقد جاء الكتاب ثمرة حقيقية لمجهوداته الدؤوبة والمعمقة القائمة على تحقيقاته ولقاءاته ومشاهداته وعلاقاته ، وبحيث ساهم كل ذلك في غزارة المعلومات الواردة في صفحات الكتاب وفي كم المعلومات الوافر الماخوذ من افواه اصحابه في حينها، وهي بهذا المعنى تصلح لان تكون شهادة ووثيقة..
تبرز اهمية هذا الكتاب الاستثنائية [بالاضافة طبعا لاسم الكاتب وديانته وجنسيته وحرفيته] من خلال رغبة المؤلف في إعادة تقديم الشعب الفلسطيني بجميع مكوناته: الفلسطينيون في [الاراضي المحتلة 1948]، الفلسطينيون في الأراضي المحتلة 1967، الفلسطينيون في الأردن ومخيمات اللاجئين، الفلسطينيون في الشتات، وأخيرًا، الفلسطينيون في المقاومة، الذين كانوا في بعض الأحيان متحدين، منقسمين، إخوة الأمس وأعداء الغد.
في هذا الكتاب تظهر هذه التنوعات لشعب واحد على صفحات هذا الكتاب، الذي يروي الصراعات ضمن أوقات متباينة: احداث ايلول الاسود 1970 في الأردن، انتظار اللاجئين في المخيمات، القمع والاستيطان الإسرائيليين في الأراضي المحتلة، حروب لبنان، الدوافع الفردية لانخراط الفدائيين، الصراعات الداخلية للمقاومة التي أثارتها الدول العربية، وتساءلات الشتات حول إمكانية وجود دولة فلسطينية.
في هذا الكتاب توثيق لاهم مراحل رئيسية من عمر وسيرة القضية الفلسطينية [ مرحلة الاردن ولبنان ]
حيث اسهم بتسليط الضوء على اكبر واهم تجربتين للثورة الفلسطينية؛ الاولى: تجربة الثورة الفلسطينية في الاردن منذ النكبة سنة 1948 وحتى الخروج منها عقب احداث ايلول الاسود والاحراش في جرش وعجلون. والثانية: تجربة الثورة الفلسطينية في لبنان منذ النكبة ايضا ومرورا بانطلاق الثورة واتفاق 1969 وترسيخ العمل الفدائي وحتى اندلاع الحرب الاهلية وصولا للخروج من بيروت 1982.
ان تركيز الكاتب على مرحلة الاردن ولبنان في مسيرة القضية الفلسطينية وافراده معظم صفحات الكتاب لهما فيه شيء كثير من التوصيف والانصاف والتتبع الدقيق لمسيرة القضية الفلسطينية؛ لكنه اصاب الكتاب ببعض الوهن والضعف رغم محاولة الكاتب باكمال المشهد البونورامي من خلال المرور بشكل مقتضب احيانا على سيرة باقي المراحل والعوامل والاماكن كمصر وسوريا والضفة الغربية، لكنه لم يكن كذلك لكثير من الدول خاصة الدول العربية التي تعاطت مع القضية الفلسطينية وتبعاتها بشكل مباشر كالجزائر والعراق وليبيا والسعودية واليمن والمغرب، او تلك الدول التي اثرت بشكل او بآخر واستقبلت اللاجئيين الفلسطينيين وتحديدا الخليج العربي وعلى راسه الكويت.
هذا الكتاب يجمع بين الشهادات، والمقابلات، والروايات اليومية، والتحليلات بعيدة المدى، مما يجعله وثيقة مرجعية هامة.
بقي ان نشير الى بطاقة الكاتب التعريفية ، فهو ولد في 1 تموز 1926 في القاهرة، ومارس الصحافة باكرا في القاهرة ثم في باريس التي انتقل اليها على اثر الاجواء التي سادت في مصر تجاه اليهود والشيوعيين بعيد نكبة فلسطين. وبهذا المعنى يكون ايريك رولو صحافي فرنسب مصري يهودي ، ولد وعاش في مصر حتى عام 1951 ، وكان ناشطاً في الحركة الشيوعية المصرية حتى هجرته لفرنسا..
في فرنسا تسلّم قسم الشرق الاوسط في «لوموند» اليومية من 1955 الى 1985 عبّر حينها عن عميق معرفته بأوضاع المنطقة وتعاطفه الكبير مع قضاياها وحركاتها التحررية.
عيّنه فرانسوا ميتران سفيرا لفرنسا لدى تونس وانيطت به مهمة التواصل مع منظمة التحرير حيث مقر اقامتها هناك، وشغل بعدها منصب سفير فرنسا في انقره الى حين تقاعده العام 1991. عرف بمعارضته الشديدة للغزو الاميركي للعراق. واظب على الكتابة في «لو موند دبلوماتيك» بعد تقاعده عن العمل الصحافي.
تدور مؤلفاته الرئيسية حول قضية فلسطين والمقاومة الفلسطينية والحروب العربية الاسرائيلي. حائز على وسام جوقة الشرف الفرنسي وعضو في محكمة راسل عن فلسطين.
ويعتبر هذا الصحافي المرموق والكاتب الموسوعي والدبلوماسي الانساني، من أهم المراجع في تاريخ أحداث الشرق الأوسط خلال القرن العشرين، كونه عاشها من داخلها. وكان رولو الصحافي الأكثر حضوراً في أحداث الشرق الأوسط ومواكباً لها [دون اغفال ديفيد هيرست وباتريك سيل وجان جينييه]، قريباً من صانعيها الكبار، مثل شارل ديغول، جمال عبد الناصر، فرانسوا ميتران، ياسر عرفات، الحسن الثاني، أنور السادات، الملك حسين، الخميني، حافظ الأسد، بن غورويون وشيمون بيريز، غولدا مائير، اسحاق رابين، والملا مصطفى البرزاني، حسن البنا، وصلاح خلف وكان رولو قد اصبح صديقا لصلاح خلف (أبو أياد)، الرجل الثاني في حركة فتح، والذي سبق أن أنجز معه حواراً شاملاً وطويلا، نشره في كتاب “فلسطيني بلا هوية”.
وأجرى رولو مقابلات مع كل هؤلاء الزعماء، وبنى علاقات مع أغلبهم تطورت في كثير من الأحيان إلى صداقات كما هو الحال مع ميتران والقذافي وعرفات. وسجل رحلته الطويلة في مذكراته التي صدرت بالفرنسية تحت عنوان “كواليس الشرق الأوسط: 1952-2012” والتي لاقت رواجا كبيرا.
رحل اريك رولو في فبراير/شباط 2015، وهو على مشارف التسعين تاركا خلفه سيرة صحفية ومهنية غنية وحافلة يتمناها الكثيرون .