احترموا عقول الرّوبوتات…
سهيل كيوان
كلمة (روبوت) تشيكية في الأصل، وهي مشتقّة من كلمة روبوتا، التي تعني عمل السُّخرة الإجباري، وقد استخدمت أوّل مرّة في عمل مسرحي للكاتب التشيكي كارل تشابيك وذلك في العام 1920، للتدليل على حال بشر تحوّلوا إلى ما يشبه الآلات المُبرمجة.
تقدّمت صناعة الروبوتات ودورها في حياة البشر، فتشعبت استخداماتها، على رأسها العسكرية، ثم الطبية مثل الجراحات الدقيقة، وبرامج التعليم، حتى صار يدخل في شتّى ميادين العمل ليكون بديلاً عن الإنسان.
في الانتفاضة الثانية التي انطلقت عام 2000 عندما انتشرت العمليات التفجيرية، كانت إذا شكّت شرطة الاحتلال بشخص ما، تأمره بالانبطاح في مكانه، ثم تبعد الناس عنه لمسافة كبيرة، ثم يرسلون روبوتاً للتأكد من خلوِّ جسده من المتفجرات، فيرفعه الروبوت بذراعين ميكانيكيتين، ويهزّه هزات عنيفة، وقد يكسر أطرافه أو أضلاعه، وبعد التأكّد من نظافته، يجري اعتقاله لإتمام التحقيق معه.
استخدمت الروبوتات لدخول الأنفاق للتصوير وكشف مكان وجود مقاتلين، وهي تطلق النّار على كل ما يتحرّك وتشتبك مع المقاومين! وتمكّن المقاومون من تحييد بعضها وأسر بعضها والاستفادة منها.
هنالك جرافات روبوتات لهدم المباني وتفجير الألغام، وأخرى طائرة (درون) تحلّق وتدخل في عمق أراضي العدو، تصوّر وتلقي القنابل وتنفّذ عمليات اغتيال أو هدم مبانٍ.
من فوائدها أنّها أقل تكلفة من الطائرة التقليدية، فلا تحتاج إلى طيّار، ولا إلى مطار ولا قواعد عسكرية كبيرة، ولديها قدرة على المكوث لفترة طويلة في الفضاء أكثر من الطائرات التقليدية، ووقودها أقل إلى جانب بطاريات كهربائية، ومنها ما يستغل الطاقة الشّمسية، وممكن لبعضها قطع مسافات طويلة تصل إلى ثلاثة آلاف وخمسمئة كيلومتر، ويصعب على الرادار كشفها، لأنهما مطلية بمواد خاصّة.
ودرون، هو ذكر النحل، وسماها العرب مسيّرات، فهي مسيّرة غير مُخيّرة. حظيت المسيّرة في العقود الثلاثة الأخيرة باهتمام كبير ولعبت دوراً في الحروب، في العراق وأفغانستان وسوريا وليبيا وأوكرانيا وروسيا وفي فلسطين ولبنان.
كذلك صاروا يرسلون حاملات جند روبوتية من غير جنود، لإغراء العدو على مهاجمتها وكشف مخبئه للتعامل الفوري معه.
أعتقد أنّ الدبابات والطائرات والعتاد العسكري الحالي سيتحول بعد نصف قرن إلى المتاحف، وسوف يعاد تدويره بعد الاستغناء عنه. المستقبل لجيوش من الروبوتات بدلاً من البشر. سيكون القتلى والجرحى والأسرى من الروبوتات، ومن مختلف الرّتب العلمية.
هذا يعني أن نتيجة معركة ما، ستكون تحييد عمل مئات الروبوتات المتطوّرة، وأسر روبوتات تجري حتلنتها، وإعادة توجيهها.
غالباً ما تكون الروبوتات مبرمجة على الانتحار إذا ما وقعت تحت سيطرة روبوت العدو، ويطبّق عليها قانون هنيبعل فيدمّرها.
هنالك برنامج طَموح لاستغلال مسيّرات بأحجام صغيرة لتنقية البيئة من التلوث.
لدى المسيّرات قدرة عالية على المراوغة، فهي تشبه لاعب كرة قدم محترفاً، يناور ويتقدم ويستدير ثم يهجم إلى جهة غير متوقعة. ممكن مشاهدتها بالعين المجرّدة، ويصوّرها البعض وينقلها على قنوات التلغرام وغيرها، وقد تلاحقها الطائرات الحربية وتمرُّ من فوقها أو إلى جانبها وتحتها، ولا تسقطها، لأنّها لا تظهر على شاشة الرادار.
استعمال طائرة من غير طيار أقدم مما ظننتُ، فقد استعملت لتدريب المدافع المضادة للطائرات على إصابة هدف طائر في بريطانيا منذ عام 1917، حيث تم صنع طائرة حلقت لمسافة خمسمئة متر وبارتفاع خمسين متراً، بعدها جرى تطوير الفكرة في الولايات المتحدة وفرنسا لتصبح أكثر إحكاماً.
تمتاز المسيّرة بصوت رتيب متواصل، أطلق عليها أهل قطاع غزّة تسمية الزّنانة، لأنّها تظل تزنُّ في رؤوسهم فتحرمهم من الرّاحة أو النوم، خصوصاً في الليل، حيث يتحولُ زنُّها إلى ضربات مطارق في الجُمجمة.
تعتبر دولة الاحتلال من الدول المتقدّمة في هذا المجال، فهي تصنعُها وتصدّرها إلى مختلف دول العالم، وبلغت نسبتها 25% من صادرات السّلاح الإسرائيلية، من أسمائها هيرمس 450.
من الدول الرائدة في صنعها الولايات المتحدة، والصين، وروسيا.
لتركيا نصيب وتصدّر منها، بعدما أثبتت قدرات كبيرة في أوكرانيا، وقبلها في سوريا وليبيا، وصارت الـ (بيرقيدار) مطلوبة على نطاق واسع.
كذلك فإن إيران تنتج منها على مستوى متقدّم، من أسمائها أبابيل، وشاهد، وكرّار وغيرها، وأقامت لها مصنعاً في روسيا لتغطية حاجة الجيش الرّوسي في حرب أوكرانيا.
فكرة الهجوم من الجو لسحق قوات العدو منذ العصور القديمة، في الميثولوجيا اليونانية نجد حصاناً مجنّحاً يسمى (بيغاسوس)، الذي اتخذته شركة أسلحة دقيقة إسرائيلية اسمًا لبرنامج تجسُّسي شهير، تبيعه لدولٍ تسعى للتجسُّس على هواتف مواطنيها ذوي الأهمية، أو المشكوك في نشاطهم، تبيّن من التحقيقات الاستقصائية التي أجرتها سبع عشرة مؤسسة إعلامية معروفة عالمياً، أنّ عشر دول اشترت برنامج بيغاسوس، منها أربع دول عربيّة للتجسس على هواتف مواطنيها.
تبين فيما بعد أنّ الشّركة الإسرائيلية تتجسَّس بدورها على من باعتهم برنامجها التجسّسي.
وورد في القرآن الكريم أنَّ الله سبحانه وتعالى أرسل على جيش أبرهة الأشرم في عام الفيل «طيراً أبابيل، ترميهم بحجارة من سجّيل، فجعلهم كعصف مأكول»، وهو العام الذي ولد فيه الرسول صلى الله عليه وسلّم.
تمتاز الروبوتات بأنها لا تفكّر بصورة مستقلة، فهي ليست مبدعة، وتنفّذ ما رُسم لها بالضبط، ولكن هناك خشية علمية بأن تتمرّد الروبوتات في يوم ما، بمعنى أن يفقد الإنسان سيطرته عليها وتنتقل لتصفية حساباتها معه. على كل حال، نأمل أن نرى روبوتاً يرفض أوامر قتل الأطفال، وروبوتاً يرفض نسف مدارس تؤوي نازحين، وروبوتاً ينأى بنفسه عن إعدام أو تعذيب أسرى، وروبوتًا أنّبه ضميره وفجّر نفسه في جرافة.
يسعى أصحاب القرارات المهيمنة على هندسة وبرمجة تفكير الشّعوب وتحويلها إلى جماهير روبوتية، فيفكّر مئات ملايين من البشر كما يريد لهم أصحاب البرمجة أن يفكروا، ويتحكموا بعواطفهم ومشاعرهم تجاه ما يجري من حولهم.
بالمناسبة، إن برمجية قرارات القمم العربية قديمة، وبإمكان أي مبتدئ في المجال الروبوتي أن يعرفها قبل صدورها، لأنَّ نسختها الأصلية مخترقة ويمكن تحميلها مجاناً.
الغريب أنّ القادة العرب لم يغيّروا شيئًا في البرمجية القديمة، رغم أنّ برمجيات عدد منهم تحتاج إلى حتلنة، فلا يمكن أن تقرأ النصَّ القديم مثلاً، بأنّه «يجب على دول العالم أن تضغط على إسرائيل لوقف عدوانها» بينما حضرتك تسمح برسوِّ سفينة في مينائك، وهي تنقل سلاحاً فتّاكاً موجّهاً إلى إسرائيل!
ولا منطق بأن تقرأ البرنامج الذي صار عمره أكثر من نصف قرن، فتطالب دول العالم بإعادة النّظر بعلاقتها بإسرائيل منعاً لحرب إقليمية واسعة، بينما «السّفارات في العمارات»، وعلاقتك معها مثل السّمن على العسل، والتّعاون المخابراتي والعسكري والزراعي وبرامج تخسيس الوزن بينكم على أفضل ما يكون سرّاً وعلناً. احترموا عقول الروبوتات.