أيها الموت نحاس يداك وصوتك غزير
فاروق يوسف
قبقاب يجوب المنزل
يبطئ أو يسرع الموت حاضرا بقوة أشباحه. يتنفس هواءه الأطفال كما لو أنهم يتسلون بزرقته.
تلك هي فأسه في رشقة ضوء وعلى خشبته يقف الناجون وهم يقشرون بصلته التي لم تنضج بعد.
ناسه الذاهبون وناسه القادمون يرتجلون معا إيقاع غبطته وهو يُخلي البيوت من مطابخها.
ربيعه لا يُمس وبين زهرتين يسيل عسله فيما يبقي دفاتر رعاته مفتوحة على صور لا تُمحى.
تلك ناياتهم وتلك أيضا خرافهم وعلى حبال الغسيل تتدلى جثث أناشيدهم اليابسة بعد فصل حار.
ليس للموت أجنحة ولكن الأسرة تطير.
ليس له قدمان، قبقابه يجوب المنزل
إيها الموت نحاس يداك وصوتك غزير
شتاؤك يهرب بشقائنا ومطرك يضرب قلوبنا
في مديح النافذة
إذا ما تركت النافذة مفتوحة
ذلك ما يغري الفئران بالغناء
لقد رأيت أمواتا يتثائبون كما لو أنهم عادوا من نزهة
ذلك ما يقع كل لحظة إذا ما دخلت فراشة إلى تابوت لم يُغلق
ربيع ما بعد الموت
نمت على الصحون أعشابنا وصارت الظلال تتبعنا كما لو أننا نخترعها كلما ضحكنا. كم متنا لكي نموت؟ كما لو أننا الشيء نفسه الذي تسلت أصابعنا في التنقيب عن سره. كنا خرافة ذلك اليوم الذي لم نمت فيه غير أن المرآة التي ابتكرت حقولنا نفضت عنا أوراق الأشجار. يا لربيعنا الحزين وقد استولى الخريف عليه.
على لسان ديك
اليوم ساعته التي هربت ثوانيها
اليوم شجرته التي يبس ثغاؤها
اليوم دموعه التي مزقت مخدته
اليوم فتياته اللواتي علقت شهواتهن بحبال النوم
اليوم فجره الذي يجلس على لسان ديكه باكيا
اليوم الذي هو ليس يومنا ستأخذنا عرباته إلى الموت
أربعة
«أربعة أصابع تفصلنا عن الجنة» قال المسافر
«أربعة مناديل تكفي للتلويح» قال البحار
«أربعة قناديل لإضاءة الطريق» قال الحارس
«أربعة قلوب يؤلمها القلب الخامس» يقول حامل الأمتعة.
قصيدة منسية
مَن يكمل هذه القصيدة فإنه سيكون كاتبها
ليس للنسيان أب
للنسيان أبناء
واحد منهم فقط يتذكر اسمه
للموت حمامات
نم صغيرا قبل أن يسيل الفجر على صيحة ديك ضاحك
لا تسهو عن رائحتك التي تحلق بالمخدة قبل الصباح
هل رأيت صبيا يشبهك يعبر النهر وهو يقطف الزهور؟
للموت حمامات، واحدة منها ستحط على كتفك فلا تنزع ريشها. أيها الموت سأنام ما دمت تهبني قناعا.
الأموات في نزهة
إذا تركت النافذة مفتوحة
ذلك يغري الفئران بالغناء
لقد رأيت أمواتا يتثاءبون
كما لو أنهم عادوا من نزهة
المرح بين أصبعين
إذا حضر الخميس من غير أن تسبقه أربعاء فإن ذلك يعني أن الرب قد اختصر المسافة بين فتيته والموت. كانوا فتية مرحين.
رسالة ضائعة
اتركي الطابع الذي يحمل صورتك على مظروف الرسالة. اتركي الرسالة كما لو أنها ليست لك. قفي في انتظار الملاك الذي سيحملها لي. ستحلمين بي وأنا أقرأ الرسالة التي كتبتها إليك من غير أن تفهمي شيئا منها.
٭ شاعر عراقي
فاروق يوسف