أغنى رجل في العالم وحليف ترامب يختطف السياسة في بريطانيا ويثير المتاعب في أوروبا
أغنى رجل في العالم وحليف ترامب يختطف السياسة في بريطانيا ويثير المتاعب في أوروبا
إبراهيم درويش
نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” تقريرا أعده مارك لاندلر وستيفن كاسل قالا فيه إن الملياردير إيلون ماسك الذي يحظى بأكثر من مئتي مليون متابع على وسائل التواصل الاجتماعي يبدو عازما على استخدام منصته العالمية لزعزعة السياسة البريطانية.
عندما طلب إيلون ماسك من متابعيه البالغ عددهم 211 مليونا على منصة إكس التصويت على ما إذا كان “يجب على أمريكا تحرير شعب بريطانيا من حكومتهم الاستبدادية”، بدا الأمر وكأن المنشور لا يمكن أن يكون إلا ساخرا.
لم يكن الأمر بمثابة مزحة بقدر ما كان بمثابة استعراض من قبل رجل قوي يستمتع بقدرته على تعكير صفو السياسة في بلد آخر
ولكن بعد وابل من المنشورات الصاخبة حول بريطانيا التي كتبها ماسك – مهاجما رئيس وزراء حزب العمال، كير ستارمر، والمطالبة بالإفراج عن محرض يميني متطرف مسجون، والانفصال عن زعيم اليمين المتشدد، نايجل فاراج – لم يكن الأمر بمثابة مزحة بقدر ما كان بمثابة استعراض من قبل رجل قوي يستمتع بقدرته على تعكير صفو السياسة في بلد آخر.
لقد اختطفت منشورات ماسك، التي ظهرت على موقع إكس طوال العطلة مثل الضيوف غير المرغوب فيهم في حفلة عيد الميلاد، النقاش السياسي في بريطانيا في بداية عام 2025 تماما.
يوم الاثنين، استخدم ستارمر مؤتمرا صحافيا حول إصلاح هيئة الخدمات الصحية الوطنية البريطانية لنفي مزاعم ماسك بأنه لم يتصرف عندما كان المدعي العام الرئيسي لبريطانيا قبل أكثر من عقد من الزمان ضد العصابات التي تقوم بالتعدي على الفتيات جنسيا.
من جانبه، واجه فاراج أسئلة حول مستقبله كزعيم لحزب الإصلاح اليميني المناهض للهجرة بعد أن أعلن ماسك على موقع إكس يوم الأحد أن “فاراج ليس لديه ما يلزم” لأن يكون قائدا. بعد يوم واحد، نشر فاراج دعوة لإجراء تحقيق وطني في حالات الاعتداء الجنسي على الأطفال، متطرقا إلى إحدى القضايا المفضلة لدى ماسك.
قال روبرت فورد، أستاذ السياسة بجامعة مانشستر، “لدى ماسك فهم مشوه للغاية للسياسة البريطانية، ومع ذلك فهو يمتلك مكبر صوت. عندما يقول هذا الكلام في الساعة الثالثة صباحا في ليلة الأحد، فإنه يعطل المؤتمر الصحافي لحزب العمال حول هيئة الخدمات الصحية الوطنية يوم الاثنين”.
قال البروفيسور فورد إن التأثير الطويل الأمد لحملة ماسك غير المنتظمة من الصعب التنبؤ به، لكن بعض تحركاته قد تأتي بنتائج عكسية. على سبيل المثال، قد يعود انفصاله عن فاراج بالفائدة على فاراج.
كان السبب المحتمل للانقسام هو رفض فاراج دعم طلب ماسك بالإفراج عن المحرض اليميني المتطرف تومي روبنسون. ويقضي روبنسون، واسمه الحقيقي ستيفن ياكسلي لينون، عقوبة بالسجن لتحديه أمر المحكمة بتكرار التشهير ضد لاجئ سوري شاب. لديه إدانات جنائية متعددة وسجل من التصريحات العنصرية والمعادية للإسلام.
قال البروفيسور فورد إنه في بريطانيا يعتبر “تومي روبنسون هو الكريبتونايت السياسي [العنصر الذي يفقد سوبرمان قوته]. هناك سبب لعدم رغبة فاراج في التعامل معه، ولم يفعل ذلك أبدا”.
قال إنه من خلال رفض روبنسون، في تحد لماسك، يمكن لفاراج أن يجعل نفسه أكثر قبولا لدى الناخبين من التيار الرئيسي على اليمين الذين يشعرون بخيبة أمل من المحافظين. وأضاف أن ماسك سيجد أيضا أنه لا توجد بدائل واضحة لفاراج زعيما للحزب، حيث كان مهندس خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي وعنصرا ثابتا في السياسة البريطانية اليمينية لعقود من الزمان والذي حفز حزب الإصلاح في المملكة المتحدة خلال الحملة الانتخابية العام الماضي.
بالنسبة لستارمر، الذي عاد من إجازة نادرة كان لا بد من تأجيلها بسبب وفاة شقيقه، كان تدخل ماسك بمثابة انتكاسة أخرى بعد بداية مليئة بالخلل لحكومته الناشئة. مع انخفاض تقييماته الشخصية في استطلاعات الرأي، كان ستارمر يأمل في بدء عام 2025 بطرح خطة لتقليل أوقات انتظار المرضى في هيئة الخدمات الصحية الوطنية.
