«حقنة» مقاومة للصرع لمن يظهر على الشاشة!
سليم عزوز
القوم في كرب، ومنذ نجاح الثورة السورية في الإطاحة بالأسد، شخصاً ونظاماً، وهم في غاية التوتر، فيتحدث الواحد منهم من قولونه. وفي هذه الحالة العصبية، صرنا بحاجة إلى تدخل المجلس الأعلى للإعلام، ليشترط على مقدمي برامج «التوك شو» وضيوفهم، حقنة مقاومة للصرع، فقد انتقلوا من كونهم خطراً على الكوكب، إلى أن يكونوا خطراً على أنفسهم!
حالة من انفلات الأعصاب لها ما يبررها، فقد بدت الثورة السورية قد ماتت وشبعت موتاً، وبدا بشار الأسد بإجرامه، يمثل «القدوة»، فمع استباحة الثوار، وبعد تدميره لسوريا استمر حاكماً، لكن ها هو النموذج يسقط، ويولي هارباً، فلم يودع شعبه، وخرج كلص يتسحب على أطراف أصابعه، ليس مشغولاً بمصير أركان نظامه، فشعاره: نفسي… نفسي!
وبدا القبول الدولي بالمنتصر، مخيفاً لهم، فهو أكثر راديكالية من الإخوان، والنموذج الأكثر رفضاً في الغرب منهم، و»الفزاعة» التي استخدمها نظام مبارك لا بد وأنها بالدرس السوري قد فقدت مفعولها، وقد أفسد مبارك الحياة السياسية، ودمرت أجهزته الأمنية التجربة الحزبية. وفي بداية حكمه كان البديل له هو حزب الوفد وليس الإخوان، ومع التدمير للتجربة انتهى الجميع وبقي الإخوان المسلمون رقماً صحيحاً في المعادلة، ليتشكل يقين الغرب بأنهم هم البديل له، إذن فليستمر مبارك!
وعندما حصل الإخوان في الانتخابات البرلمانية عام 2005 على 88 مقعداً، كان مبارك أكثر السعداء بهذه النتيجة، على النحو الذي نقله وزير الإرشاد القومي في عهد عبدالناصر، محمد فائق في مذكراته، وقد أخبره بذلك مدير المخابرات العامة اللواء عمر سليمان، فقد أبلغت إسرائيل قلقها للبيت الأبيض، الذي نقله بدوره لمبارك، فسعد بهذا القلق أيما سعادة!
البديل الإخواني بعد الشرع
وبعد اسقاط حكم الإخوان الذي لم يستمر أكثر من عام، بدت الأنظمة الغربية، في غالبيتها، ليست حزينة على ذلك، بل شاركت بالتواطؤ، وقاعدة التعامل هي فليصبروا على الجنرال، وقد يستبدلوه بجنرال مثله، لرفضهم عودة الإخوان، فماذا وقد قبل الغرب بالأكثر تشدداً، في الشكل والتوجه، من الإخوان، وهو فصيل الجولاني، أو أحمد الشرع، والإخوان بجانبه بلسماً!
لإزالة أسباب القلق، قدمت الأدلة على اختلاف تجربة الثورتين السورية والمصرية، حيث أن عوامل الحسم السوري ليست متوفرة لدى الثورة المصرية، لكن لا حياة لمن تنادي! فالأعصاب متوترة، والخطاب مرتبك، والخوف تمكن من الأبواق الإعلامية وضيوفهم، فأنتج تشنجاً واضحاً، والسلطة خائفة من شيء ما، لكن أبواقها هي أكثر خوفاً، فبشار أمكنه تسوية وضعه وترتيب حياته الجديدة، وترك أركان حكمه وزبانيته في أيدي الناس، ومهما طالب الشرع الضحايا وذويهم بالرحمة، فإنه لن يتمكن أن يحمي من ظلموا، وفي كل يوم نشاهد أحد الزبانية في أيدي الناس!
وإذا كنت ممن تزعجهم الضوضاء مثلي، فإن سهرة واحدة أمام المحطات التلفزيونية المصرية من شأنها أن تجعلك تفقد أعصابك، وتصير متوتراً مثلهم، إنهم وضيوفهم في حالة يرثى لها!
جيء بالدكتور وسيم السيسي على قناة «صدى البلد»، وهو رجل يتكلم في كل شيء إلا في تخصصه، وهو طبيب للمسالك (ولا مؤاخذة) البولية. و»المستنيرون الجدد»، دائما يتحدثون عن الذين انشغلوا بالعلوم الدينية، فلم يكن من بينهم مجدي يعقوب، وباعتبار يعقوب هو النموذج، الوحيد القابل للتقليد! حسناً، هذا طبيب أهمل علمه وعيادته، ولو انشغل بتخصصه الدقيق، فربما أمكنه التوصل لعلاج للبروستاتا بدون جراحة! بيد أنه انشغل بالتلفيق، فيا ليته ترك مقعده في كلية الطب لمن كان يمكن أن يكون مجدي يعقوب في تخصصه!
أين هم الإخوان الآن؟
كان موضوع الحلقة عن الإخوان المسلمين؟ فما المناسبة؟ فحالة الارتباك جعلت المعنى في بطن الشاعر، وتكمن المشكلة أن هذا المعنى لم يظهر للمشاهد، وبدا موضوعاً مقحماً، فأين هم الإخوان الآن، وهم عندما تخطوا الرقاب بعد الربيع العربي، أمكن القضاء عليهم، ومن مصر إلى تونس إلى اليمن، ونموذج الإخوان ليس هو نموذج الشرع، بيد أن ما في بطن الشاعر، هو تخويف الناس من أن أي ثورة ستعيد الإخوان للسلطة، وهي جماعة ماسونية، صنيعة المخابرات البريطانية، ومؤسسها حسن البنا عميل انكليزي، وهو حديث ضيف قناة «صدى البلد». فلم يعد الإخوان (بعد الشرع) يمثلون مشكلة للغرب، إنهم كائنات لطيفة بجانبه، ولم يعودوا يصلحون فزاعة له، إذاً فلا بد من استخدامهم فزاعة للشعب، وهذا هو غير المعلن من هذه الاستدعاء لوسيم السيسي، الذي بدا أنه ليس في حالة طبيعية، وهو يقول إن جماعة الإخوان هدفها تقسيم مصر، وهم سبب المأساة التي نعيشها!
يا إلهي، إنهم يعيشون المأساة، وكنا نعتقد أنهم صاروا أكثر ارتياحاً بعد أن تخلصت مصر من الإخوان، وإن كان لم يحدد مأساتهم على سبيل الحصر! المأساة الحقيقية هي أن خطاب الأعصاب المتوترة، الصادر من الأمعاء الغليظة، تحول إلى مسخرة وهو يقول إن هدف الاخوان، كجماعة هي صنيعة المخابرات البريطانية؛ تقسيم مصر، ففي أي سفر وجد هذا، والجماعة نشأت لتدعو إلى الوحدة الأشمل، ممثلة في دولة الخلافة، فكيف يتسق هذا مع هدف التقسيم؟!
الدور الأمني للمذيع
بيد أنه التشنج الذي له ما يبرره، والذي دفع إبراهيم عيسى في برنامجه على قناة «القاهرة والناس»، وليس على قناة «الحرة»، ليقوم بدور أمني بامتياز، وفي الرتب الأمنية الأدنى، وهي وضعية «المخبر»، مع قدر من البجاحة، يسمح به هذا الضغط العصبي الذي يعيش فيه منذ نجاح الثورة السورية في الإطاحة بالهارب بشار الأسد، والمخبر التقليدي تقاريره سرية، ففي النهاية له سمعة يحافظ عليها، لكن الجديد هو القيام بهذه المهمة على الهواء!
فقد أعلن إبراهيم أن الإخوان اخترقوا السوريين في مصر، ومن ثم حرض على ضيوف مصر الأعزاء، ولم ينتبه أنه بهذا الإعلان، قد أساء إلى أجهزة الأمن التي لم تكتشف هذا المخطط، الذي اكتشفه إبراهيم ربما عبر مصادره السرية، فهل هو مذيع أم جهاز أمني منافس؟!
وليس في مصلحة السلطة الحالية تصوير أجهزة الأمن بالضعف، ومن خلال إعلامها، فلا تعرف قيام الإخوان باختراق السوريين في مصر وتجنيدهم ويدلها على ذلك مذيع «القاهرة والناس»، بيد أنها الأعصاب المنفلتة!
وهذا الانفلات كان وراء إعلان مذيع «القاهرة والناس» أن المنطقة يديرها أردوغان ونتنياهو. والهيمنة الإسرائيلية على المنطقة مفروغ منها، فعندما تأتي زعامة جديدة لتنافسها هذه الهيمنة، وهي الزعيم التركي، فهذه شهادة لصالح أردوغان أم ضده؟ وعندما يكون اللاعب هو رئيس تركيا وليس رئيس مصر، فهل القائل في وعيه، وهو يضخم من صورة رجب طيب أردوغان، مع تغيب كامل للجنرال؟ فماذا بقي من هيبة الحكم المصري!
إن لم تصرف أدوية مضادة للصرع، فقد يحدث مالا تحمد عقباه، وقد أعذر من أنذر!
أرض جو
ميزة أحمد المسلماني رئيس الهيئة الوطنية للإعلام، أنه مشغول بنفسه أكثر من اللازم، ولو عين رئيس مجلس قروي لإحدى القرى النائية لنفخ في ذاته، حتى يبدو أنه رئيس الجمهورية العربية المتحدة!
فعندما عينوه مستشاراً إعلامياً للرئيس المؤقت عدلي منصور، جار على اختصاص المستشار السياسي بل وعلى صلاحيات المنتدب رئيساً، فبدا كما لو كان هو الرئيس، حيث كان يدعو رؤساء الأحزاب والقوى السياسية في الرئاسة ليجتمع بها. وهل هذا وظيفة المستشار الإعلامي؟!
ويبدو أن أهل الحكم استبعدوه من الصورة لذلك، لكن تجربتهم في صناعة الكوادر فشلت، فعادوا إلى الاستعانة بالكوادر القديمة ومن عصام الأمير إلى المسلماني، الذي اتخذ قراراً بمنع استضافة الدجالين والعرافين، ولم يحدد اختصاصه الوظيفي الذي لا يتعدى مبنى «ماسبيرو»، باعتبار هيئته وريثاً لاتحاد الإذاعة والتلفزيون، لكنه في قراره لم يحدد حدود مجاله، فبدا قراره كما لو كان يسري على عمرو أديب وكل القنوات التلفزيونية الأخرى، التي تخضع لنفوذ المجلس الأعلى للإعلام، وليس للهيئة الوطنية للإعلام! إنه يزحف، ويتوغل، ويتسرب، وينتشر!
٭ صحافي من مصر