ثقافة وفنونمقالات

” الفلسطيني بين الشهادة و التحرير ” بقلم ، أ . خضير بشارات

بقلم ، أ . خضير بشارات

” الفلسطيني بين الشهادة و التحرير “
بقلم ، أ . خضير بشارات
هكذا هو حال الشعب الفلسطيني مجزرة في طمون مساء أمس الأربعاء التاسع و العشرون من يناير ، عدد من الشباب يجلسون في ساحة الدار التي تعود لوالد أحدهم ينتظرون وجبة العشاء كما تقول والدته : يجلس هو ورفاقه في ساحة الدار ما رضي يتعشى معنا لأنهم وصوا على وجبة عشاء جاهزة و ينتظرون وصولها، لكن وبحمد الله استشهدوا دون أن يتناولوا طعامهم تتحدث و يعتريها الألم و البكاء، استشهد لها ولدان، لم يبق لدي ذكور و تزدرد الحسرة في ريقها إنها الأم الفلسطينية التي تحمل ابنها شهيدا بين حشود المشيعين و هي تعلي
من صيحات التكبير و الفخر و تطلق الزغاريد و تحمس الرجال و تقدم صورة ناصية للنضال الفلسطيني،
طائرة مسيرة نطلق صاروخا يحمل حمما نيرانية على مجموعة من الشباب و هم في سهرتهم بين أحضان بلدتهم و في أزقة حاراتها الليلية يتنسمون هواءها النقي ، لتأتي الأخبار تباعا ثلاثة شهداء و عدد من الجرحى ، تدخل سيارات الإسعاف و تطلق خطرها ، ليلة
دموية تشهدها الضفة الغربية، يهرع الناس إلى مكان الانفجار، حريق يشتعل في الدار و اثاثها، مرآة تصرخ من منزلها في وسط ظلمة الليل و تقول و هي تصرخ و تصيح : قصف قصف ، قصفوا دار جيرانا يا الله ،في تلك
الأثناء تلتهم النار المكان ، و يرتفع عدد الشهداء إلى خمسة عبر صفحات التلجرام و محطات التلفزة المحلية،
و عدد من الإصابات الخطيرة، متابعة حثيثة من تلفزيون
فلسطين لتفاصيل العملية ، يقدم الصحفي بصوته الذي يقيض حشرجة و حزنا الصورة حقيقية للفاجعة التي أصابت طمون ، يرصد أصوات الناس الذين يبحثون عن أشلاء أبناءهم ، يوثق النار التي تأكل الكنبايات و أشجار المنزل ، قطع من اللحم مترامية بين الأغراض المتناثرة في المنزل و خارجه ، حشود غفيرة تتجمهر، تستغيث أن يشافي الجرحى ، لازالت مركبات الإسعاف تنقل الجرحى إلى المشفى التركي و يلحق بهم جمع من الأهل
و الجيران و الأصحاب و أهل البلدة ، يكتب مذيعو المحطات عبر شاشاتهم سبعة شهداء في طمون، عمل جبان أقدمت عليه عصابة الاحتلال، و لازال الوجع يمتد إلى أجزاء القرية و الوطن،
تختلط الأحداث فمن طمون تنطلق الصورة إلى طولكرم حيث الاجتياح المستمر و الاشتباكات المتواصلة، قصف عنيف على المنازل ، دعوات صهيونية ليغادر السكان المخيم ، فيحملون أنفسهم جماعات نازحين إلى خيمة أخرى تظلهم من وحشية الاحتلال و نيران آلته العسكرية
المتوحشة ، يرافق ذلك الحديث عن صفقة التبادل الثالثة ضمن المرحلة الأولى و التي ستكون حسبما تم الاتفاق يوم الخميس ثلاثة من الصهاينة مقابلهم مائة و عشرة أسرى فلسطينيين ، لتعم الفرحة أرجاء فلسطين فحق لها أن تبتسم رغم الجراح ، فغدا سيكسر القيد و يخرج الأسرى أصحاب المؤبدات ، الذين لم يروا الشمس منذ عقود ، و تحتجزهم عصابات الموت في زنازين انفرادية موحشة و لا ينالون أبسط حقوق الإنسان، لا هواء و لا طعام و لا ماء و لا نوم هانئ ، حياة مية في السجن يعيشها الأسرى لا يدركها حقا إلا من اكتوى بنار غربتها ،
