ثقافة وفنون

سوريا نشيد الأحرار: وتحققت أنغام الحرية

سوريا نشيد الأحرار: وتحققت أنغام الحرية

مروة صلاح متولي

أطل الصباح الحر المشرق على سوريا، صباح ندي حلو العبير، على نسماته يرفرف العلم السوري، رمز الإيمان بالوطن واليقين في عودته، والصبر الطويل على مصابه. يرفرف العلم السوري ومن حوله ترفرف القلوب، يسجد الشعب السوري شكراً لله وترتفع تكبيراته تشق السماء وتُسمع الجميع وتهز أوتار الإيمان في القلوب. ضحكات على وجوه صهرها الحزن، وبسمات في عيون دامعة وعلى شفاه تتمتم بحمد الله، وفرحة تصعد على جبال شاهقة من الآلام والمآسي والأهوال. تحررت سوريا وسقط الطاغية المجرم، عاشت سوريا وماتت الخيانة الدنيئة، تشبثت أرض سوريا بالحرية وبكل ما هو حر، ولفظت أثقال الظلم والقهر وكل ما هو خبيث. عادت الحرية النائية إلى ربوع سوريا، وعادت سوريا إلى الحرية، وعادت إليها الروح.
في مثل هذا الوقت يذهب القلب إلى كل ما هو سوري فرحاً مستبشراً، ومع موسيقى سوريا نحب أن نكون، فلنستمع إذن إلى «سوريا نشيد الأحرار» للموسيقار مالك جندلي ابن حمص العدية مدينة خالد بن الوليد، وكنا نستمع إلى ذلك النشيد في الأمس القريب كحلم جميل نؤمن بتحققه يوماً ما، لكن الحلم كان يرافقه السؤال المؤلم «متى؟». ألّف مالك جندلي «سوريا نشيد الأحرار» بعد مرور عامين على قيام الثورة السورية، رغم الألم ومن عمق الإيمان بالوطن والحرية، كان مالك جندلي يؤلف هذا النشيد ويعد لتلك اللحظة المنتظرة، لحظة الحرية التي كان موقناً أنه على موعد مع الشعب السوري.
كان مالك جندلي طوال الأعوام الماضية يعمل من ناحية على توثيق نضال الشعب السوري من أجل الحرية والكرامة والعدالة وحقوق الإنسان، فيصور بموسيقاه مآسي الإبادة الجماعية والمجازر الرهيبة، وآلام اللاجئين والأطفال في المخيمات والمهجرين قسراً إلى شتى بقاع الأرض بعيداً عن الوطن. ويهدي موسيقاه إلى نساء سوريا المعتقلات والمختفيات قسرياً مثل طل الملوحي ورزان زيتونة وغيرهما الكثيرات من النساء. ويُخلد شهداء الثورة السورية كالشهيد إبراهيم القاشوش، ويحفظ نداءات الثورة السورية في موسيقاه السيمفونية العالمية. ومن ناحية أخرى إلى جانب التوثيق كان جندلي يؤلف موسيقى المستقبل الذي يتطلع إليه كل سوري، نظر جندلي إلى النشيد الوطني السوري في عهد الطاغية الساقط، فوجده خالياً من اسم سوريا فلا يُذكر فيه بتاتاً، ووجده كذلك يفتقر إلى كلمة الحرية فلا وجود لها على الإطلاق، فأمسك بالقلم وكتب بنفسه كلمات «سوريا نشيد الأحرار» وبدأه باسم سوريا وختمه بكلمة الحرية. ثم منح الكلمات لحناً سيمفونياً رفيعاً فيه قوة الشعور الوطني وجمال النغم والتوزيع الأوركسترالي، وحماسة الأداء الصوتي الجماعي الكورالي.

عندما كانت الأهوال تسقط على رؤوس الشعب السوري، كان مالك جندلي يؤلف «سوريا نشيد الأحرار» تشبثاً بالإيمان والأمل ورجاءً في الغد، واستعداداً للمستقبل المقبل. أراد أن يكون لسوريا نشيد يردد اسمها ولا يتجاهله، ويُعلي أسمى قيمة تبنى عليها الأوطان وهي الحرية. يحمل النشيد في طياته اليقين بتحقق الحرية في النهاية، وإن بدا ذلك حلماً آنذاك، لكن ها هو الحلم قد تحقق. في كلمات موجزة مكثفة خطها قلم مالك جندلي، يصف النشيد سوريا بما يليق بها، ويذكر بعضاً من تاريخها العريق وحضارتها المجيدة، ويحدد ملامح مستقبلها المنشود. على وقع موسيقى تلتهب بحرارة الثورة السورية يتدفق الغناء الصادر من قلب الجموع، بعد نغمة افتتاحية تعد نموذجية لكي يفتتح بها هذا النوع من الأناشيد الوطنية. يتناول النشيد ويصور بالكلمات والموسيقى ملامح وجه الوطن، ويذكر مفاخر سوريا وصفاتها وما يميزها بين الأوطان والأمم، يذكر الأرض الغنية المليئة بالخيرات في موضعين متفرقين حين يقول: «سوريا سوريا أرض السنابل الذهبية» وعندما يقول «زيتون أجدادي»، وهنا يشير إلى خيرات سوريا وثراء أرضها الزراعية، فقد كانت في الأزمان القديمة سلة الغذاء للعالم في عصر الإمبراطورية الرومانية. ويصف جندلي سوريا بـ»مهد الأمم» في إشارة إلى مآثر الحضارة السورية، وكونها من أقدم البلدان والحضارات التي يربو عمرها على آلاف السنين، وعندما يقول: «نور تراثها ألهم القلم» يشير ذلك إلى حقيقة أن سوريا كانت سباقة إلى الكثير من الأمور الحضارية والثقافية ـ التي تنير التاريخ الإنساني، كالكتابة واختراع الأبجدية والتدوين الموسيقي، وأقدم أنواع الغناء والآلات الموسيقية وأقدم المطربات أيضاً. وفي قوله: «يا بلادي يا نهر العبر يروي مجدها الرُقم والحجر» إشارة إلى النقوش والكتابات الأثرية، ومجد سوريا المحفور على أحجارها وكل ما دلت عليه الآثار التي تركتها الحضارة السورية القديمة. يستمر الفخر بالوطن في ثنايا كلمات النشيد، فيقول: «موطن الأنبياء أبجدية وغناء»، ويقول أيضاً: «موطن الشرفاء مرقد الشهداء.. شمسنا في السماء نسرنا في العلاء» اعتزازاً بالشعب وشهداء الوطن، تمثل هذه العبارة ذروة موسيقية وصوتية غنائية، وتحمل شحنة معنوية هائلة وإيماناً كبيراً بقوة الوطن ومكانته الرفيعة المستحقة مهما تكالب عليه الطغاة والمعتدون. على الرغم من براعة الصياغة الفنية للنشيد بتفاصيله الموسيقية الدقيقة وربما تعقيداته، إلا أنه معد لأن يكون نشيداً سهلاً يغنيه الجميع، فمنذ لحظاته الأولى يرغب السامع في الانضمام إلى ذلك الصوت السوري الذي يردد كلمات سوريا الحرة في نشيد يضم الجميع إلى الوطن.
سوريا نشيد الأحرار
سوريا سوريا وطن الأحرار والحرية
سوريا سوريا أرض السنابل الذهبية
يا بلادي يا مهد الأمم.. نور تراثها ألهم القلم
موطن الشرفاء مرقد الشهداء
شمسنا في السماء نسرنا في العلاء
يا بلادي يا نهر العبر
يروي مجدها الرُقم والحجر
موطن الأنبياء أبجدية وغناء
ندعو رب السماء لا جفاء لا فراق
عن بلادي وأهلي وزيتون أجدادي
وأنامل الأطفال
تراب الأحرار وطن الحرية
سوريا سوريا وطن الأحرار والحرية

 كاتبة مصرية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب