العلاقة بين الدين والسلطة ( الحلقة 2 – 5)
عرض وتلخيص : علي رهيف الربيعي
كي نفهم علاقة الدين بالسلطة ، لا بد من التعمق في فهم المعتقدات الدينية المتعلقة بالسلطة مباشرة وغير مباشرة . إنها هي التي تؤلف مع المعتقدات العائلية تلك الثقافة السائدة التي تمنح السلطة السياسية اهم أسس شرعيتها خصوصا في المجتمعات التقليدية . من هنا صورة الحاكم – الأب ، ونشوء الطبقة الحاكمة التي تسيطر على السياسة بفعل سيطرتها على الاقتصاد وامتلاكها الوجاهة الاجتماعية والتراتب الطبقي المتصل بالقيم والعلاقات والقيم العمودية بين أفراد وجماعات وفئات غير متساوية في مواقعها وحقوقها وواجباتها. ويبدو واضحا ، لا سيما في هذا الوقت ، أن المفاهيم السائدة في الخطاب العربي الحالي كالتراثية والأصالة هي في صلب الدمج بين السلطة الدينية والسلطة السياسية.
تكاد الأدبيات الاستشراقية ان تجمع على مقولة تميز الإسلام عن الأديان الأخرى وخصوصا المسيحية واليهودية من حيث كليته وشموليته واهتمامه أو انشغاله بأدق الجزئيات ، حتى انه ” ليس هناك أي شيء مهما كان صغيرا وشخصيا وحميما لا يحتاج إلى تدبير إلهي. مثل هذا التوجه ، فيما يطقسن الحياة طقسنة كاملة ، يعطي أهمية لأقل الأمور أهمية ويجعلها مقدسة كتأكيد على أبدية النظام …” (1).
في الوقت الذي تشغل المؤسسة الدينية المؤمنين بأدق الجزئيات كما سنرى فيما بعد حين ننظر في مسألة استخدام الدين كأداة سيطرة، نرى ( بصرف النظر عن صحة هذا الاستنتاج المنطقي على صعيد نظري) ان النظام الديني يختلف باختلاف المجتمعات والازمنة ولا يمكن أن يكون فوق التغير حين تتغير البنى الاجتماعية والاقتصادية . بكلام آخر ليس النظام الديني الإسلامي واحد في الأمس واليوم وفي مختلف البلدان التي تسمى إسلامية . وقد طرح احد علماء الأنثروبولوجيا هذا التساؤل مبنيا الاختلاف الكبير بين المجتمع المغربي والمجتمع الأندونيسي مما قاده إلى القول بعدم جدوى وصف هذين البلدين كبلاد ” إسلامية” باعتبار ان هذه البلدان وجدت قبل الإسلام فتأثرت به كما أثر بها (2).
تستخدم القوى الاجتماعية والسياسية والاقتصادية الدين في دعم مصالحها الخاصة ، وتفسره حسب أهوائها ومواقعها فتتنوع الاستخدامات والتفسيرات والتطبيقات لدرجة التناقض ضمن الدين الواحد . يحدث هذا خصوصا في المراحل الانتقالية واشتداد الأزمات والصراعات الخارجية والداخلية . استخدم الإسلام كما استخدمت الأديان الأخرى من قبل السلطات والطبقات الحاكمة والأحزاب والجماعات والأفراد لمصالحها الخاصة معززة مواقفها بالنصوص الدينية مشددة على بعضها ومهملة لبعضها الآخر في عملية انتقائية مغرضة. وليس في الأمر غرابة ، فالدين بيسر دائما من قبل الجماعات والطبقات والأفراد حسب مواقعها في البنى الاجتماعية – والاقتصادية – السياسية ومن منظورات أيديولوجية محددة.
وإذا ما درسنا هذه الاستخدامات والتفسيرات في إطار علاقة الدين بالسلطة في هذه المرحلة الانتقالية من تطور المجتمع العربي المعاصر ، فقد نتمكن من تحديد عدد كبير منها . في رأيي ان هناك على الاقل ثلاثة استخدامات اساسية في الوقت الحاضر، واقصد بذلك ان الإسلام يستخدم الآن كأداة سيطرة ، أو أداة تحريض ، أو أداة مصالحة مع الواقع الأليم الذي تعيشه الجماعات والطبقات المسحوقة.
يتبع…
(1) حليم بركات، الهوية أزمة الحداثة والوعي التقليدي، رياض الريس، ٢٠٠٤
(2) نفس المصدر ص ٣١٠.
2025 /02 /09