لم تتوان الأخبار في إعادة المشهد إلى طمون حيث ارتفع عدد الشهداء إلى عشرة و لازال وضع أحد الجرحى في المشفى خطرا كما يقول المذيع ، يتغمده الناس بالدعوات ، يهتف الناس داخل المشفى للشهداء و يودعونهم، رحل النوم عن طمون كغيرها من مخيمات الوطن و بلداته و مدنه ، و أشرقت الشمس مبكرا عليها لتستقبل الشهداء و تدثرهم بحنو دفئها، كما وأعلن أهل الاختصاص أن موكب الشهداء سينطلق التاسعة صباحا من المشفى لتودع طمون شهداءها مع صباح الخميس الثلاثين من يناير ، ليكون ذلك في اللحظات الأولى مع انطلاق مراسم تسليم الأسرى الإسرائيليين ،
كان الصحو مؤلما في ضحى الخميس، طمون على موعد
من توديع شهدائها ، و فلسطين على موعد من استقبال الأسرى الذين ستفرج عنهم عصابة الاحتلال و سنرى ما يعانونه في زنازين العدو ، سنشاهد الألم يمشي بين ضلوعهم ، سنشاهد مباشر كيف يسير الأموات و يعودون
إلى الحياة ؟ في هذا اليوم ستكون مفاصل هامة في حياة الفلسطينين ستجعلهم يقفون على مفرق خطر قي قراراتهم و تفكيرهم تجاه قضايا الوطن المصيرية هكذا يجب أن نكون، يكفي الوطن ما فيه من انقسام و خلاف
يحدان من حصوله على الحرية و الاستقلال، و يبعثان وحشية الاحتلال تجاه أبناء هذا الشعب و النيل من مقاومته ،
كانت شوارع البلدة تودع الشهداء ،موكب مهيب يُزفون به مسيرة تجوب شوارع القرية و أزقتها تابع يوسف الحشد عبر صفحات التواصل الاجتماعي و شاشة تلفزيون فلسطين لا سواها ينقل اخبار الشهداء فالجزيرة
تتابع تسليم الأسرى الصهاينة و كذلك فلسطين اليوم ، اثبتت شاشة فلسطين وطنيتها و انتماءها من خلال متابعة كل تفاصيل التشييع ، الشهيد عمر بشارات لم ينل حظ زملائه الشهداء في التكريم الجماهيري المتدفق
في أزقة القرية بل اكتفى والده، حيث ينتمي إلى تنظيم الدولة الإسلامية(داعش) بالصلاة عليه و مواراته الثرى
مقتصرا على مجموعة ممن ينتمون لذاك الفكر الداعشي أو ممن تربطهم بالشهيد صلة قرابة بعيدا عن وسائل الأخبار و التصوير ، أما الآخرون فرفعتهم أكتاف الرجال و الأصحاب و رافقتهم التكبيرات و الهتافات الوطنية و الإسلامية التي تدعو إلى الالتفاف حول مشروع المقاومة ، و التغني بشعارات قادة المقاومة و على رأسها
قائد أركانها الفذ محمد الضيف ، منددة بسياسة الاحتلال
الوحشية التي لم تنل من عزيمة المقاومة كما يقولون المشيعون ، فهم يرسلون عبر صرخات حناجرهم رسائل هامة لعصابة الكيان و لأذنابها الذين يهددون تماسك النسيج الوطني بأعمالهم الدنيئة فهم يخدمون العدو بلا ثمن ، سوى أنهم يبيعون دينهم و دنياهم، نقلب المحطات
المختلفة لمشاهدة كل ما يتعلق بالوطن ففي غزة الجزء
الآخر للقضية في منطقة خاتيونس و على منزل رجل المقاومة و الطوفان الأول يحيى السنوار تعج الجماهير الشعبية و الجنود المدججون بجعبهم و أسلحتهم ينتظر
الجميع وقت تسليم الأسرى الإسرائيليين، هنا تختلط مشاعر الألم و الأمل فهذا يبشر بخروج اسرانا البواسل من سجون الاحتلال فتعلو الفرحة أطلال المنازل مهدمة
الأركان و السقوف و الأبواب و الغرف و مكسرة النوافذ و الأثاث و لا يبقى منها ما يدل على حدودها عن بعضها البعض جنون الصهيونية و حربها المسعورة غيرت كل ملامح القطاع لا يبقى شيء على حاله،
توزع شهداء طمون عبر أزقتها المختلفة ليصل كل شهيد
إلى ذويه لإلقاء نظرة الوداع الأخيرة عليهم و من ثم تقام عليهم صلاة الجنازة في ساحة عامة و ينقلون إلى مثاويهم الأخيرة ليرقدوا فيها بسلام ، لله درك يا طمون و أنت تودعين كوكبة من الشهداء ! فقد رسمت طريقك وحدك نحو الحرية ، فعانقت أكف الشباب قمم النسور العالية في فضاءات الوطن،
لا يكاد خبر يفوت المتابعين و هم متحلقين حول صوبة
الكهرباء بجانب والدهم ، يشاهدون كل الأنباء التي تبثها
الشاشات المختلفة، كان تسليم المجندة الصهيونية آربيل يهود ليس كما عهدنا في المرتين السابقتين لم يكن
الانضباط بين الحشود يتناسب مع الموقف ، جماهير غفيرة تلتف حول جنود القسام ، شباب يعتلون ركام المنازل و آخرون يقفون على أعمدتها ذات العلو المرتفع غير آبهين بسقوطها ، نساء تقترب من مراكب التسليم ، أزمة خانقة، طوفان بشري يهتف للمقاومة، لم تحضر السيارة التي تقل المجندة بعد ولا موكب الصليب ، في الجهة الأخرى تظهر جحافل سرايا القدس ، بعد قليل سيحضر الصليب ، سيترجل المقاومون الذين يحرصون المجندة على بعد مائة و خمسين مترا ، سيتقدمون مشيا وسط هذا الجمع الغفير ، تعلو المنصة على ما تبقى من منزل قائد الطوفان الشهيد يحيى السنوار إنها رمزية الانتماء و الوفاء فأنت حي بين تلك الحشود و يتدحرج اسمك فوق منزلك و أرضك فلا زلت تباشر عملك و نحن لازلنا نأتمر بما تمليه علينا عيناك الوقادتان ، تظهر المجندة مرتبكة خائفة ، و يحدث الصدام بين المقاومة و الجماهير حرصا على سلامتها ، يخرج أحد المقاتلين ملف التوقيع و تتم العملية بسرعة بينه و بين الصليب و لحظات تحمّل المجندة عبر سيارة الصليب و تنطلق إلى الجانب الصهيوني، و هكذا يتم تسليم من تبقى من الأسرى و منهم ستة عمال تايلنديين كانوا في حوزة حركة الجهاد الإسلامي خلال الحرب ، و هذا ما كان ليتم لو تصرفت الحركة بحكمة و دراية سياسية ، لماذا تحتجز مواطنين ليسوا إسرائيلين؟ من الأفضل أن تعيدهم إلى بلدهم منذ اللحظة الأولى من اعتقالهم و عبر الصليب الأحمر و هذا يعمق مفهوم المقاومة الفلسطينية المشروعة بين دول العالم ، إذ لا عدو لنا سوى الاحتلال الصهيوني الذي اغتصب الأرض الفلسطينية بقوة السلاح و يشن حروبه الهمجية و المسعورة على أطفال فلسطين على مدار ثلاثة و سبعين عاما و أكثر،
انتقلت عيون الكاميرات إلى عوفر حيث ستفرج قوات الاحتلال عن الأسرى الفلسطينيين بعدما سمحت بذلك ، فهي قد أوقفت الإفراج منذ اللحظة التي خرجت فيها آربيل يهود دون معرفة الأسباب و لكن ما أن دخل مساء الخميس الثلاثين من يناير حتى بدأت صفحات التواصل
و شاشات التلفزة تبث مباشرة باصات و مواكب الأسرى الفلسطينين الذين زينوا فلسطين و شوارعها و مدنها و قراها بعلامات النصر و الابتسامات الحرى، حشود غفيرة
و جماهير شعبية تلتف حول مراكبهم تكاد أن تحملهم على الأكف و على الرؤوس ، فهم الأسرى، قضية الشعب
و تاج ثورته على مدار عقود ، دخلت مواكبهم إلى رام الله ، و ظهرت ملامحهم ، مرهقة وجوههم و متعبة ، لا يقوون على المشي أو الحديث ، أجسادهم نحيفة و الشيب يكسو وجوههم و رؤوسهم ، أموات يخرجون إلى
الحياة إنه ميلادهم الطفولي ، الفلسطيني يولد مرتين الثانية أحلى من الأولى حينما يأتي السجان و يتلو بيان
الإفراج عن الأسير الفلسطيني و لحظات و يُحرر إنها لذة
الحرية و ميلاد شمس جديدة لا يعيها إلا من تكبلت يداه
في كلبشات الاحتلال و أنظمة الاستبداد السياسي، لا يعرف قدر هذه اللحظات إلا من وُضع رأسه في أكياس الخيش لساعات طوال و هو معصوب العينين و مقيد الرجلين، لحظات تهز كل مشاعر الإنسانية و انت تدرك أنهم يودعون سنوات من أعمارهم داخل العزل الانفرادي
أكل حديد الزنزانة من أجسادهم و أعمارهم و هد المرض
عزائمهم و طبيعتهم لكنهم يمتشقون العزة و الكرامة من جبال الخليل و سهول مرج بن عامر و و تاريخ نابلس و عبق القدس ،
تمشي الفرحة و نشوة الانتصار بين مدن فلسطين من ام الرشراش إلى المطلة و الناقورة ثم في غزة و تمشي بمحاذاة البحر ، في وسطه تموج ، كل مظاهر الطبيعة الفلسطينية تهتف بحرية الأسرى ، و تنشد لحن تحررهم
الأبدي ، رغم الألم و التضييق و الضرب و التعذيب الذي
كان إلا أن عصابة الاحتلال بعد السابع من أكتوبر زادت و حشيتها تجاه الأسرى هذا لسان حال من تحرر عبر شاشات التلفزة ، بدأوا يتحدثون منذ ترجلهم إلى الأرض المباركة شارات النصر يلوحون بها من خلف زجاج الباص
، يخرجون رؤوسهم من النوافذ يعانقون الأهل و الأحبة ،
يقدمون لنا الابتسامات رغم ما فيهم من أوجاع، زكريا
الزبيدي يلوح بيديه نفسها الحركة منذ عقدين أو أكثر و هو محمول على أكتاف أصحابه داخل مخيم جنين، اليوم يعيد تلويحته و هو محرر لتوه من سجون العدو ، يؤشر بيديه و يحرك الشفتين و كأنه يعطي تعليماته إلى جيش منتظم أمامه، و تلتف الجماهير حواليه و يهتفون للمقاومة، يترجل الأسرى و يحملون على الأكتاف و تعر
أجسادهم بين طوفان بشري و تشرئب الأيادي و الأعناق لتلامس أجسادهم الطاهرة أو لتقبيل أطرافهم الكريمة، حالة من الغليان يشهدها الوطن و هو يستقبل الأسرى و يودع الشهداء ..
31 _ 01_2025 م ، الجمعة ، 57 : 04 ، مساء .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب