
تقديم:
يدحض البروفيسور مناحم كلاين في مقاله المهم”الحكم الإسرائيلي للفلسطينيين خلق يهودية جديدة” الذي نشره في صحيفة هارتس الاسرائيلية بتاريخ 8/4/2023 صحة التصور الثنائي للصراع المحتدم داخل المستعمرة الصهيونية ، كصراع بين المتدينين مقابل العلمانيين ، ويقول بأن هذا لا يعكس الواقع الإسرائيلي بشكل صحيح.
يحتاج المقال لقراءة متعمقة في مقال منفصل، وساكتفي بالتقديم بالإشارة إلى أنه يوضح هامشية الفوارق الأيديولوجية بين الصهيونية العلمانية والصهيونية الدينية . فكلاهما يتشاركان الانتماء للفكر الصهيوني الذي انقلب على صحيح الدين اليهودي . الذي يرى ان أساس القومية اليهودية بعد تدمير الهيكل الثاني على يد الرومان إثر الثورة اليهودية الأولى عام 70 م روحيا. ويتعارض مع فكرة إنشاء دولة يهودية باعتبار ذلك أمر يتصل بمشيئة الله .
فيما يرى كلا التيارين الديني والعلماني ، أن لهما دور رئيسي في التدخل لتنفيذ مشيئة الله. عبر إخضاع الدين اليهودي لخدمة السياسة ، والتحالف مع القوى الاستعمارية الغربية المهينة لتسريع إنشاء كيان استيطاني يهودي في فلسطين، على أنقاض شعبها العربي الفلسطيني الأصيل ، يراه كلاهما نقيضا وجوديا لا يكتمل إنشاء الدولة اليهودية، سواء بشكلها الغربي الحديث كما تسعى الصهيونية العلمانية ، أو بشكلها التقليدي السابق لتدمير الهيكل الثاني عام 70 م . كما يسعى التيار الأصولي ، إلا بإخراجه كليا من التاريخ والجغرافيا والديموغرافيا.
يستعرض الكاتب التحولات التي طرأت على اليهودية بفعل تأثرها بالتجارب الاجتماعية لليهود عبر الزمان والمكان.ويتناولها بإسهاب لبيان حقيقة ما آلت إليه اليهودية بعد إنشاء المستعمرة الاستيطانية الصهيونية، وتمددها في كامل فلسطين الانتدابية بعد عام 1967. وخصائصها الرئيسية ، وتمايزها عما عرفه التاريخ الإنساني من استعمار استيطاني غربي في الولايات المتحدة الامريكية وكندا واستراليا ونيوزيلاندا وجنوب إفريقيا .
ويرى أنه طالما بقيت القومية اليهودية مرتبطة باليهودية كدين تاريخي وشعب يهودي . فلا يمكن اعتبار المساواة والشراكة مع غير اليهود ممكن عن طريق تقاسم السيادة والحكم ، أو عبر إقامة دولة علمانية يتساوى فيها جميع مواطنيها أمام القانون.
ويعتقد أن الصراع سيتواصل ما لم يتم فصل إسرائيل تماما عن اليهودية التاريخية ، وعن أيديولوجية وممارسة التفوق اليهودي على الأغيار . وأن خلق دولة يتساوى فيها مواطنيها ليست مجرد ظاهرة علمانية فشلت في الماضي في المجتمع ، وفي المحكمة العليا ، وتنعدم فرص بلوغها ما لم يتم يتمكن معارضي التفوق العرقي من إيجاد أساس لاهوتي وتاريخي لتقاسم السيادة مع الآخر المختلف .
عنوان المقال : “الحكم الإسرائيلي للفلسطينيين خلق يهودية جديدة”
السيادة والقمع والقوة – لم يسبق أن انخرط الشعب اليهودي في مثل هذا الانصهار المتفجر للسيادة والحكم. الحماسة المسيانية التي كانت تحت الرادار ، ترفع رأسها الآن.
هل يمكن أن توجد يهودية بدون يهود؟ هل يوجد في مكان ما كيان يسمى “اليهودية” في حالة انفصال عن اليهود من حيث الزمان والمكان؟
هذا السؤال لا يتعلق بمصدر سلطة اليهودية. بعبارة أخرى ، لا يتطرق إلى مسألة من الذي سمح للناس بخلق هذا الكيان – سواء كان الله ، كما تقول التقاليد ، أم مبادرة اجتماعية إنسانية ، كما يجادل النقد الكتابي.
السؤال الذي أطرحه هنا يتعامل مع حالة معينة توجد فيها اليهودية بالفعل. من إن لم يكن البشر خلقها؟ وهل يمكن أن توجد اليهودية بدون يهود ، منفصلة عن تجربة اجتماعية ملموسة؟
أريد أن أجادل أن ذلك غير ممكن . الحقيقة هي أن اليهودية كما عرفناها منذ 2000 عام هي اليهودية ما بعد الهيكل. إنها اليهودية التي جددها الحكماء عند تدمير الهيكل الثاني في القدس عام 70م ، وفشل ثورة بار كوخبا في 132-136م .
لقد غيروا طرق العبادة والخبرة الدينية والعلاقة مع الله. الصلاة والدراسة المكثفة للكتاب المقدس حلت محل الذبائح الحيوانية. كما غيرت الثورة الحاخامية التقسيم الطبقي للشعب اليهودي.حل قادتها محل الكهنة واللاويين بصفتهم النخبة الاجتماعية والدينية.
نتيجة لذلك ، خضع المسار الذي يدخل من خلاله المرء إلى النخبة في المجتمع لتحول دراماتيكي. لم يعد يعتمد على الأصول البيولوجية للفرد – كونه ولد لأب من قبيلة ليفي – بل كان يعتمد على شخصية الفرد وأعماله الفكرية والدينية .
أدت الظروف التاريخية في ذلك الوقت أيضا إلى اللامركزية الجغرافية والسياسية. ظلت القدس مجرد نقطة محورية رمزية لليهودية. لم تعد السلطة الدينية متمركزة في مكان واحد أو في مؤسسة هرمية للكهنة، كما كان الحال في الماضي.
بعد 70 م ، لم يكن لليهود كنيسة ولا بابا كما كان. حتى بعد تلك الحقبة، لم يكن هناك نموذج واحد للسلطة. فإلى جانب عالم التوراة ، كان المعلم(زعيم روحي حسيدي)وصوفي، وواعظ شعبي، وأستاذ وقاض ديني.
إذا كان وجه اليهودية يعكس وضع اليهود ، وإذا شكل اليهود اليهودية وفقا لظروف الزمان والمكان- فإن ما يفعله اليهود في دولة إسرائيل ذات السيادة هو أيضا تشكيل لليهودية. تتضمن السيادة ممارسة حكم فعال على إقليم ما وعلى السكان. يتوجب علينا إذن أن نفكر في كيفية تغيير حكم منطقة ما وسكانها لليهودية. وبشكل رئيسي، كيف أدى حكم السكان غير اليهود – الفلسطينيين في حالتنا – إلى ظهور يهودية جديدة.
لا توجد سابقة في التاريخ اليهودي لوجود دولة يهودية تشكل قوة إقليمية وتحكم شعبا آخر. لم يسبق للشعب اليهودي أن امتلك مثل هذا المزيج من السيادة والسلطة والسيطرة ، والذي يتم استغلاله لقمع شعب آخر. لم تكن مملكة الحشمونئيم (63-140 ق.م) قوة اقليمية. حول حاكم الحشمونئيم وكاهن الكهنة الأكبر يوحنا هيركانوس الأول سكان مملكة أدوم إلى اليهودية عام125 ق.م. بعد غزوهم.لكن التحول الجماعي للفلسطينيين إلى اليهودية لم يكن مطروحا على جدول الأعمال – كان من المفترض أن يظلوا خارج الجماعة اليهودية.
كان الشعب اليهودي دائما متمركزا حول العرق. وهو يؤمن بسيادة جماعته العرقية على الأمم الأخرى. هذا تصور هرمي صارخ، والذي بموجبه يتفوق اليهودي على غير اليهودي. لكن عبر التاريخ، كانت هذه سيادة تفتقر إلى قوة الدولة وجهاز لممارسة السيطرة على غير اليهود.
على العكس من ذلك: كان اليهود دون مكانة في النظام الاجتماعي والديني الذي أسسته الإمبراطوريات والدول التي حكمتهم على مدى ألفي عام.
داخليا ، على النقيض من ذلك ، تتوافق الكتابات والسلوك اليهودي مع التصور الذاتي لكونك شعبا مختارا. في القرنين الحادي عشر والثاني عشر بعد الميلاد، أوضح موسى بن ميمون أن هذا كان قائما على ما اعتبره اليهود تفوقا للتوراة ودينهم وطريقة حياتهم . بينما، من ناحية أخرى ، اعتقد الحاخام يهودا هاليفي أن الجماعة تمتلك عنصرا وجوديا- التفوق البيولوجي على الشعوب الأخرى. وفي أواخر القرن الثامن عشر، كتب الحاخام شنور زلمان ، مؤسس سلالة حاباد الحسيدية، في “تانيا” (العمل الرئيسي لفلسفة حاباد ونهج تشاباد للتصوف الحسيدي، لأنه يحدد تفسيره العام وطريقته) عن تفوق الروح اليهودية على الروح الدنيا لبقية البشرية.
انطلاقاً من مفاهيم التفوق هذه ، أشارت المسيانية اليهودية ضمنا إلى إنشاء نظام عالمي جديد، يدرك فيه اليهود علانية تفوقهم الروحي والسياسي على الشعوب الأخرى. كان هناك توقع بأن المسيح سيخلق واقعا جديدا وسيتصدره سليل الملك داود. ينص التقليد اليهودي على أن الله سيؤسس هذا النظام الجديد في وقت ما في المستقبل. من جانبهم، نقل حاخامات السلالة الحسيدية فكرة النظام الجديد من واقع تاريخي مرغوب فيه، إلى شكل من أشكال الوعي العقلي. وكانت النتيجة ظهور روحانية ملموسة للمسيانية، منفصلة عن الواقع التاريخي.
لم يكن الانتشار الواسع لمثل هذه المقاربات بين اليهود في المنفى مسألة لاهوتية فحسب، بل كان أيضا رد فعل مضاد للموقف الذي اتخذته المجتمعات والأديان التي تعيش المجتمعات اليهودية تحت رعايتها. كانت مكانة اليهود متدنية بداهة. في الواقع، تأثر اليهود بكل الثقافات المحيطة بهم. ارتقى بعض الأفراد إلى مناصب عليا في المؤسسات السياسية والمالية في بلدانهم. لكن طالما أنهم لم يتحولوا إلى الدين السائد في بلادهم، فإنهم كانوا “الآخر”، وهم شعب أدنى.
في بعض الحالات، أُجبروا على الإقامة في مساحة محددة: الغيتو، المستوطنات الحضرية، وما إلى ذلك. كان تصورهم بأنهم أشخاصا متفوقين مختارون سيأتي وقتهم بمثابة تعويض عن محنتهم.
مستعمرة عبر السياج
خلق التحرر والحداثة واندماج اليهود في الحياة المعاصرة مفهوما جديدا لما يسمى بالشعب المختار. تُرجم هذا المفهوم إلى رسالة تربوية شاملة، بدلا من الإشارة إلى التفوق المعزول للأرثوذكسية، وبدلا من شكل سلبي معزول من اليهودية في مواجهة البيئة الاجتماعية المحيطة ، اقترح هيرمان كوهين (1842-1918) وفرانز روزنزويج (1886-1929)، وإلى حد ما،أيضا،الحاخام سامسون رافائيل هيرش (1808-1888)، يهودية منفتحة وعالمية ومتساوية – مسيانية بدون ملك – مسيح-يهودي، وبدون أرض، وحكم على شعوب أخرى. كان هدف الشعب اليهودي،وفقا لهؤلاء العلماء، هو توسيع الحدود الأيديولوجية لدينهم لتشمل البشرية جمعاء. كانت هذه يهودية من حيث المضمون ، وليست بالأسلحة أو القوة.
بناء على تجارب الحرب العالمية الأولى ، دعا الحاخام آرون صموئيل تاماريس (1869-1931) إلى القومية اليهودية التي لا تقوم على إنشاء دولة في حد ذاتها ، بل على أساس قومية ذات طبيعة روحية ومدنية في الغالب. تم طرح أفكار مماثلة في عام 1945 من قبل مخلوف أفيتان (1908-1960) في الدار البيضاء.
تطورت هذه الأساليب في وقت كانت المجتمعات ذات الأغلبية التي يقيم فيها اليهود، ذات طبيعة إمبريالية واستعمارية وتبشيرية.
تولد الإمبريالية تطوير آليات السيطرة على المناطق والمجتمعات في الخارج عبر الحدود.إلى هذا، يضيف الاستعمار عنصر الاستيطان في مثل هذه المناطق، بهدف إدامة السيطرة على موارد الأرض وعلى عمل السكان الأصليين واستغلالهما لصالح دولة الاحتلال.
تولد الإمبريالية والاستعمار علاقات قوة يكون فيها للأجنبي والمحتل والمستوطن موقعا متفوقا على السكان الأصليين، على الرغم من أن عدد من هم في السلطة أقل بكثير منهم.
كان المستعمرون المستوطنون الغربيون مصحوبين بمبشرين سعوا لتغيير دين وثقافة السكان الأصليين. إن هدف التحضر الذي قام به المبشرين – ومن يسمون بالمستوطنين المستنيرين أيضا – قد قلص المسافات الدينية والثقافية بين المحتلين والسكان الأصليين. كان المحتلون يتعلمون لغة السكان المحليين ويقعون في حبهم ويتزوجون وينشؤون معهم عائلات. وعادة ما يقلل الوقت والمسافات من روابط المستعمرين المستوطنين بوطنهم، ويزيد من سعيهم وراء مصالحهم في موطنهم الجديد على حساب المجتمعات في المدن البعيدة التي أتوا منها.
اندمج اليهود بفخر في المؤسسات الإمبريالية والاستعمارية لحوالي 300 عام، حتى القرن العشرين.
لقد عملوا كوزراء وممولين ومستوطنين في المستعمرات وأرباب عبيد. من جانبها ، كانت المربية إيما مردخاي (1812-1906)، التي كانت ملتزمة دينيا ونشطة في المجتمع اليهودي في ريتشموند بولاية فيرجينيا ، مالكة للعبيد، دعمت الكونفدرالية علنا في الحرب الأهلية الأمريكية.
خلال النصف الثاني من القرن الثامن عشر، استخدمت عائلة غاباي في جامايكا مئات العبيد السود في مزارع السكر الكبيرة التي كانت تمتلكها في جميع أنحاء منطقة البحر الكاريبي. كان إدوين مونتاجو (1879-1924) وزيرا للخارجية في الهند ( 1917- 1922)، عندما كانت شبه القارة الهندية جوهرة تاج الإمبريالية البريطانية. خدم ليون بلوم (1872-1950) ثلاث فترات كرئيس لوزراء فرنسا عندما حكم ذلك البلد مساحات شاسعة من إفريقيا. كانت يهودية هذه الشخصيات جزءا من هويتهم الشخصية، ولم تكن جزءا من المشروع الاستعماري والتبشيري في حد ذاته.
في المقابل ، كانت فكرة الإرسالية العالمية أيضا استجابة يهودية لروح العصر: فقد تضمنت نوعا من العمل التبشيري دون مهمة دينية محددة وبدون كنيسة ، والتوسع الثقافي بدلا من الحكم الاستعماري ، وخلق علاقات سلطة وقوة اتجاه الشعوب الأصلية.
فرضت الصهيونية وإقامة الدولة اليهودية إطارا ونظاما إقليميا على المفهوم الحديث لشعب مختار. طالب دافيد بن غوريون بأن تكون دولة إسرائيل نورا للأمم. تحدثت الحركة العمالية عن خلق مجتمع نموذجي قائم على المساواة. بالطبع ، كانت هناك فجوة دائما بين التصور الذاتي لليهود وسلوكهم ، كما شوهد-على سبيل المثال- في عهد الاستعمار الغربي. وفي المجتمع الاشتراكي للكتلة السوفيتية ، وفي الولايات المتحدة الامريكية. لكن هذا الوعي موجود مع الطموح ليكون الأفضل ، وأن يشكل نموذجا للعالم المستنير.
ثم جاءت حرب الأيام الستة والاحتلال والاستيطان. كان الشعب اليهودي يؤمن دائما بتفوق جماعته الإثنية على الأمم الأخرى. لكن عبر التاريخ ، كانت هذه سيادة تفتقر إلى قوة الدولة وجهاز لممارسة السيطرة على غير اليهود.
في الواقع ، لم يبدأ الحكم على الفلسطينيين في العام 1967. ولا يمكن لدولة ذات سيادة بأغلبية يهودية كبيرة أن تكون موجودة لولا التطهير العرقي الذي تم في حرب العام 1948 وما تلاها. في ذلك الوقت، كان شكل جديد من اليهودية قد بدأ بالفعل في التبلور شكلا ومضمونا . تسارعت هذه العملية بعد العام 1967 مع إنشاء المستوطنات.
في الكتب المدرسية، حلت كتب يشوع والقضاة والملوك محل الأنبياء الذين بشروا بالعدالة الاجتماعية والنظام الأخلاقي – إشعياء وإرميا وعاموس. في البداية كانت المستوطنات ظاهرة شبه برية زرعتها الحكومات العمالية. لقد غضت المؤسسة الحاكمة الطرف، فيما ضمنت العين الأخرى أن تعاونها مع المستوطنين سيبقى تحت الرادار.
منذ عام 1977 فتح زعماء الليكود أبواب الحكومة بسعادة أمام مجموعات المستوطنين. وبالفعل، فإن المشروع الذي ولدته تلك الجماعات تجذر كعمل من أعمال الدولة.
على عكس الاستعمار الغربي، تم تطبيق الاستعمار الإسرائيلي على ملاعب الجيران عبر السياج /الخط الأخضر /. أدى القرب الجغرافي بين إسرائيل ذات السيادة ومستعمرتها، إلى خلق ظروف ملائمة لاستثمارات ضخمة من قبل الدولة والقطاع الخاص في مشروع الاستيطان. وهو أكبر وأغلى مشروع تقوم به إسرائيل منذ قيامها، وأصبحت إسرائيل خاضعة لها.
أدى القرب الجغرافي ،أيضا، إلى ظهور مستوطنين بدون مستوطنات – أي أفراد الأسرة والأصدقاء ومؤيدي أيديولوجيتهم وسياساتهم الذين لا يشاركون بشكل مباشر في الاستعمار الفعلي على الأرض. هؤلاء الأفراد الآخرون يستمرون في الإقامة داخل إسرائيل.
على عكس المستعمرين الكلاسيكيين، خلق غالبية المستوطنين لأنفسهم واقعا هجينا مرتبطا ببلدهم الأصلي- وليس بالسكان الأصليين. إنهم يعتمدون على دولتهم ماليا ومؤسسيا. العديد منهم يعبرون الحدود الوهمية بين الضفة الغربية المحتلة وإسرائيل ذات السيادة، ويعودون مرة أخرى كل يوم.
إنهم يحافظون على عزلتهم العرقية عن السكان الفلسطينيين الأصليين ولا يتزاوجون أو يبقون علاقات رومانسية مع الأفراد، كما كان الحال مع المستعمرين في القرون الماضية في أماكن أخرى من العالم. المجالس المحلية والبلديات الخاصة بالمستوطنين منفصلة من جميع النواحي عن مجالس “جيرانهم”. لا يطمح المستوطنون إلى إعادة تشكيل ثقافة الفلسطينيين أو تحويلهم إلى إسرائيليين.
مثل العديد من الإسرائيليين الذين يعيشون غرب الخط الأخضر( الحدود المعترف بها دوليا بين إسرائيل والأراضي المحتلة) يريدون السيطرة على معظم الضفة الغربية والقضاء على الهوية المنفصلة للفلسطينيين وتطلعاتهم الوطنية.