كتب ماسك في إحدى مشاركاته صباح يوم الاثنين: “السجن لستارمر”
وبدلا من ذلك، سأله المراسلون عن ماسك، الذي زعم زورا أن ستارمر قد غطى على إساءة معاملة واستغلال الفتيات في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين من قبل أعضاء العصابات، وكثير منهم من أصل باكستاني بريطاني. وكتب ماسك في إحدى مشاركاته صباح يوم الاثنين: “السجن لستارمر”.
وقال ستيفن فيلدينغ، وهو أستاذ فخري للتاريخ السياسي في جامعة نوتنغهام: “ربما أزعجه الأمر أكثر مما يمكن وصفه كونه مضطرا للتعامل مع هذا النوع من الأشياء”. وقال إن رئيس الوزراء كان يحاول تجنب “قتال الشوارع” مع ماسك والتركيز على الحكم.
وأشار ستارمر إلى أنه عندما كان مديرا لدائرة الادعاء العام، بين عامي 2008 و2013، رفع مكتبه أولى القضايا العديدة ضد عصابة الاعتداء وصاغ مبادئ توجيهية للإبلاغ الإلزامي عن الاعتداء الجنسي على الأطفال. وقال إنه تعامل مع الفضيحة “بشكل مباشر”.
لقد أصبح رئيس الوزراء غاضبا بشكل واضح عندما دافع عن جيس فيليبس، وزيرة حماية النساء والفتيات والعنف ضدهن، من اتهام ماسك لها بأنها “مدافعة عن الاغتصاب الجماعي” لأنها رفضت دعوات إجراء تحقيق وطني في الاستغلال الجنسي للأطفال في أولدهام، وهي بلدة بالقرب من مانشستر.
بدلا من ذلك، دعت فيليبس إلى إجراء تحقيق من قبل سلطات أولدهام بدلا من الحكومة المركزية. قال ستارمر إنها فعلت “ألف مرة أكثر مما حلموا به عندما يتعلق الأمر بحماية ضحايا الاعتداء الجنسي”.
وقالت إليزابيث بيرسون، مؤلفة كتاب عن اليمين المتطرف في بريطانيا، “بريطانيا المتطرفة”، إن روبنسون، الذي أدين بالاعتداء والاحتيال، كان محظوظا بجذب “انتباه أحد أقوى الأشخاص في الغرب”.
وهي ومحللون آخرون يشعرون بالحيرة بشأن ما قد يكسبه ماسك من دعم شخصية مكروهة احتلت هوامش السياسة البريطانية العنيفة في بعض الأحيان. لقد انخفض عدد المستخدمين اليوميين لموقع إكس في بريطانيا منذ أن تولى ماسك إدارة المنصة المعروفة سابقا باسم تويتر، ويقول الخبراء إن الدفاع عن قضية روبنسون من غير المرجح أن يعكس هذا الاتجاه.
يشعر محللون بالحيرة بشأن ما قد يكسبه ماسك من دعم شخصية مكروهة احتلت هوامش السياسة البريطانية العنيفة في بعض الأحيان
قال الدكتور بيرسون، المحاضر الأول في رويال هولواي، جامعة لندن: “إنه تدخل أجنبي في نظامنا. أشعر في الوقت الحالي أن ماسك أصبح فاعلا سيئا يسعى إلى زعزعة استقرار نظامنا”.
وقال الأستاذ فيلدينغ إن ماسك ربما كان يلبي رغبات جمهوره في الولايات المتحدة. وقال إن الخطر هو أن “أي شخص جاد في الإدارة الأمريكية سيعتقد أن هذا الرجل يخلق حرائق غير ضرورية على الإطلاق”.
لقد أثار نشاط ماسك حالة من الذعر في دول أوروبية أخرى، مثل ألمانيا، حيث أيد حزبا يمينيا متطرفا له علاقات بالنازيين الجدد. يوم الاثنين، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون لجمهور دبلوماسي: “قبل عشر سنوات، من كان ليتخيل أن مالك إحدى أكبر شبكات التواصل الاجتماعي في العالم سيدعم حركة رجعية دولية جديدة”.
ولم يذكر ماسك بالاسم. وعلى نحو مماثل، لم يبد ستارمر أي رغبة في تحديد ماسك، الحليف الوثيق للرئيس المنتخب دونالد ترامب، الذي حاول ستارمر ومساعدوه تنمية العلاقات معه. وقال لمراسل يوم الاثنين: “هذا لا يتعلق بأمريكا أو ماسك. أنا أتحدث عن سياستنا”.
وبات ماسك مشكلة لأوروبا أيضا حيث تعرض للانتقاد من رئيس فرنسا والسلطات الأوروبية لتحريضه اليمين على الحكومات، ومنح ماسك صوتا للمتطرفين ليس في أمريكا، بل وفي أماكن أخرى حول العالم، نظرا لحجم متابعيه ولعلاقاته القريبة مع إدارة ترامب ودوره المقبل فيها.
وظللت صحيفة “واشنطن بوست” دوره في تقرير مطول يوم الجمعة، قالت فيه إن ماسك بعد تسيده السياسة الأمريكية من خلال ثروته التي وضعها في خدمة حملة ترامب وبوقه الإعلامي “إكس” قرر التحول بداية 2025 إلى العالم، حيث بدأه بسلسلة من المنشورات النارية أغضبت ألمانيا وكندا وبريطانيا وغيرها.
– “القدس العربي”: