ذاكرة
ذاكرة
جامعة بير زيت الفلسطينية (1924-2024)
من مدرسة ابتدائية للبنات تأسست في سنة 1924 بمبادرة من المربية نبيهة ناصر، وتوحدت في سنة 1932 مع مدرسة للأولاد، ولدت كلية بير زيت العليا وانتقلت إلى التدريس الجامعي في سنة 1953، وفي سنة 1972 شهدت مرحلة تقديم البكالوريوس في الآداب والعلوم، وانتقلت إلى مقرّها الحالي على تخوم مدينة رام الله. وفي سنة 1976 خرّجت الجامعة فوجها الأول، وقُبلت في اتحاد الجامعات العربية، وانضمت بعد سنة إلى الاتحاد العالمي للجامعات.
تضمّ الجامعة اليوم 9 كليات، في اختصاصات الآداب، والعلوم، والفنون والموسيقى والتصميم، والأعمال والاقتصاد، والحقوق والإدارة العامة، والهندسة والتكنولوجيا، والصيدلة والتمريض والمهن الصحية، والتربية، والدراسات العليا. وإلى جانب البرامج التي تفضي إلى درجة البكالوريوس في تخصصات رئيسية وفرعية، توفّر الجامعة عدداً من برامج الدراسات العليا، وبرنامجاً خاصاً بالدكتوراه في العلوم الاجتماعية.
وتتمتع الجامعة بسجلّ حافل في مجال المشاركة والتنمية المجتمعية، فتنوعت برامجها بين محو الأمية والصحة العامة والمجتمعية، إلى تطوير الإعلام، والإصلاحات القضائية والمرأة، مروراً بالتعليم المستمر ودراسات البيئة والمياه والتنمية والتربية والصحة والتطوير التكنولوجي والصناعات الدوائية.
وفي عداد خريجي الجامعة شخصيات لعبت العديد من الأدوار الحاسمة في الحياة السياسية والثقافية والأكاديمية والاجتماعية الفلسطينية، أمثال فتحي الشقاقي ومروان البرغوثي ويحيى عياش وحنان الشيخ وحسين البرغوثي وسليم تماري وإيليا سليمان. وبين كادرها التدريسي يُذكر أمثال حنان عشراوي وسري نسيبة وإبراهيم أبو لغد وسواهم.
وقد أعلنت إدارة الجامعة أنها سوف تستثمر الذكرى المئوية «للتأمل في منجزاتها كمؤسسة وطنية رائدة، رسخت وجودها في الوعي وفي الواقع على امتداد مئة عام من الصمود والإنجازات»، وبالتالي سوف تلتزم برؤيتها الوطنية التي «صارت مقولة عامة وسلوكاً جمعياً لمجتمعها الممتد في كافة الجغرافيات الفلسطينية في القدس وغزة والضفة الغربية وفلسطين 1948 والسجون والشتات».
فلاديمير إيليتش لينين (1870 – 1924)
الذكرى المئوية لرحيل قائد الثورة الروسية والمنظّر السياسي والفكري للبلاشفة في روسيا والاتحاد السوفييتي مطلع القرن الـ20، وأحد أهمّ الشخصيات التي طبعت الفكر الماركسي والعمل التنظيمي، وتركت أعمق التأثير على امتداد أجيال لاحقة في روسيا وأوروبا والعالم قاطبة؛ الأمر الذي توجّب أن يخلّف مساحات اختلاف غير ضئيلة، حول مسائل مثل مفهوم «دكتاتورية البروليتاريا» وسلطة الحزب الواحد.
والأرجح أنّ قسطاً غير قليل من الغنى الفكري والفلسفي والسياسي الذي طبع آراء لينين وكتاباته نجم عن سنوات المنفى الإرادي التي قضاها بين فرنسا وألمانيا وسويسرا، وكذلك المنفى القسري في سيبيريا تنفيذاً لحكم من القضاء القيصري. وخلال السنوات الأولى التي أعقبت ثورة 1917، أدخل لينين برنامج «السياسة الاقتصادية الجديدة»، أو الـNEP، والذي أطلق طاقات الاتحاد السوفييتي الإنتاجية وسجّل قفزات نوعية هائلة في ميادين العلوم والتكنولوجيا والصناعة وتطوير الأرياف والتسلّح العسكري. يُشار أيضاً إلى أنّ لينين كان في طليعة كبار مفكّري ذلك العصر في ميدان نظرية الاستعمار، حيث اعتمدها وسيلة مبدئية لتشريح الدولة الرأسمالية والفلسفة الليبرالية واقتصاد السوق والمنظومات الإمبريالية في آن معاً؛ وتُنسب إلى أحد عناوين كراساته تلك العبارة الشهيرة التي تقول: «الإمبريالية أعلى درجات الرأسمالية».