أدى توسع المستوطنات في القرن الحادي والعشرين وتحول السلطة الفلسطينية إلى مقاول فرعي لإسرائيل إلى نشوء نظام واحد بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط. المستوطنات لا تبنى “هناك” على مسافة بعيدة. إنها” هنا” هذا ، في الواقع ، هو نظام السيادة اليهودية.
عدد اليهود الذين يعيشون في ظل هذا النظام يساوي تقريبا أو أقل قليلا من عدد الفلسطينيين. لذلك ، لا جدوى من الاستمرار في إخفاء التفوق العرقي الذي يشعر به هؤلاء اليهود وراء شعار “الأغلبية الديمقراطية” في دولة يهودية. بفضل قانون الدولة القومية لعام 2018، في الواقع ، يمكن للمرء أن يفتخر بالتفوق اليهودي وبالحصرية الوطنية. كما لا توجد حاجة إلى “بند الحفيد” في قانون العودة لعام 1950 (الذي يسمح لأي شخص لديه جد يهودي واحد بأن يصبح مواطنا إسرائيليا ). -إعلان مهم لمعاداة النازية – من أجل خلق أغلبية يهودية مصطنعة. حتى أن الاتفاقات الائتلافية الأخيرة تطمح إلى شطب هذه السياسة.
التفوق اليهودي هو أيضا الرد على التحدي الذي يشكله الفلسطينيون من مواطني إسرائيل. إن اندماجهم المتزايد في المجال العام الذي يسيطر عليه اليهود وسوق العمل ، حتى مع التأكيد على هويتهم الفلسطينية الأصلية، وتعاونهم مع منظمات المجتمع المدني اليهودية ، أدى إلى ظهور واقع هجين بالنسبة لهم أيضا. هذا تهجين عرقي – مدني. على الرغم من التمييز ضد هؤلاء الفلسطينيين ، إلا أن جنسيتهم آمنة وبالتالي فهي تهدد الأسس العرقية للنظام.
يوجد في القدس واقع هجين جغرافي وعرقي. 40 %من سكان المدينة ليسوا يهودا ،ولا هم مواطنون في إسرائيل. ولكن على عكس الفلسطينيين في الضفة الغربية ، يتمتع نظرائهم في القدس بإقامة دائمة. دورهم البارز في سوق العمل وفي مؤسسات التعليم العالي الإسرائيلية من ناحية، وإقامة المستوطنات في الأحياء الفلسطينية في القدس من ناحية أخرى ، دفع لتأكيد إسرائيل القاطع أن القدس مدينة يهودية. ولكنها في الواقع ثنائية القومية.
الحوكمة والثورة
السيادة والسلطة وحكم الفلسطينيين غيرت اليهودية. لم تتشكل هذه اليهودية الجديدة في بيت مدراش كما كانت اليهودية الكلاسيكية، ولكن في إطار نظام إسرائيلي مهيمن بشكل عام ويحكم الفلسطينيين بشكل خاص. تطورت المركزية العرقية من شكل من أشكال الوعي الذاتي إلى طريقة عمل ، من مهمة عالمية إلى قمع واحتلال. تم تحويل النموذج الأخلاقي الذي طالب به بن غوريون والحركة العمالية إلى صادرات أسلحة ووسائل أخرى مختلفة للسيطرة ومساعدة الأنظمة الاستبدادية ، لتمكينها من مراقبة خصومها.
حتى العام 1967 ، كانت الصهيونية الدينية ما تزال تموضع نفسها خلف الصهيونية العلمانية أو التقليدية. وبطريقة مماثلة ، أسست الكيبوتسات والقرى ونقابات عمالية وحركة شبابية وأيديولوجية مناهضة للأرثوذكس المتطرفين.
بعد الحرب ، سخرت الصهيونية الدينية نشاطها الصهيوني لحكم الأراضي والسكان الذين احتلتهم إسرائيل عام 1967. ومنذ اتفاقيات أوسلو بات هذا النشاط يستهدف تغيير الوضع الراهن في الحرم القدسي ، وإقامة المستوطنات في قلب المناطق السكنية الفلسطينية بالقدس والخليل وما يسمى بالمدن المختلطة في إسرائيل.
لقد تغير اليهود الأرثوذكس وفقا لذلك. لم يعد يتم التعامل مع جبل الهيكل كموقع ممنوع زيارته حتى تنضج الظروف لمجيء المسيح. على العكس من ذلك: يجب أيضا بسط سيادة دولة إسرائيل هناك. المجموعات التي تسعى لإعادة بناء الهيكل تذهب أبعد من ذلك. إنهم يسعون إلى تحويل اليهودية من دين ما بعد الهيكل، إلى إيمان ما قبل الهيكل. بالنسبة لهم ، فإن سيادة شعب مثل جميع الشعوب الأخرى ليست يهودية.
لقد مرت المسيانية اليهودية بتحول. صور الأدب اليهودي الكلاسيكي ظهور عصر المسيح بعد كارثة أو أزمة كبيرة ، وآلام ولادة المسيح ، وحرب يأجوج ومأجوج. كل هذه العناصر هي جزء من الانتقال المسياني من عالم التاريخ إلى عالم يتجاوز التاريخ.
