ثقافة التخلف..
بقلم محمد حماد عبدالمنعم -السودان –
#ملف_الهدف_الثقافي
ثقافة التخلف ثقافة تضرب بجذورها في تراث السلف (الجهادي والتكفيري) وما يحمله هذا التراث من جوانب سلبية لاتزال، إلى اليوم تؤثر أيما تأثير في الوعي واللاوعي الجمعي، وتعيق مسيرة مجتمعاتنا نحو الحضارة.
الخاصية الأولى لثقافة التخلف: تتمثل في إنكفائها على ماضٍ متخيّل تتهوّس به ولا تكفّ عن استعادته، محاكاة وتقليداً واتباعاً، وتبالغ في تقديسه بما يجعل منه إطاراً مرجعياً في كل شيء قادم!
وعندما يغدو هذا الماضي معيار القيمة الموجبة لما يمكن أن يحدث في الحاضر والمستقبل؛ بل ان المستقبل نفسه يغدو صورة لهذا الماضي الذي يستدير إلية الزمن في تعاقبه الذي يعود دائماً إلى نقطة البدء المتقدمة في الوجود والرتبة.
“يوجد الكثير من الأسباب التي تعيق نهضتنا وتقدمنا، وتمنع مواجهتنا لقضايا العصر ومشكلاته مواجهة حرة طلقة!.”
#أولاً_النزعة_الماضوية:
الحنين إلى الماضي بوجه عام ليس الماضي بالنسبة للكثيرين منا سوى معتقل لا يختلف عن أي معتقل.. النزعة الماضوية هي أهم المكونات التي يبني عليها الفكر الاتباعي والثقافة الاتباعية، ومن أهم الخصائص التي يتأسس بها خطاب التعصب ويعتمد عليها، وهي جزء لا يتجزأ من خطاب القمع والإرهاب المتوعد في أصوله الفكرية وممارسات خطابه التي تميل إلى العنف والتدمير، خصوصاً بما تنطوي عليه من استئصال المختلف وإقصاء المغاير.
لقد أصبح الفكر أمراً ليس معتاداً ولا معروفاً، وهو قرين البدعة التي تقترن بالضلالة الدينية بكل أحوالها، ومن ثم بالنار.. إنه يخالف الشريعة التي لابد من إيقاع الإتحاد بينها وبين منهج الإسلام السياسي (الجهادي والتكفيري) تقديساً لمبدأ الاتباع؛ وقد كان جمهور هؤلاء يكرهون المخالفة بوجه عام وينفرون من الجديد، والتغيّر وذلك بكل ما يقترنان به من عمليات تحديث أو تطوير أو تغير أو حتى إصلاح.. فالأصل هو الوضع الثابت المجمع عليه عندهم، خصوصاً في اقترانه بأنساق ثبتت فجمدت، وأعراف استقرّت فتكلست، وعادات اتُبعت إلى أن تحجّرت! وقد وصل العداء للجديد إلى العداء للعقل بوجه عام، وخصوصاً إذا كان جزرياً في مساءلته، جسوراً في تحدياته غير ميالاً إلى الاتباع الأعمى.. حتى أصبح يغدو الإختلاف قرين المعصية الفكرية والضلالة التي تفضي إلى النار وتستحق العقاب والتنكيل! وكانت النتيجة وما تزال هي شيوع الشعار “من تمنطق تزندق”.
#ثانياً_العداء_للآخر_غريزة_عندنا_أو_يكادز:
العداء ((للآخر)) كثيراً ما ظفر في ثقافتنا القديمة والحديثة، بقسط وافر من العداء وما يستتبع ذلك من الريبة في المغايرة والتنوع والعداء للإختلاف في المجالات السّياسية والإجتماعية والثقافية والإعتقادية؛ وهي نزعة غالبة في الثقافة الحالية السائدة.. والآخر هذا ليس الأجنبي دائماً، إذ يمكن ان يكون المختلف في المجتمع نفسه سواء من حيث العقيدة أو اللون أو القبيلة أو المذهب أو القناعات والتوجه السياسي أو الطائفة أو حتى النوع.
عدم المساءلات الجديدة كالاسئلة المراوغة كانت مصدر إقلاق للذهن العربي والأفريقي التقليدي ونخص السوداني الذي استقر على ماهو عليه، خصوصاً أن هذا الذهن لم يكن قد اعتاد على الاسئلة الصعبة الجسورة، ووجد في الإحتمالات التي تفتحها الإجابات، أو تناقشها الأسئلة مصدراً للقلق والحيرة، وباعثاً على إعادة التفكير فيما استقر عليه الإسلام السياسي، وهو أمر أربك النسق الفكري القائم، ودفع إلى نوع من المقاومة كالإستجابات السلبية بمنزلة آلية دفاعية تحفظ الأنساق الفكرية المتوارثة ثباتها، وتبقى الأنظمة الملازمة لها على حالها، فتصون عالمه الذي ألفه وحقق مصالحه وظل يجد فيه مراحه النفسي والعقلي.
ساد النقل، أي الأخذ عن السابقين والتعويل على نصوصهم، والاسناد بوجه عام إلى النصوص الموضوعة والضعيفة القديمة السابقة في الوجود والرتبة، والنظر إلى هذه النصوص بعضها مبتدى العلم ومنتهاه، ونتج عن ذلك إغلاق باب الإجتهاد خصوصاً بعد أن ترسخ الاعتقاد بأن أحاديث جماعات الإسلام السياسي وأثارهم وكتاباتهم تلقي لمواجهة أي مشكل طارئ، أياً كان نوع هذا المشكل أو أياً كان مجاله.. كذلك لم تسلم الفلسفة ودعاتها من المهاجمة، إذ نالت نصيباً وافر من الاضطهاد، وقد ازداد حال (قمع الآخر) كيانياً وفكرياً واجتماعياً وثقافياً وسياسياً ذلك القمع الذي كان ومازال علامة انكسار شوكة التفكير والتغير واشعاع الفكر والابتكار والتفكير العقلاني في مركز المنطقة العربية ودول العالم الثالث.
إن ثقافة التخلف شائعة بل مهيمنة، والمشكلة هي أن هذه الثقافة لا تزال تفعل فعلها في حاضرنا فتلقي بثقلها ونفوذها على حياتنا “الفكرية والإجتماعية والسياسية” ونزال إلى اليوم ننظر أو ينظر أكثرنا إلى أن الناس مازالوا بخير إذا ما تباينوا فإذا تساووا هلكوا، وأن الأقدم سابق في الوجود والرتبة وأن المتأخر لن يلحق به! وإن العلم النافع هو التقيد بالمأثور.. إلى ما هنالك من ثقافات يعاد إنتاجها والعمل بها إلى اليوم! فالقديم أصبح يغدو وفي كل مجال حضوراً متجدداً سابقاً في الحضور والرتبة، وينتج عن ذلك تكرار الأصول المتوارثة والتقبل المزعن لها، دون شك أو مساءلة أو إعادة اجتهاد فما قاله القدماء أصول لا تقبل النقد أو المساءلة.
اخيراً وليس المنتهى: التيارات التي لم تكفّ عن التمرد والمقاومة على تسلطية هذه النزعات المتطرفة، ومع إشعاعات التيار الإنساني العقلاني وحركات المقاومة الأصيلة التي لم تنقطع، كان ومازال التمسك بالعقل إعلاءً من شأن الحضور الإنساني ودفاعاً عن حق الإختلاف كما ان الدعوة إلى الإجتهاد دعوة إلى معرفة الآخر والتفاعل معه أو الحوار مع ثقافاته.
لا_لخــطابــات_الكــ.ــراهيـ.ـة