ثقافة وفنون

صفرٌ واحدٌ بقلم الروائي  ابراهيم نصرالله

بقلم الروائي  ابراهيم نصرالله

صفرٌ واحدٌ

بقلم الروائي  ابراهيم نصرالله

أريدُ صِفرًا واحدًا لهذا الحصان
كي يُصبحَ عشرةَ خيول
صفرين، كي يصبحَ مائة
ثلاثةً كي يصبح ألفًا
أريدُ خيولًا لا يَسَعها السّهلُ
إن مرّتْ في قصيدةٍ حوَّلتْها إلى أغنيةٍ
أو مرّتْ في رجلٍ حوَّلتْهُ إلى عاشقٍ
أو مرّتْ في امرأةٍ حوَّلتْها إلى شلالِ عذوبة
أو مرّتْ في الليل حوّلت الأحلامَ إلى أنهارٍ
والنجومَ الخافتةَ، كدمعاتٍ، إلى راقصينَ وغيتارات

أريدُ خيولًا لا يسَعُها النّهارُ
كلّما مرَّت بجانب النّخلةِ حوّلتْها إلى أنثى
وبجانب البرتقالةِ حوّلتْها إلى غزالة
وبجانب الموجةِ حوّلتْها إلى رعشةِ بحجم الكون

لقد مرَّ زمنٌ طويل لم تمرّ فيه الخيولُ من هنا
مرّتْ عناكبُ وذئابٌ وأفاع بثلاثةِ رؤوسٍ
وجنرالاتٌ تحفُّ بهم ضباعٌ ومجالسُ حربٍ ومصارفُ وأشباح
مرَّ شعراءُ لا يعرفون الفرْقَ بين قطرةِ الدّم وقطرةِ الماء
وبين ابتسامةِ المرأةِ وبصقتِها
يكتبون قصائدَ عن التجلّي ورحابةِ السّماء
ويدورونَ في حلقات الرّقص مأخوذينَ
بالفراغ العظيم للاوجودهم
ويكتبون كثيرًا من الشِّعر عن تقصّفِ أظافرهم
كلّما لامسوا الرّمال
ويتأمّلون صوَر الضحايا على الشاشاتِ كما يتأمّلون اللوحات التجريديةَ في المتاحفْ
وتعفّ كلماتهم عن ملامسةِ الجراح المتقلبةِ في الألم
شعراء تُقَطِّع الفتياتُ آذانهنَّ كلّما مرَرنَ بجانب قاعة فرّتْ نوافذها بعيدًا عن عناوين قصائدهم

أريدُ خيلًا لا يسَعُ الأفق صهيلَها
ولا تسَعُ الامتداداتُ لهاثها الذي تجمّعتْ فيه أسماءُ الرّياح كلّها
ثمةَ كثيرٌ من الدّبق هنا، وكثير من السّكاكين في بُحّة أصواتِ الناطقين باسمِ الفراغ
وباسمِ الموت
باسمِ الظلام على الأرضِ وشهوةِ الفَنَاء

أريدُ خيولًا لا عددَ لها
بحجم المسافة وصِفْرها
لتبديدِ كلِّ هذا الخرابِ وفتنَتهِ بهزائمِهِ
أريدُ سبعةَ أصفارٍ، على الأقل، لهذا الحصان
كي يصِلَ الأطفالُ غدًا إلى مدارسهم بابتساماتهم كاملة
وقلوب أمّهاتهم، خلْفَهم، لا يَمَسُّها، عليهم، خوف.

كتاب غزّة

سيقرؤها الليلُ حلمًا
ويقرؤها البحرُ سربَ طيورٍ أخيرٍ
ويقرؤها الفجرُ عصفورةً سكنتْ في الندى

وسيقرؤها ولدٌ لم يرَ الخبزَ منذ ثلاثين يومًا رغيفًا
ويقرؤها نورسٌ لا جناحَ له مُعجزةْ
ستقرؤها طفلةٌ دميةً أو طريقًا وحيدًا إلى المدرسةْ
وسيقرؤها ميتٌ فرصةً،
كي يعود من الموتِ حيًّا، غدًا.

وسيقرؤها عاشقٌ لم يَعُدْ في المكانِ ولا في الزّمانِ،
الحبيبةَ والحبَّ والموعِدا.
وسيقرؤها تاجرٌ سلْعةً
وسيقرؤها القلبُ دمْعًا وتقرؤها الرّوحُ بُشرى.
وتقرؤها قطرةُ الماءِ نهرًا.

وتقرؤها جدَّةٌ عرفتْ ألفَ منفى:
نكون هنا كالسماءِ وما تحتَها، أو نكونَ.

ويقرؤها جنرالٌ مواسمَ للقتْل لا بدّ منها ليَقتُلَ أكثرْ

ويقرؤها عابرٌ نصفَ مقهىً ونصفَ قصيدةْ
ويُتابع خطْفًا على شاشة من دَمٍ كيف تَذبحُ طائرةٌ كلَّ
ذاك المدى في بلادٍ بعيدةْ

وغزةُ لا لا ترى نفسَها
في دخان يخبئُ أشلاءَها

وسيقرؤها الأُفْقُ ماءً على شجر يحترقْ
وسيقرؤها الصمتُ شمسًا وظلًّا.
ويقرها الموت قبرًا.
ويقرؤها الغيبُ، في السرِّ، سرًّا.

وتقرؤها امرأةٌ فقَدَتْ كلّ أولادِها، خارجَ الحربِ، حَمْلًا.
وتقرؤها الخيلُ ريحًا
وتقرؤها الرّيحُ خيلًا.

وغزةُ طفلٌ على شاطئ البحر يَقتلُهُ ظمأٌ في الصباحِ..
وبعد الظّلام على الشّطِّ يلعبْ.
وغزة تهمس والدّم يكتُبْ:
المماتُ كأوَّل يوم من الحربِ صعبٌ
ولكنَّ هذي الحياةَ كآخرِ يومٍ من الحربِ.. أَصعبْ.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب