“تهدد بتقويض سيادة القانون الدولي”
“تهدد بتقويض سيادة القانون الدولي”
بقلم رئيس التحرير
أثار فرض ترامب الخميس الماضي عقوبات اقتصادية وحظرا على السفر تستهدف من يشاركون في تحقيقات المحكمة الجنائية الدولية مع مواطنين أمريكيين أو حلفاء للولايات المتحدة مثل إسرائيل، غضب دولي وعالمي وحقوقي، وسبق أن اتخذ ترامب قرارا مماثلا خلال فترة رئاسته الأولى.
الامينه ألعامه لمنظمة العفو الدولية ” أنياس كالامار” في معرض ردها على الأمر التنفيذي الذي أعلنه الرئيس ترامب بفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية: “يبعث هذا التصرف الأرعن برسالة مفادها أن إسرائيل فوق القانون والمبادئ العالمية للعدالة الدولية، ويوحي بأن الرئيس ترامب يؤيد جرائم الحكومة الإسرائيلية ويتبنّى الإفلات من العقاب” وأوضحت إنّ الأمر التنفيذي الصادر اليوم انتقاميّ بقدر ما هو عدائي، ويُعد خطوة وحشية تسعى إلى تقويض وتدمير ما أنشأه المجتمع الدولي بجهد دءوب على مدى عقود، إن لم يكن قرونا أي القواعد العالمية التي تنطبق على الجميع، وتهدف إلى تحقيق العدالة للجميع، وتشكل العقوبات خيانة أخرى لإنسانيتنا المشتركة.
وأكدت أنه في لحظة تاريخية نشهد فيها ارتكاب إبادة ضد الفلسطينيين في غزة، وعدوانًا روسيًا على أوكرانيا، وتعرُّض سيادة القانون في العالم لتهديد متعدد الجبهات، تزداد الحاجة إلى مؤسسات مثل هذه المحكمة أكثر من أي وقت مضى لتعزيز أشكال حماية حقوق الإنسان، ومنع ارتكاب الفظائع في المستقبل، وضمان العدالة للضحايا.
وأكدت المحكمة أنها تقف بحزم إلى جانب موظفيها وتتعهد بمواصلة تحقيق العدالة ومنح الأمل لملايين الضحايا الأبرياء للفظائع التي ترتكب في شتى أنحاء العالم، في جميع الحالات التي تنظر فيها.
وفي رد الفعل الدولية أعلنت العشرات من دول العالم ، رفضها لقرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب فرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية، معتبرة أن “من شأنه تقويض سيادة القانون الدولي” وأصدرت 79 دولة، من بينها ألمانيا وفرنسا وكندا والمكسيك وجنوب إفريقيا، بيانًا مشتركًا بعد ساعات من توقيع ترمب أمرًا تنفيذيًا بفرض عقوبات على مسئولي المحكمة الجنائية الدولية، وفقًا لإعلام أميركي.
قرار ترمب بفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية والعاملين فيها فيه إخلال بميثاق الأمم المتحدة وبمبادئ إنشاء المحكمة الجنائية الدولية واستقلاليتها لملاحقة مرتكبي الجرائم ضد الإنسانية ومحاربة العنصرية ، وشكل قرار ترمب موضع انزعاج لدى الخبراء القانونيين والمنظمات الحقوقية الدولية اذ “من المذهل أن نرى دولة تعتبر نفسها بطلة لسيادة القانون تحاول إحباط تصرفات محكمة مستقلة ومحايدة أنشأها المجتمع الدولي، لإعاقة المساءلة” وفرض العقوبات من شأنه “تعزيز ثقافة الإفلات من العقاب ” وشرعنه الإرهاب المنظم على اعتبار أن مجرمي الحرب فوق المسائلة القانونية ويشار إلى أن المحكمة الجنائية الدولية هي إرث محاكمات نورمبرغ بحق كبار المسئولين النازيين، والالتزام بعدم السماح أبدا للجرائم الشنيعة، مثل تلك التي ارتكبت خلال الحرب العالمية الثانية، بالمرور دون عقاب.
إن “قانون فرض العقوبات على المحكمة الجنائية الدولية ” يشكل خرق فاضح وتدخل غير مبرر في عمل المحكمة الجنائية الدولية ويجمع على ذلك الخبراء الامميون قولهم ” إن فرض عقوبات على موظفي العدالة بسبب الوفاء بمسؤولياتهم المهنية يشكل انتهاكا صارخا لحقوق الإنسان، ويضرب صميم استقلال القضاء وسيادة القانون.
القانون الذي صدر يخل بميزان العدالة الدولية وتحقيق الأمن والسلام الدولي ، وترسيخ لسياسة الكيل بمكيالين فيما يتعلق ببلدان معينة، وتشريع المعايير المزدوجة والقانون بحد ذاته لا يرسي سياسة الإفلات من العقاب فحسب، بل يقوض بشكل لا يمكن إصلاحه الدعوة الأممية لإرساء دعائم العدالة الأممية بين الدول والشعوب ،إن مثل هذه الإجراءات تؤدي إلى تآكل الثقة العامة في نزاهة واستقلالية العدالة وتشكل سابقة خطيرة، وتسييس الوظائف القضائية وإضعاف الالتزام العالمي بالمساءلة والإنصاف” وفي موقف لافت حث الخبراء المشرعين الأميركيين على دعم سيادة القانون واستقلال القضاة والمحامين، ودعوا جميع الدول إلى احترام استقلال المحكمة الجنائية الدولية كمؤسسة قضائية وحماية استقلال وحياد أولئك الذين يعملون داخلها.
يُذكر أن المحكمة الجنائية الدولية ليست جزءا من منظومة الأمم المتحدة. ويحدث خلط في بعض الأحيان بين المحكمتين. أبسط طريقة لتفسير الفرق هي أن قضايا محكمة العدل الدولية تشمل الدول، فيما تنظر المحكمة الجنائية الدولية في قضايا ضد أفراد بتهمة ارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية.
وفي حين أن محكمة العدل الدولية هي أحد أجهزة الأمم المتحدة، فإن المحكمة الجنائية الدولية مستقلة قانونا عن الأمم المتحدة، على الرغم من تأييد الجمعية العامة لها. وقد تأسست المحكمة الجنائية الدولية عام 2002، لمحاكمة المتهمين بأخطر الجرائم، وضمان وصول الضحايا إلى العدالة، وإجراء محاكمات عادلة، واستكمال عمل المحاكم الوطنية.
ويذكر أن القانون الذي صدر عن ترمب جاء ردًا على إصدار المحكمة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير أمنه السابق يوآف غالانت، لارتكابهما جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية بحق الفلسطينيين في قطاع غزة.