في المقابل ، فإن المسيانية اليهودية الجديدة هي نتاج نجاح تاريخي، وتحقيق السيادة اليهودية وممارسة السلطة على محيط غير يهودي. رأى الحاخام إبراهيم إسحاق كوك في الصهيونية اختراقا للدخول في مجيء المسيح ، بينما يعتقد ابنه تسفي يهودا كوك وتلاميذه أننا وصلنا بالفعل إلى تلك المرحلة. وهم يعتقدون أن علمانية الصهيونية ليست سوى ذريعة. ويعتقدون أنهم من الناحية العملية، يساعدون في إدراك المسيانية اليهودية. في حين أنه ليس شكلا شخصيا للمسيانية – فالمسيح ليس إنسانا – إلا أنه يحدث في وقت حقق فيه اليهود حكما وسيادة على الأرض. تم تعزيز طريقة التفكير هذه منذ حرب الأيام الستة.
سمة أخرى لهذا الشكل من المسيانية هي الحتمية أحادية الاتجاه. تنكر الحتمية المسيانية أي فشل محتمل مسبق ، وتوفر حافزا لدفع العملية إلى الأمام. تشكل هذه الحتمية نوعا من بوليصة التأمين الإلهية التي تحت رعايتها تكثف السيادة والحكم اليهوديين على الفلسطينيين. هذا الوضع يهدئ المؤمنين بالمسيانية الجديدة ، الذين يشعرون بخيبة أمل لأن اليهود العلمانيين قد رفضوا الأرثوذكسية على الرغم من جهودهم المتعددة لجعل هؤلاء السكان “يتوبون”.
بالتزامن مع هذه التيارات ، طوّر الحاخام مئير كهانا مقاربة عنصرية قائمة على السلطة تجاه غير اليهود بشكل عام، والفلسطينيين بشكل خاص. بالنسبة له ولأتباعه ، كانت السيادة اليهودية تعني قبل كل شيء استخدام القوة والعنف من قبل اليهود ضد غير اليهود. في الواقع ، أدى نقل نشاطه من نيويورك إلى إسرائيل إلى ترسيخ الجمع بين استخدام القوة وتأكيد السيادة اليهودية، وجعل الفلسطينيين هدفا مطلوبا بشكل خاص – لا سيما في الخليل ، حيث يتمتع أنصار كاهانا بقاعدة صلبة.
من بين المنتسبين إلى حاباد ، تتشابك السيادة والحكم على الفلسطينيين مع السيادة العرقية اليهودية، وفقا لتعاليم مؤسس الطائفة الحسيدية ومسيانية الحاخام الراحل .
أشعل مزيج سام من كل هذه الظواهر النيران التي التهمت المنازل في بلدة حوارة الفلسطينية الشهر الماضي، وأعاد المستوطنين وأتباع حاباد إلى هناك بعد أسبوع للاحتفال بعيد البوريم مع الجنود ، بالقرب من حطام المنازل والسيارات المحترقة .
في السنوات الأخيرة ، انضم الأرثوذكس المتطرفين من الأشكناز والسفارديم على حد سواء إلى هؤلاء الأشخاص. أدت النجاحات التاريخية لدولة إسرائيل، واندماج الحريديم في الحكومة والمجتمع الإسرائيلي وحركة المستوطنين إلى تآكل مكانة الأرثوذكسية الكلاسيكية غير الصهيونية. وعززت هذه النزعة السمات الأصولية ومناهضة الليبرالية لليهودية الجديدة. تظهر استطلاعات الرأي العام ارتباطا ثابتا خلال السنوات الأخيرة بين مستوى التدين والموقف المتشدد والعنصري. ليس من قبيل المصادفة أن التصريحات الأكثر تطرفا التي تعكس هذا الشكل الجديد من اليهودية قد رددها حاخامات ينتمون إلى مثل هذه الدوائر. إنهم يتخلصون من أي غطاء معياري ظاهري لهذا الخطاب.
لم يعد التفوق اليهودي شيئا يحتاج المرء للخجل منه، بل على العكس. السيادة والحكم اليهودي ليسا مجرد وسيلة تمكّن من التمسك بالتعاليم الدينية ، بل هدف في حد ذاته يخلق قاسما مشتركا بين جميع التيارات الأرثوذكسية. مثلما يصعب اليوم تخيل حاضر ومستقبل يهودي بدون دولة إسرائيل ، كذلك من الصعب تخيل اليهودية بدون سيادة وتفوق يهودي وسيطرة على الفلسطينيين.
التحدي اليهودي اليوم ، لاهوتيا وعمليا ، وهو إقامة السيادة اليهودية دون اضطهاد. ستكون هذه سيادة يمكن وصفها بجدارة بأنها “يهودية”.
اليهودية الجديدة لا تقترح إلغاء أو حتى إضافة الوصايا الموجودة. إن المجتمعات الملتزمة التي ترى الخدمة العسكرية كواجب ديني تشمل هذا الأمر في خزانهم الحالي من ميتزفوت/ الأوامر أو الوصايا الإلهية/ . تقترح اليهودية الجديدة مجالا عاما وهوية ووسائل للانتماء إلى جهاز السيادة والحكم.
بالنسبة لمؤيدي اليهودية الجديدة، فإن إمكانية الحكم والإصلاح القضائي ليست فقط ممارسات تحررية تقدمها حكومة مركزية، ولكنها مجموعة من القيم. إلى جانب دعم “الأسرة المعيارية” ، فإنهم يشكلون جزءًا من حزمة من المبادئ المحافظة التي حلت محل الديمقراطية الاجتماعية والليبرالية المعتدلة التي ميزت الأرثوذكسية الإسرائيلية ذات يوم.
قد يكون ربط الدين بالدولة قد حول الدين بالفعل إلى خادم للدولة ، كما جادل البروفيسور يشعياهو ليبوفيتز. ولكن حدث العكس أيضا. لأن الجنسية الإسرائيلية تقوم على العرق ، ولأنها مرتبطة بالدين، فلا يوجد فصل واضح في إسرائيل بين الدين والعرق والدولة. ولا يوجد مثل هذا العدد الكبير من الأفراد العلمانيين بالمعنى الكامل للكلمة. يتمركز معظم اليهود في إسرائيل على طول الطيف بين الأرثوذكسية الجامدة والإلحاد. على امتداد هذا الطيف الواسع ، هناك مزيج -بدرجات متفاوتة -من الممارسات الدينية، تتعلق بشكل أساسي بطقوس المرور ، والإيمان بالله ، والتدين ، والتقاليد العائلية ، والوعي التاريخي والأساطير. التصور الثنائي للدين والمتدينين مقابل العلمانيين لا يعكس الواقع الإسرائيلي بشكل صحيح.
ليس من قبيل المصادفة أن يكون الجيش الإسرائيلي والمؤسسة الأمنية في قلب اليهودية الجديدة. إنهم يشكلون عملاء رئيسيين للسيطرة على الأرض والسكان الفلسطينيين، ويدافعون عن السيادة اليهودية. علاوة على ذلك ، فإن المجتمع الإسرائيلي هو مجتمع عسكري. إنه يمنح الجيش والأجهزة الأمنية ليس فقط وسائل ومكافآت مادية غير متناسبة، وإنما،أيضا، وضع ومكانة . علاوة على ذلك ، فإن الجيش هو أداة التنشئة الاجتماعية والمواطنة. تعتبر الخدمة العسكرية تذكرة دخول إلى المجتمع وإثباتا للمواطنة الصالحة. ويعتبر أن الأشخاص الذين يُعتبرون غير يهود على أساس الهالاكا / الشريعة(القانون الديني)،والذين يخدمون في الجيش، قد دخلوا الدولة اليهودية وخضعوا لتحول اجتماعي إلى اليهودية.
من ناحية أخرى ، في نظر عامة الناس ، تعتبر الخدمة العسكرية للحريديم شرطا لتلقيهم كامل الحقوق. بالنسبة للصهيونية الدينية، الخدمة العسكرية هي وصية ، وكل نشاط متعلق بالأمن له أهمية لاهوتية ومسيانية.
زحف أعمى
أشار الكاتب أ. ب. يهوشوا إلى حقيقة أن إطار دولة إسرائيل الجماعي يشكل نوعا من يهودي جديد لا وجود له خارج الدولة اليهودية. على سبيل المثال ، في الولايات المتحدة وبالعودة إلى عام 2012 ، وصف يهوشوا هذا الشخص بأنه “يهودي كامل” (على عكس “اليهودي الجزئي” الذي يعيش في الشتات ، وهو إعلان أثار ضجة بين اليهود الأمريكيين على وجه الخصوص).
سأل”من هو اليهودي الكامل ، أو بكلمة أخرى دقيقة إسرائيلي؟” إنه يهودي يحكمه اليهود ، ويدفع الضرائب لليهود، ويلتزم بالتضامن مع اليهود الآخرين ، ويرسله اليهود للحرب، ويخلي اليهود من منازلهم ، أو يذهب لحراسة المستوطنات التي يكرهها. باختصار ، من يعيش في علاقة ملزمة مع يهود آخرين. على سبيل المثال ، عند قيام دولة إسرائيل ، دخل اليهودي الإسرائيلي في نظام تقشف من أجل دمج مئات الآلاف من اليهود الآخرين الذين اختاروا الصعود إلى أرض إسرائيل ، وتحويل يهوديتهم الجزئية إلى يهودية كاملة – في الأراضي اليهودية التاريخية وباللغة العبرية ، وهي اللغة الأصلية التي توحد الشعب كله “.
كما سأل يهوشوا : “هل نسير بعمى سياسي إلى دولة فصل عنصري ، هل سيكون الاحتلال جزءا دائما من هويتنا … هل تستمر العنصرية والمذابح ضد العرب في ملاعب كرة القدم … هل يدوس التعصب الديني على جوانب أكثر قيمة؟ الهوية الإسرائيلية؟ “
بعد أكثر من عقد من الزمان ، تم استبدال علامات الاستفهام هذه، جزئيا على الأقل ، بعلامات تعجب. الحكم على الآخرين ليس شيئا يُؤثر خارج الدين بالمعنى الإسرائيلي – إنه جزء منه. بالنسبة للأرثوذكس ، هو عنصر جوهري في لاهوتهم ومسيانيتهم.
يظهر تأثير اليهودية الجديدة خارج إسرائيل أيضا. إنها حاضرة بشكل كبير في الأرثوذكسية اليهودية في الغرب، وبدرجة أقل أيضا في التيارات الليبرالية والتقليدية، التي يتبنى أعضاؤها نسخا مختزلة منها بفضل ارتباطهم بإسرائيل. يمكن العثور على العلم الإسرائيلي في العديد من المعابد اليهودية بجانب العلم الأمريكي. يميل أعضاء الطوائف الليبرالية إلى توحيد الصفوف مع إخوانهم وأخواتهم في إسرائيل هذه الأيام ، في ضوء اعتداء اليمين العنصري على هويتهم اليهودية. في بعض الحالات، لا يكون هذا الاعتداء عنيفا بطريقة لفظية فحسب، بل يؤدي أيضا إلى خسائر في الأرواح.
دولة إسرائيل، السيادة والحكم اليهوديان – كل ذلك يوفر ملاذا في أوقات الشدة. من الصعب على اليهود في الغرب أن ينسحبوا من إسرائيل حتى لو كانت الدولة قد تعرضت لعملية شد الوجه بشكل جذري. إن علاقتهم العاطفية والرومانسية مع إسرائيل قوية وتستند إلى دعم السيادة اليهودية التي لا تقدم أي اعتذار عن القوة التي تمارسها، حتى لو كان العنف الإسرائيلي يتعارض مع قيمهم من وقت لآخر.
يهتم اليهود التقدميون في الغرب الذين لا يستطيعون التماهي مع اليهودية الجديدة، ومن بينهم جيل الشباب ، الذي تأثر وعيه بالفعل بالمحرقة النازية، ب “تيكون أولام” – إصلاح العالم. إنهم يعملون بنشاط لحماية حقوق الإنسان بشكل عام وحقوق الأقلية السوداء في الولايات المتحدة على وجه الخصوص. ينتمون إلى المنظمات التي تتعامل مع تغير المناخ والقضايا البيئية وحقوق الحيوان. هذه نسخة معاصرة من رسالة اليهود العالمية. إنهم يرفضون مفهوم السيادة والحكم اليهوديين اللذين يمثلان جوهر اليهودية الجديدة. بدلا من ذلك ، يقترحون أطرا فوق عرقية لتحسين العالم واستخدام المنطق اليهودي لدعمهم.
يجب أن يقال أن اليهودية الجديدة – اليهودية الإسرائيلية – تحدد السيادة والحكم الذي يمارس باسمها ، مع التفوق اليهودي والقمع. هذا ليس فقط تبريرا للسيادة، بل هو أيضا توجيه لتطبيق ممارسة معينة وتحمل مسؤولية تفعيل السيادة كأداة لإخضاع الفلسطينيين. التحدي اليهودي اليوم ، لاهوتيا وعمليا ، هو إقامة السيادة اليهودية دون اضطهاد. ستكون هذه سيادة يمكن وصفها بجدارة بأنها “يهودية”.
تترجم السيادة بدون اضطهاد إلى مساواة وشراكة كاملة بين غير اليهود في ممارسة تلك السيادة.
طالما أن القومية اليهودية مرتبطة باليهودية كدين تاريخي وشعب ، فلا يمكن اعتبار المساواة والشراكة بين غير اليهود في السيادة مجرد ظاهرة علمانية تنطوي على تقسيم للسلطة والحكومة. يمكن للمرء بالطبع أن يجادل ضد حق تقرير المصير لدولة إسرائيل كدولة يهودية ، والسعي إلى فصلها تماما عن اليهودية التاريخية وعن أيديولوجية وممارسة التفوق اليهودي. إن فصلا من هذا النوع سيخلق دولة إسرائيلية يتساوى فيها جميع المواطنين – خطوة بعيدة المدى فشلت في الماضي، في المجتمع وفي المحكمة العليا.
الاحتمال الآخر ، الذي لم يتم تجربته بعد ، هو إيجاد أساس لاهوتي وتاريخي يهودي لتقاسم السيادة مع غير اليهود. هذا التحدي ينتظر الآن معارضي التفوق اليهودي .
*البروفيسور مناحم كلاين أستاذ فخري في العلوم السياسية بجامعة بار إيلان، كان عضوا في الفريق الاستشاري العامل في مكتب رئيس الوزراء ايهود باراك ومستشارا لشؤون القدس ومحادثات الوضع النهائي بين إسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية . اصدر كتاب “سلام محتمل بين إسرائيل وفلسطين” عام 2007 ومن المؤيدين النشطين للسلام الإسرائيلي الفلسطيني ،وأحد الموقعين على وثيقة جنيف ، التي تضمنت تصورا لاتفاق سلام شامل.
المصدر: