مع ضعف جيشها البري.. إسرائيل: ماذا لو سيطر “الجهاديون المتطرفون” على الأردن؟

مع ضعف جيشها البري.. إسرائيل: ماذا لو سيطر “الجهاديون المتطرفون” على الأردن؟
اللواء احتياط إسحق بريك
“لعبة مبلغها الصفر” تعبير من مجال نظرية الألعاب، يصف وضعاً يكون فيه ربح طرف ما خسارة للطرف الآخر، لذا فإن مبلغ الربح والخسارة لكل الأطراف صفر. بمعنى ربح مشارك ما، يأتي على حساب مشارك آخر أو مشاركين آخرين.
دولة إسرائيل بانتظار أن تقاتل في المستقبل القريب أو البعيد قتالاً قوياً في عدة جبهات في آن واحد، كأن ينشب قتال مع “الجهاد الإسلامي” في هضبة الجولان، وانتفاضة ثالثة في الضفة، أو قتال في حدود الأردن مع ميليشيات مؤيدة لإيران.
يتعين على الجيش الإسرائيلي في مثل هذا الوضع أن يبعث بقوات كبيرة للدفاع عن الجبهات الثلاث. ولأن الجيش الإسرائيلي صغير ولا يملك قوات لإرسالها إلى ثلاث جبهات في الوقت نفسه، فسيضطر لحشد قواته في الجبهة الأكثر تهديداً، ويترك الدفاع في الجبهات الأخرى. لعبة مبلغها الصفر.
إسرائيل دولة تعيش على المعجزات في العشرين سنة الأخيرة وليس على قدرات عسكرية برية مثبتة. وكله بحكم تقليص كاسح للجيش البري. لحظنا الكبير، في هذه السنين لم تأت علينا حرب قوية في عدة جبهات في الوقت نفسه، حرب بقوة تستوجب تعزيز كل الجبهات بقوات كبيرة. وإذا ما نشبت حرب قوية في المستقبل القريب، في عدة جبهات في الوقت نفسه، فليس لإسرائيل ما يكفي من القوات للدفاع عنها كلها.
ثمة طريق واحد لمنع الكارثة، وهو تكبير الجيش البري إلى الحجم الذي كان قبل 20 سنة. جيش كهذا قد ينتشر للدفاع والهجوم في جبهات قتالية أخرى، دون ترك أي جبهة. في العشرين سنة الأخيرة، قلص المستويان السياسي والعسكري الجيش البري بآلاف الدبابات، بـ 50 في المئة من قوات المدفعية، وبألوية المشاة، والدفاع واللواء وغيرها، وقلصا الجيش البري إلى ثلث حجمه قبل عشرين سنة.
ومع وضع مهزوز كهذا، يضطر الجيش الإسرائيلي لشد الحبل حتى منتهى حدود قدرته. في الحرب الحالية، تبين لنا أنه لا توجد وحدات لتحل محل المقاتلين الذي يقاتلون منذ أكثر من سنة، ولهذا فإن الكثيرين منهم منهكون جسدياً ونفسياً، ويصوتون بالأرجل ولم يعودوا يتجندون لخدمة الاحتياط.
ليس للجيش الإسرائيلي قدرة على هزيمة حماس الصغيرة وتنظيم حزب الله الكبير؛ لنقص في القوات، ما لا يتيح البقاء في الأماكن التي احتللناها ولا يتيح مناورة عميقة. وقف النار مع حزب الله ولد لانعدام البديل، لأنه ليس بمقدور الجيش الإسرائيلي أن يهزم حزب الله.
في هذه الأيام، يعزز الجيش الإسرائيلي قواته في هضبة الجولان خوفاً من محاولة “الجهاد الإسلامي” المتطرف الذي سيطر على سوريا، التسلل إلى هضبة الجولان أيضاً. وبسبب نقص شديد في القوات، عزز الجيش الإسرائيلي قواته في هضبة الجولان بجنود أخذهم من قواعد التأهيل ودفع بهم إلى حدود الهضبة، وهكذا فإنه يمس بتأهيل الجيل الشاب للحرب.
في السنوات الأخيرة، يكرر هذا السيناريو نفسه بتواتر، ونما جيل غير مهني فقد فصولاً كاملة في تأهيله المهني. كما أن الجيش يدفع إلى هضبة الجولان بكتائب من النظامي والاحتياط قاتلت منذ سنة، وبات مطلوباً ترميمها من الأساس. كل هذا يحصل لانعدام البديل بسبب نقص شديد في القوات البرية.
تصوروا أن تندلع جلبة واسعة الآن في “يهودا والسامرة”، انتفاضة ثالثة، وفي الوقت نفسه يبدأ عشرات آلاف المتطرفين العربدة في مدننا وبلداتنا، ولم أذكر بعد جبهات أخرى مثل سوريا التي تعدّ ثورة الجهاد المتطرف هناك واحداً من أضلاع القاعدة. هؤلاء الثوار هزموا حكم الأسد الآن، وسيكونون أخطر على إسرائيل بعشرات الأضعاف من النظام الذي سقط.
صحيح أن احتلال الجهاد المتطرف لسوريا يقطع قسماً من تهديد الطوق على إسرائيل الذي أقامته إيران مع حكم الأسد من سوريا وحزب الله في لبنان، لكن قد ينشأ بدلاً منه تهديد أكبر بعشرات الأضعاف على إسرائيل على طول حدودها الأطول، يشمل سوريا والأردن، إذا ما سيطر الجهاد المتطرف على الأردن أيضاً.
الاستنتاج واحد ليس إلا، ولا يهم ما يحصل في الشرق الأوسط في السنوات القريبة القادمة، فالجيش الإسرائيلي سيكون ملزماً بتوسع الجيش البري جداً فوراً وخلق توازن أصح بين الطائرات وعناصر المنظومة الأخرى، كسلاح الصواريخ، والليزر القوي، وشراء عشرات آلاف المُسيرات، ومضادات الطائرات متعددة الفوهات وغيرها. إن توسيع الجيش البري وشراء وسائل قتالية جديدة سيسمح للجيش بقدرات دفاعية وهجومية أكثر بكثير.
قد يحاول الجهاد المتطرف السيطرة على الأردن بمساعدة الأغلبية الإسلامية السُنية المطلقة التي تعيش فيه وتعارض نظام المملكة الأردنية الهاشمية، الذي يترأسه ملك الأردن. حتى لو لم يتحقق هذا السيناريو الكابوسي بشكل كامل، فإن التهديد على إسرائيل اليوم لا يسمح للجيش الإسرائيلي بالقدرة على الصمود في حرب شاملة متعددة الساحات. لحظّنا، لم يأت هذا اليوم بعد، لكنه قد يقع في المستقبل الأقرب أو الأبعد.
منذ نشوب الحرب، استخلص المستوى السياسي والمستوى العسكري، الدرس بوجوب تكبير الجيش البري، لكن شيئاً لم يحصل بعد في هذا الشأن. الحكومة تطالب بلطف، لكن لا يوجد من يستجيب بلطف. حكومة إسرائيل تواصل استثمار معظم ميزانية الدفاع في الطائرات، وتكاد لا تكبر الجيش البري ولا تستثمر في وسائل القتال الضرورية. هذا السلوك يضعنا أمام هوة، على مسافة خطوة من طريق لا رجعة منه.
معاريف 9/12/2024