وقد لا تكون شائعة على نطاق واسع آراء لينين في الآداب والفنون، حيث يمكن تقسيم كتاباته في هذه الميادين إلى ثلاثة محاور: الملاحظات النظرية أو النقدية أو التثمينية، بصدد هذا الكاتب أو ذاك؛ وذائقته الجمالية الشخصية، التي عبّر عنها مباشرة أو بالعلاقة مع قضية أخرى غير أدبية؛ ثمّ توجيهاته المعلنة الخاصة بالسياسات الثقافية للحزب والدولة عموماً. وصحيح أنه فضّل الأدب الواقعي، والرسم الطبيعي للنصف الثاني من القرن التاسع عشر، والموسيقى العاطفية من خلال الأعمال الروسية؛ إلا أنّ الصحيح المقابل أنه لم يفرض ذائقته الشخصية عند رسم السياسات الثقافية، أو خلال المؤتمرات والملتقيات الأدبية.
وفي مراسلاته مع مكسيم غوركي خاصة، أوضح لينين جملة آراء حول أدب ليون تولستوي وكتب مقالة بعنوان «تولستوي كمرآة للثورة الروسية»، كما ثمّن عالياً رواية غوركي «الأم»ّ واعتبرها أدباً نضالياً، واعتنق الكثير من خلاصات جورجي بليخانوف حول الأدب والفن، واستعاد تقييمات ماركس وأنغلز بصدد أدب الروائي الفرنسي بلزاك مثلاً. ويتوقف كثيرون عند عبارة حاسمة، وردت في تعليق لينين على كتاب فيورباخ «جوهر الدين»، تقول: «الفنّ لا يقتضي بالضرورة أن يُنظر إلى الأعمال بوصفها الواقع ذاته»
لورد بايرون (1788 – 1824)
الذكرى الـ200 للشاعر البريطاني جورج غوردون بايرون، أحد كبار شعراء المدرسة الرومانتيكية الإنكليزية، صحبة وليام وردزورث، جون كيتس، وليام بليك، وبيرسي بيش شيللي. وهو صاحب الحصيلة الشعرية الثرّة رغم حياته القصيرة؛ والذي رثاه كبار مجايليه من الكتاب على نحو عاطفي جامح عكس مكانته في النفوس. الروسي فيودور دستويفسكي ذهب إلى درجة نعي «البايرونية»، فكتب أنها «ظاهرة كبيرة ومقدسة، تشكل ضرورة لحياة الشعب الأوروبي، وربما لحياة الإنسانية جمعاء. لقد ظهرت في لحظة من الحزن العميق، لحظة الخيبة واليأس، فقد تحطمت الرموز القديمة، لتظهر في تلك اللحظة عبقرية كبيرة وقوية».
ولد بايرون في لندن، وترعرع في اسكتلندا، وحصل على لقب لورد في سنّ 15 سنة، وعاد مجدداً إلى إنكلترا ليدرس في جامع كمبرح. في عام 1807 أتمّ مجموعته الشعرية الأولى بعنوان «ساعات الكسل»، وباشر بعد ذاك سلسلة رحلات في أوروبا الشرقية، ليستقبل العام 1812 بأوّل إصدار شعري مطبوع حمل عنوان «أسفار شايلد هارولد»، وتعاقبت أعماله مثل «عروس أبيدوس»، و«القرصان». غادر إلى إيطاليا في عام 1816، وكتب هناك عدداً من الأعمال، بينها «مانفرد»، «قابيل»، و«دون جوان» العمل الذي لم يكتمل بسبب وفاة الشاعر في ميسولونغي على شواطئ اليونان الغربية أثناء حرب استقلال البلاد.
تتوفر في لغة الضاد ترجمات لعدد غير قليل من أعمال لورد يايرون، بينها «أسفار شايلد هارولد» التي نقلها عبد الرحمن بدوي إلى العربية؛ وفي تصديرها كتب المترجم: «كان فيه احتقار مستمر لكلّ شيء، حتى ليخيل إليك أنه عانى أسوأ ما يمكن أن يكون؛ وكان يعيش على الأرض غريباً عنها، وكأنه روح شاردة أُلقي بها من عالم آخر، وكان له خيال مظلم يخلق لنفسه الأخطار التي يكون قد أُنقذ منها، ولكن عبثاً، فذكراها كانت لنفسه مصدر انتصار وندم معاً».
وهنا، بترجمة توفيق اليازجي، المقطع الثاني من قصيدته الشهيرة «تخطر في الجمال»: «لو هناك من الظل أكثر قليلاً/ ومن الشعاع أقلّ قليلاً/ لما شوّها إلا يسيراً من ذلك الحسن الرائع/ المتماوج في كلّ من خصلها الفاحمة/ والمضيء المنير برقّة ونعومة من على محياها/ حيث الأفكار العذبة برصانة ووقار/ تعبّر عن قيمة ونقاء المكان/ الذي فيه/ تجثم وتقيم».
جوائز
جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي
فازت المترجمة السورية د. رانيا سمارة بالمركز الثاني ـ فئة الترجمة من العربية إلى الفرنسية، عن ترجمة رواية اللبناني الراحل الياس خوري «أولاد الغيتو ـ نجمة البحر»، التي كانت قد صدرت تحت عنوان L’Etoile de la mer ضمن منشورات Actes Sud/Sindbad في باريس.
والرواية في الأصل العربي كانت قد صدرت عن دار الآداب في بيروت، سنة 2019؛ وهي الجزء الثاني من ثلاثية بدأها خوري بـ«أولاد الغيتو – اسمي آدم»، 2016؛ وأعقبها بـ«أولاد الغيتو – رجل يشبهني»، 2023. وهنا يتابع خوري حكاية أدم دنون، الفتى الفلسطيني ابن اللد الذي هاجر إلى نيويورك، بعد أن غادر بيت الأسرة وهو في الخامسة عشرة من عمره ليقصد مدينة حيفا. وكما في الجزء الأول والجزء الثالث، ثمة خليط معقد ومركب من الأحلام والكوابيس والذكريات والهويات، وثمة تقاطعات عديدة يبرع خوري في رسمها بين الهولوكوست والنكبة، وبين الخيال والتاريخ، تُشبع بعشرات الدلالات مفردة «الغيتو» المتكررة في العنوان.
رحيل
الياس خوري (1948-2024)
القاص والروائي والناقد والكاتب المسرحي والصحافي والأكاديمي اللبناني، ألقاب كثيرة لأشغال عديدة مارسها خوري من دون أن تحجب شخصيته الأبرز والأهمّ: الروائي الذي كتب عشرات الأعمال الروائية، دأب خلالها على تطوير هذا الفن من جوانب تخص المضامين التي تنوعت بين رصد مفاعيل الحرب اللبنانية، وبين الغوص عميقاً في المستويات الاجتماعية والإنسانية والتاريخية والسياسية للقضية الفلسطينية.
وبهذا المعنى فإنّ أعماله في قراءة لبنان الاجتماعي والسياسي (على شاكلة «الجبل الصغير»، «الوجوه البيضاء»، «أبواب المدينة»، «رحلة غاندي الصغير»، «مملكة الغرباء»، «مجمع الأسرار»، «يالو»، «كأنها نائمة»…)؛ تكاملت، وتقاطعت، مع أعماله التي تناولت فلسطين وقضيتها وشعبها (في «باب الشمس»، «اسمي آدم»، «نجمة البحر»، وّرجل يشبهني»).
ولد خوري في بيروت ـ منطقة الأشرفية، وانتمى مبكراً إلى حركة المقاومة الفلسطينية فسافر إلى الأغوار والتحق بحركة «فتح». تخرج من الجامعة اللبنانية سنة 1971، وسافر إلى باريس لإتمام دراسات عليا في التاريخ الاجتماعي. ترأس القسم الثقافي في صحيفة «السفير»، كما أسس وترأس تحرير الملحق الأسبوعي لصحيفة «النهار».
رواية «باب الشمس»، 1998، غير بعيدة عن أن تكون العمل السردي الأهمّ والأغنى عن الشطر الخاصّ بمنطقة الجليل من تاريخ النكبة الفلسطينية. وفي تشخيص علاقة روايته هذه بالتاريخ، أشار خوري في الصفحة الأخيرة من الرواية إلى دور «عشرات النساء والرجال، في مخيمات برج البراجنة وشاتيلا ومار الياس وعين الحلوة»، الذين فتحوا له «أبواب حكاياتهم» وأخذوه «في رحلة إلى ذاكراتهم وأحلامهم». وبعد أن يسرد أسماء أشخاص حقيقيين كانوا دليله إلى «شذرات الحكاية» ورفيقه «في البحث والكتابة»، عدّد خوري أسماء المؤلفين الذين احتاج إليهم «من أجل إنجاز الجانب التاريخي» في الرواية: من مؤلفات صلاح الدباغ وأنيس صايغ وتوم سيغيف، إلى مذكرات القاوقجي وبن غوريون.
ويضيف: «تحليلي الخاص أنّ كتابة التاريخ الفلسطيني الحديث قد تأخرت، أو بمعنى أدق، هذا التاريخ لم يكتب حتى هذه اللحظة، لأنّ الفلسطينيين كانوا ولا يزالون يرفضون الاعتراف بما حدث»؛ الأمر الذي قاده إلى بدء الإعداد لمشروع «باب الشمس» والدخول في تجربة كتابة الرواية. ولكنه لا يسند إلى «باب الشمس» أيّة وظيفة خطابية واضحة في كتابة التاريخ الفلسطيني، ويقول: «صحيح أنّ المنتصر هو مَن يكتب التاريخ، كما علّمنا غرامشي، ولكن مَن يكتب الحكاية؟».
ماريز كونديه (1937-2024)
الروائية الفرنسية من غوادلوب صاحبة عشرات الأعمال الروائية المكرسة لاستعادة الذاكرة الجمعية الأفريقية في مواطنها وفي مواقع الشتات العديدة، بتواشج تامّ مع تواريخ الرقّ والاستعباد في مجتمعات أوروبا، وفي بعض فلسفاتها سواء اتصفت بالعنصرية الصريحة أو تقنعت بنظريات تفوّق العرق الأبيض. وفي هذا السياق كان طبيعياً أن يندرج أدب كونديه في صلب جماليات «الزَنْوَجة» التي سبق أن تولى تطويرها أمثال إميه سيزير وليوبولد سنغور.
وكانت كونديه قد تعمدت الإقامة في عدد من البلدان الأفريقية، مثل السنغال وغينيا وساحل العاج وغانا، لكي تعمق معرفتها بهذه المجتمعات وتوظف في رواياتها أنساق احتكاكها بنماذج بشرية واقعية؛ الأمر الذي أكسبها معرفة أشدّ إحاطة بالفن الروائي أولاً، ثمّ شحذ وعيها بحاضر ومستقبل ومآلات الهوية الأفريقية، كما سلّحها برؤى نقدية متقدمة حول مفهوم «الزنوجة» ذاته.
بدأت كونديه من الكتابة المسرحية، لكنها انتقلت سريعاً إلى الرواية في سنة 1976 وحققت شعبية واسعة مع الجزئين الأول والثاني من روايتها «سيغو»، سنة 1984، التي تروي أحقاب مملكة بامبارا في مالي القرن الثامن عشر، بين الصعود والسقوط. وخلال فترة وجيزة من حياتها عادت كونديه إلى بلدها غوادلوب، وشاركت في نضالات الاستقلال، كما سافرت إلى الولايات المتحدة لتدريس الأدب الفرنكوفوني في جامعات أمريكية، بينها كولومبيا.
وتعتبر كتابات كونديه مركزية في تحوّل الدراسات الفرنسية نحو آداب أخرى تستخدم لغة موليير، بعد أن كانت منحصرة في دراسة الأدب الفرنسي وحده، وهذا ما أسهم في تطوير نطاق الأدب الفرنكوفوني من حيث الإنتاج والتدريس والترجمة في آن معاً. وقد تُرجمت أعمال كونديه إلى لغات حية عديدة، بينها العربية التي شهدت تعريب رواياتها «ديزيرادا»، «في انتظار الطوفان»، «أنا تيتوبا»؛ و«أزهار الظلمات»، ومنها هذا الاستهلال، بترجمة رندة بعث:
«الوقت منتصف النهار، ساعة مجد الشمس في خطوط العرض تلك التي ليست «معتدلة» كما في بلدان أوروبا، غير أن النهار كان مظلماً، أعتمته آلاف مؤلفة من الفراشات التي يحسب المرء أن الليل تقيأها. عندما أمعن قاسم النظر، لاحظ أن تلك الفراشات هي في حقيقة الأمر مزق من اللحم البشري ونثرات متطايرة من العظام».
حلمي التوني (1934 – 2024)
لعلّ الفنان التشكيلي المصري حلمي عبد الحميد التوني أحد أبرز مستحقي اللقب الفريد المشرّف «حارس هوية مصر»، ليس لأنه صرف حياته وهو ينقل الحركة التشكيلية المصرية من محطة ارتقاء إلى أخرى فحسب، بل كذلك لأن رسوماته على أغلفة عشرات الكتب صنعت سلسلة استثنائية من الروابط الحيوية بين القراءة والبصر؛ وذلك ضمن مقاربات متواترة الثراء حول المكوّنات الإنسانية الأعمق التي تفتح الغلاف الأول على عوالم لا حصر لها من التذوق والتأويل والمشاركة. ولد التوني في محافظة بني سويف وتخرج من كلية الفنون الجميلة في اختصاص زخرفة وديكور، لكن الرسم اجتذبه سريعاً ولمعت رسوماته ذات البصمة الخاصة التي تجمع بين التقاط الشخصيات الشعبية المصرية، والمرأة بصورة خاصة، من جهة أولى؛ وتصوير أنماط العيش والعمل والوجود في بيئات ظلت شعبية على الدوام، ولكنها لم تقتصر على شرائح مخصصة أو تقليدية أو تنميطية في الأرياف المصرية، من جهة ثانية.
كذلك فإنّ أغلفة الكتب التي صممها التوني، وخاصة تلك التي تتوجه إلى الأطفال والناشئة، لم تتأخر في احتلال مكانة متميزة وذات طابع خاص تشكيلي وإنساني، ليس على نطاق مصر وحدها بل على امتداد العالم العربي وخاصة في العاصمة اللبنانية بيروت حيث أقام التوني حقبة من الزمن.
يُشار في مجال تصميم أغلفة الكتب إلى التفاعل العميق، غير المباشر أحياناً، بين الأغلفة التي رسمها التوني لعدد من روايات الأديب المصري نجيب محفوظ، وتلك التي اعتاد عليها قراء محفوظ في إصدارات مكتبة مصر بريشة فنان مصري كبير أخر هو جمال قطب. وفي الأصل كان مجرد تفكير أي فنان في اقتراح بديل عن رسومات قطب بمثابة مغامرة محفوفة بالمخاطر وأقرب إلى التحدي، لكن التوني أثبت علوّ ريشته في غمار المنافسة الشاق هذا، وكانت النتيجة لصالح فنّ الغلاف، وصناعة الكتاب عموماً، فضلاً عن شعبية محفوظ التي ظلت تترسخ رغم اختلاف الطبعات وتعددها.
يُشار أيضاً إلى العلاقة الوثيقة التي ربطت بين التوني والفنون الشعبية والتراثية المصرية، ليس على نطاق تصاميم الوشم والنقوش والرسوم على الأبواب والجدران العامة والمقامات الروحية فقط، بل كذلك في منابع غنية وفرتها له الصناعات التقليدية، فاستلهم منها الكثير وعكف على تصوير عناصر فنية كامنة فيها لم تكن تُرى بيسر، أو تستكشفها الأعين حتى البصيرة الخبيرة بينها.