ثقافة وفنون

ملتقى النحت والخزف بالدار البيضاء: إحياء إرث التشكيل المغربي

ملتقى النحت والخزف بالدار البيضاء: إحياء إرث التشكيل المغربي

عبد العزيز بنعبو

الرباط – تعيش مدينة الدار البيضاء المغربية، على إيقاع الإبداع في الملتقى الأول للنحت والخزف الذي يتواصل من 19 إلى 28 كانون الأول/ ديسمبر الحالي، وتنظمه جمعية «أتولييه أثر آرت»، بدعم من وزارة الثقافة، وبشراكة مع مجلس العاصمة الاقتصادية، وبتنسيق مع المدرسة العليا للفنون الجميلة بالمدينة ذاتها.
وأبرزت إدارة الملتقى في بيان تلقت «القدس العربي» نسخة منه، أنها ارتأت أن تحمل الدورة الأولى اسم مبدع مغربي كبير، «يتعلق الأمر بالفنان الرّاحل حسن السلاوي (1946-2024) حيث، ولأول مرة، يتم إحياء ذاكرة الفنان باعتبارها ذاكرة اليد التي ترى والعين التي تلمس، كما انه هو من روض الخشب وطوعه، وجعل من مواد الصنائع الحرفية مصدر إلهام لا ينضب وبديلا إبداعيا لأسندة النموذج الغربي خاصة القماش والورق».
وأكد مصطفى غزلاني رئيس جمعية المنظمة «آتوليه آثار أرت»، أن فكرة ميلاد ملتقى النحت والخزف، جاءت «استجابة للظمأ الذي يشتد بعدد من المبدعين في مجال النحت، ومعاناتهم من أجل إيجاد المكان اللائق بهم في المشهد التشكيلي المغربي».
ويتمثل السبب الثاني، حسب الفنان نفسه متحدثا إلى «القدس العربي»، في كون فكرة هذه التظاهرة الفنية الابداعية برزت مباشرة بعد انتهاء الملتقى الذي تمحور حول الفنان التشكيلي المرحوم عمر آفوس، والذي تضمن ندوة حول الفن التشكيلي المعاصر المغربي مع معرض جماعي ضم عدد من الفنانين المغاربة الذين جايلوه»، و»كان لنجاح هذا الملتقى الأثر في رفع سقف الطموح والتأسيس لتظاهرة أكثر خصوصية، فكانت فكرة ملتقى النحت والخزف».
وجوابا على سؤال التخصص في النحت والخزف فقط دون باقي الفنون التشكيلية كالرسم مثلا، قال غزلاني إن «الفكرة تقوم أساسا على تحقيق انطلاقة فعلية لتصحيح تلك النظرة المتشنجة التي يحملها العالم الإسلامي عامة، لفن النحت، بما في ذلك تحفيز المبدعين وخاصة الشباب منهم، للتخلي عن تلك النظرة التي تجعل من التعاطي مع هذا الجنس الإبداعي، محفوفا بالخوف من أحكام المجتمع السائدة كالتحريم».
لذلك يوضح المتحدث نفسه، فإن الفكرة الأساس من الملتقى هي تنقية الأجواء أمام المبدعين ومحاولة كسر تلك التخوفات وتجاوز تلك الاحكام المسبقة التي تهيمن على العقلية الجماعية، وبالتالي إغناء المشهد الفني بالمزيد من الابداعات».
واستطرد قائلا «إن المغرب كما يعرف الجميع مشهور وله باع طويل في مجال الخزفيات المرتبطة بالصناعة التقليدية، وخاصة الأواني والزليج الشهير جدا، لذلك ارتأينا أن نشتغل في الملتقى على تيمة الخزف الفني أو الصيغة الإبداعية للخزف».
وأضاف المتحدث أن طموح الملتقى هو السير بالصناعة الخزفية الأصيلة في المغرب، في طريق مواز وهو طريق الإبداع، وهو «ما سيمنح المزيد من الدعم والعناية على مستوى الأفكار المتجددة»، و»تحقيق الحضور على الساحة العالمية كما هو عليه حال صناعة الخزف التقليدية المغربية، دون إغفال تلك التناظرية الإبداعية التي تجعل الخزف الفني يستفيد من الخزف التقليدي ويغنيه والعكس صحيح».
غزلاني المنشغل بالطين كنحات، بعد أن قضى سنوات طويلة في الصباغة كفنان تشكيلي، ما زال يحافظ على ازدواجية التعبير الإبداعي لديه، ويقول في هذا السياق إن انشغاله واشتغاله على الطين مهما بلغت درجة ابداعيته وجودته «لن أستطيع التخلص مما ترسخ في ذاكرتي البصرية من أحجام وألوان»، لذلك فإن «التفاعل الفني التقليدي، هو عامل أساسي حتى قبل تاريخ المنحوتة»، ومن هذه النقطة بالضبط، يؤكد المتحدث «تنطلق الخصوصية عند كل فنان في بلده، لأنه لا يختار تمثيل هويته بل هو الهوية».
وذكر غزلاني في تصريحه لـ «القدس العربي»، أن دورة هذا الملتقى الأول تحمل اسم النحاة حسن السلاوي نظرا لمنجزه في هذا الجنس أولا، وثانيا هي تكريم لأستاذ قضى عمره بين محترفات المدرسة العليا للفنون الجميلة التي أشتغل بها مدرسا للمادة موضوع هذه التظاهرة.
عرفان الملتقى الأول للنحت والخزف، لم يتوقف عند الراحل السلاوي، بل أفادت إدارة الملتقى في بيانها، بأن المناسبة ستكون لحظة احتفاء أيضا «بعدة ضيوف شرف من أعلام النحت والخزف الفني على الصعيدين الوطني والدولي إلى جانب تكريم أسماء مبدعة ساهمت في المسار الجمالي والتربوي بالمدرسة العليا للفنون الجميلة بالدار البيضاء».
ووضع الملتقى من بين أهدافه السعي إلى إعادة الاعتبار لفَنَّيْ النحت والخزف، من خلال إقامة معرض جماعي لفنانين مغاربة وأجانب (38 مشاركا) ، وكذا تنظيم ندوة حول موضوع «النحت والخزف في التشكيل العربي: تجارب ومسارات»، والتي تبحث في مسار وخصوصية الإبداع النحتي والخزفي على المستوى العربي عبر مقاربة تجارب فنانين عرب ساهموا في إخراج النحت والخزف من قالبهما التقليدي إلى المعاصر، وذلك بمشاركة باحثين ونقاد من المغرب وتونس، فضلاً عن إقامة ورشة فنية حول النحت والخزف التشكيلي لفائدة طلبة المدرسة العليا للفنون الجميلة بالدار البيضاء، وقد تظافرت جهود عديدة (فردية ومؤسّساتية) لتستجيب فعاليات هذا الملتقى الفريد من نوعه لانتظارات المتتبعين والمنشغلين بالشأن الفني ومستجداته.
والجدير بالذكر أن الفنان حسن السلاوي الذي تحمل الدورة الأولى من ملتقى النحت والخزف اسمه، ترعرع في أحضان مدينة فاس التراثية والعريقة، وهو مبدع متخرج من المدرسة الوطنية العليا لمهن الفن، تخصص خزف. وفي الفترة ما بين عامي 1963 و1972، تابع تكوينه بمدرسة الفنون التطبيقية، والمدرسة العليا للأساتذة (قسم الرسم الفني) بالرباط، ومرسم «ميت» في بنينغن و»جي. دا أندون» والمدرسة الوطنية العليا لمهن الفنون بباريس. وحصل على درجة الماجستير المتخصصة في علم الجمال ودبلوم الدراسات المعمقة في حقل الفنون التشكيلية عام 1978 وفي علوم الفنون من جامعة باريس 1 السوربون عام 1980.

القدس العربي:

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب