مقالات

متى يتوقف الاستثمار الاميركي في الضعف العربي ؟ بقلم المحامي حسن بيان

بقلم المحامي حسن بيان -طليعة لبنان-

متى يتوقف الاستثمار الاميركي في الضعف العربي ؟
بقلم المحامي حسن بيان
لم يكد الرئيس الاميركي يجلس على كرسي الرئاسة في “البيت الابيض ” ، حتى امتشق قلمه ووقع ١٠٠ قرار تنفيذي منها مقاضاة المحكمة الجنائية الدولية مع اعلانه حزمة من المواقف لا يعقل لأي رئيس “عاقل” يتربع على عرش اقوى دولة في العالم ، ان يطلقها وهو المفترض فيه ان يكون ضابطاً لتوزان العلاقات الدولية بحكم موقع اميركا المرجعي في تأثيراته في السياسة الدولية .
من المواقف التي اعلنها ترامب ، دعوته لضم بنما وهي التي تدير القناة الفاصلة بين الاميركيتين ، كما ضم كندا واعتبارها الولاية ال ٥١ ، وتغيير اسم خليج المكسيك الى الخليج الاميركي وابداء رغبته بضم وإلا شراء جزيرة غرينلاند التابعة للدانمارك ، واقدامه على الدخول في اشتباك تجاري مع العديد من الدول عبر فرض رسوم على سلعها ، من المكسيك الى الصين والاتحاد الاوروبي وغيرها من الدول. واخر ماتفتح عنه” العقل الترامبي ” من مقاربات ، دعوته لاخلاء غزة من سكانها الى دول الجوار العربي وخاصة مصر والاردن ،وبعض الدول الاخرى كالبانيا واندونيسيا لأن مساحة “اسرائيل”صغيرة وهي بحاجة لتوسعة ، مشبهاً حجمها في محيطها الجغرافي بحجم قلم على مسطح طاولة متكبه.
هذا الموقف الذي اعلنه ترامب عشية استقباله لنتنياهو ، ، سبقه تنفيذ القرار القديم – الجديد ، بنقل السفارة الاميركية الى القدس ، واعلانه ضم الجولان الى الارض المحتلة في فلسطين ،كما التلميح الذي يسبق التصريح باعادة فرض السيادة الاسرائيلية على الضفة الغربية. وبهذا الموقف الذي اعلنه وحدد فيه رؤيته لما يعتبره حلاً للصراع الدائر حول فلسطين منذ اقامة الكيان الغاصب على ارضها ولاقى اغتباطاً من غلاة الصهاينة المتدينيين ، اعاد بالذاكرة وعد بلفور لاكثر من مئة سنة خلت ، كما اعاد انتاج الموقف الاميركي الاصلي بعد امساك المتصهينيين في الادارة الاميركية بناصية قرار الحكم وهم يقدمون انفسهم تحت مسمى المحافظين الجدد ، والقاضي بمغادرة اميركا لموقفها باعتبار “اسرائيل” دولة وظيفة انشئت لخدمة وحماية مصالح القوى الاستعمارية في المنطقة العربية ، والاقتراب اكثر من تبني مفهوم الدولة التوراتية التلمودية التي ترتسم حدودها بحدود الشعار المرفوع” حدودك يا اسرائيل من الفرات من النيل “.
إن اميركا هذه ، التي يستنبط عقل رئيسها السياسي عن حل مشكلة غزة عبر ترحيل اهلها الى خارجها ، هي التي وافقت على قرار التقسيم ١٩٤٧ وحق العودة ١٩٤٨ والقرارين ٢٤٢/٦٧ و ٣٣٨/٧٣ اللذين ينصان على انسحاب” اسرائيل” من الاراضي التي احتلتها في حرب حزيران ١٩٦٧. وبالتالي ، فإن اعلان ترامب ، لايشكل تطوراً نوعياً في طبيعة الموقف الاميركي وحسب ، بل وبدرجة اولى ، نقضاً فعلياً واسقاطاً بمفعول رجعي لكل القرارات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية وحقوق الشعب الفلسطيني في ارضه وتقرير مصيره.
إن هذا ان دلّ على شيء ، فإنما يدل على أن اميركا التي تعي جيداً ان موازين القوى التي ادت الى اصدار تلك القرارات قد تبدلت ، وبالتالي لا بد من تعديلها وإلا اسقاطها انسجاماً مع معطيات موازين القوى السائدة حالياً على الصعيدين الدولي والاقليمي. وخلفية موقف اميركا هذا ، أنها تتصرف باعتبارها الآمر والناهي بكل مايتعلق بادارة النظام الدولي ، وتتعامل معه العالم من موقعها كسلطة مركزية دولية تفرض خياراتها وقراراتها على كل دول العالم ، بعضها باساليب الحروب العسكرية الخشنة وبعض آخر باساليب الحروب الناعمة . واميركا التي لم تكن طليقة اليد يوم كان العالم يدار بآليات نظام الثناىية القطبية ، بات ترى الامر مختلفاً الان ، لأنها تفلتت من عقالها وتعمل على صياغة النظام الدولي بالاستناد الى عاملين : الاول ، ماتحوز عليه من عناصر قوة ذاتية مقرونة بمرونة نظامها القادر على امتصاص الازمات ، والثاني ، ماهو قائم من عوامل ضعف في مسرح الساحات التي تدير فيها عملياتها السياسية والتجارية والامنية. ولهذا فإنها وهي تنفذ استراتيجية التدخل في خارج حدودها تأخذ عوامل الضعف عند الاخرين في حسابات استثمارها السياسي والاقتصادي. واكثر الساحات التي تجد فيها اميركا مسرحاً متاحاً دون تكلفة كبيرة هي الساحة العربية . فهذه الساحة التي تحتل موقعاً مركزياً في استراتيجية السيطرة الاميركية تسعى للاستثمار بها في الحد الاقصى الممكن مدفوعة بحماية للكيان الصهيوني اولاً ، وثانياً، للتحكم بالسيطرة على الثروات الطبيعية من نفط وغاز وطاقة نظيفة ، وثالثاً ، لموقعها الاستراتيجي على خط التوازن في النظام الكوني باعتبارها تشكل المقابل الجغرافي الجنوبي والشرقي ، للجغرافيا الاوروبية على طول البحر المتوسط.
من هنا ، فإن اميركا التي باتت تقترب من الرؤية التوراتية التلمودية لدولة “اسرائيل” ، تعتبر ان العرب اليوم ، هم في حالة ضعف يكمنها من فرض مشروعها لتشكيل ماتسميه شرق اوسط جديد ،بعدما تم ضرب القوى الارتكازية في الوطن العربي ، وبعض تم احتواءه وبعض بات اسير ازماته البنيوية الداخلية.
وعندما ترى اميركا ، ان العرب عجزوا عن وقف الحرب على غزة وفك الحصار عنها ، فهم بنظرها اعجز من يوقفوا الاندفاعة الاميركية لتنفيذ “ترانسفير” جديد بحق غزة حالياً والضفة الغربية لاحقاً. ولهذا جاءت دعوة ترامب لاخراج الفلسطينيين من غزة الى دول الجوار بالصيغة الآمرة .
لكن هل الامة العربية لم تعد تمتلك أياً من عناصر القوة وباتت في موقع المتلقي لما يملى عليها، ولا تستطيع القول لا للمشروع الاميركي .؟
مما شك فيه ، ان الامة في وضع لاتحسد عليه ، بعد احتواء مصر وضرب العراق ، وتدمير بنيات وطنية عربية ، (كان للنظام الايراني دوراً اساسياً في تدمير البنيات الوطنية العربية ) ، وتصاعد العدوانية الصهيونية على غزة والضفة الغربية ولبنان ، لكن رغم كل ذلك ، فان الامة العربية مازالت تختزن في ذاتها بعضاً من عناصر القوة وابرز هذه العناصر تجذر ثقافة المقاومة في العقل الجمعي العربي ضد كل اشكال الاستلاب القومي والاجتماعي. ويكفي ان تطلق الامة عبر نظمها الرسمية موقفاً رافضاً للخضوع للاملاءات الاميركية ، ويستعيد الشارع العربي نبضه على وقع بلاد العرب اوطاني ، حتى تُقدم اميركا البراغماتية على اعادة النظر في الكثير من توجهاتها وسياساتها حيال انحيازها المطلق لجانب الكيان الصهيوني.
لقد حاول ترامب ترهيب المكسيك بفرض زيادة على الرسوم فردت عليه بالمثل ، وكذلك الامر مع كندا والصين والاتحاد الاوربي ، وكان من نتيجة ذلك ان تراجع ودخل في حسابات الربح والخسارة ومدى انعكاسات الاجراءات المضادة على الاقتصاد والمستهلك الاميركي .
أن العلاقات الدولية لاتستقيم وتتوازن الا إذا اعتمد مبدأ التعامل بالمثل على قاعدة الندية . وعندما يجد ترامب ومعه ادارة الدولة العميقة ، ان مصالح اميركا ستتضرر في المنطقة في حال لم يتراجع عن موقفه ، فإنه سيبحث حكماً عن مخارج تراجعية عندما يجد ان حسابات حقله لم تطابق حسابات بيدره وكما حصل مع المكسيك وكندا والصين وغيرهم من الدول التي شملها باجراءاته الجمركية. ولهذا ، فإن الرد على الاعلان الاميركي لايكون باصدار البيانات والا باساليب المناشدة والا بالبكاء على الاطلال . بل لا بد من اجراءات عملية وأول ما يجب اتخاذه من مواقف ،الاعلان فوراً عن وضع اتفاق بكين للوحدة الوطنية الفلسطينية موضع التنفيذ العملي.
وثانياً، اعلان الدول العربية التي عقدت اتفاقات تسوية مع العدو وتلك التي طبعّت معه تعليق العمل بهذه الاتفاقيات والخروج منها.
ثالثاً ،الدعوة لقمة عربية عاجلة استثنائية تحت عنوان واحد هو رفض ومقاومة الاعلان الاميركي والتصدي له بالدبلوماسية والسياسة والاقتصاد .
رابعاً ، مبادرة الدول العربية لتغذية صناديق كل المؤسسات التي تقدم الخدمات للفلسطينيين في داخل فلسطين وخارجها ولجعل القرار الاميركي بوقف المساهمة في “الانروا” دون فعالية اوقيمة.
تقديم الدعم للدول العربية التي تهددها اميركا بمضاعفات ازماتها الاقتصادية .
خامساً ،دعوة الشارع العربي لاستعادة نبضه واعادة تصويب نضاله ضد اميركا ووجودها وشبكة مصالحها.
ان هذا اذا ماحصل فإنه سيفرض واقعاً جديداً يضيف لعوامل القوة التي يجسدها الفعل المقاوم حيث تقتضي الضرورات وجودها في مواجهة الاحتلال الصهيوني وكل احتلال اخر للارض العربية عوامل قوة اضافية ستكون اولى نتائجها توسيع مروحة الاشتباك السياسي والاقتصادي مع المشروع الاميركي بحلته الجديدة .
إن اطلاق مبادرة حراك رسمي وشعبي ضد اميركا ومصالحها في المنطقة العربية ،تكمن اهميته على كونه ينطوي على اجراءات عملية ويوجه رسالة لاميركا اولاً ، ولكل من تستوطن عقله نوازع التوسع والهيمنة على الوطن العربي وتهديد امنه القومي ثانياً ، بأن الارض العربية ليست سائبة ، وان الامة العربية قادرة على اثبات وجودها والدفاع عن حقوقها الوطنية والقومية اذا ما توفرت ارادة الصمود والمقاومة لديها.
ان اطلاق مبادرة تحرك عربي متعددة الاتجاهات ، ستدفع اميركا ومن يتماهى معها اقليمياً ودولياً الى اعادة النظر بكل سياساتهم حيال الامة العربية وسيكون عاملاً مساهماً في رسم معالم نظام دولي جديد لامكان للاستفراد الاميركي فيه .
فهل يفعلها العرب على مستوى نظامهم الرسمي وقواهم الشعبية ، ويتخذون الموقف ويطلقون الحراك الذي يضع حداً للاستثمار الاميركي في ضعفهم ويحولون دون اميركا وربيبتها “اسرائيل ” ، الاخذ بالسياسة ماعجزتا عن اخذه بالحرب .؟ لاخيار امامهم الا خيار المواجهة ورفض الاستسلام.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى

Thumbnails managed by ThumbPress

جميع الآراء المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي صحيفة منتدى القوميين العرب