ملامح الهزيمة
بقلم الدكتور ضرغام الدباغ / برلين
بالصدفة يلفت انتباهي أحياناً، ما يدور في التلفاز، فلست من مشاهديه الذي أعتقد أن مساوئه أكثر من منافعه، بل أني أعتبره مضيعة للوقت، ولكن بالطبع يعرض أحياناً أشياء تستحق المتابعة، ومن تلك مثلاً مباراة بالملاكمة بين بطل يحوز على لقب ومتحديه. ومع أني أعلم أن الملاكمة تحسم بقوة الملاكمين، وقدرتهم على المطاولة، كما تعتمد على وزن الملاكم، وقابلياته التكنيكية، وبعد مشاهدتي للعديد من النزالات، صرت أعتقد أن المستوى النفسي، والإرادة هي من العوامل التي لها علاقة وثيقة بمجرى النزال ونتيجته.
ومن المحتمل، أن بعض المشاهدين (وهم قلة) يهتمون بالموقف المعنوي للملاكمين، وقد يلحظون ذلك من خلال حركته على الحلبة، ولكن قبل ذلك في متابعة حركته، وردود فعل بدنه، وقسمات وجهه. والملاكم يعرف نفسه، ويشاهد مؤشر الوقود المتبقي في مخازنه، ويدل على ذلك ردود فعله… قد ينتابه الشعور أن خصمه مقاتل عنيد يقاتل بقوة وحماس كخيار وحيد … بينما قدراته هو في تراجع، ويفكر أن خصمه(متحديه) ليس لديه ما يخسر، بينما هو ربما قد يخسر لقبه كبطل ..! وأنت كمشاهد قد لا تدرك ذلك، ولكن هو يعرف نفسه … أن الأمر بلغ ذروته … والهواجس تملأه بل أنه على وشك الانهيار…. ارجو الأنتباه فما أقصده ليست الملاكمة بالمطلق …!
كنت أتفرج مرة مباراة بالملاكمة بين إثنين: البطل (ملاكم قوي ومشهور) ومتحديه بطل طموح ومقاتل عنيد. البطل كان يلعب برهاوة يدل على سيطرة وتفوق. والمتحدى يلعب بشجاعة وإقدام، ولكنه لا يستطيع أن يجاري البطل. وتدور جولات ربما 6 أو 7 جولات، والتفوق فيها بوضح للبطل. وفجأة في الجولة السابعة، يحدث شيئ مدهش، هو أن البطل ينهار وهو متسيد الحلبة، ويطغي عليه المتحدي، ويشبعه لكماً حتى يسقطه أرضاً بالضربة القاضية. ماذا حدث …؟ لا أحد يفهم وسط دهشة ألوف الحاضرين والمعلقين ..!
يتقدم صحفي تلفازي، نحو المتحدي الفائز.. وقد انتزع لقب البطولة … ويسأله ما يدور في أذهان الجمهور كله … ” كيف أنقلب الموقف لصالحك … ؟ “
أجاب الملاكم المتحدي ” لا أدري .. أنا كنت الكم بقوة وليس لي من خيار آخر، أنا المتحدي وعلي أن أثبت جدارتي … كنت ألاكم وألعب ولا يهمني شيئ آخر … وفجأة … نعم فجأة …. في لحظة واحدة … رأيت الإنكسار في عين البطل.. رأيت اليأس يدب في نفسه من أن يبقى بطلاً … اليأس من النصر … اليأس من الحفاظ على موقفه … رأيت الاستسلام في عينيه … لقد أنكسر شيئ في داخله … وأنا أدركت هذا أولاً ثم شاهدت هذا الانكسار …! “
” ما هو هذا الانكسار الذي رأيته …” سأل المذيع
” لا أدري …. رأيت ضوء أنكسر في عينه … رأيت الاستسلام للقدر …”.
هذا المشهد والحوار أتذكره جيداً … ويدعوني للتأمل ….!